نحو إسلام الرسول

(213) 6/8/2014 (ثالثا: مفهوم الليل والنهار في اللسان العربي)

لقد بدأت هذه الدراسة على النحو التالي:
– الرؤية الفلكية لآية اختلاف الليل والنهار
– مفهوم الليل والنهار في السياق القرآني
والآن أتحدث عن مفهوم الليل والنهار في اللسان العربي، ولقد جئت بهذا الفصل بعد الفصلين السابقين، لأنه وفق منهجي، فإني أتعامل مع أدوات تدبر القرآن (الخمس) حسب أهمية وأولوية كل أداة بالنسبة للموضوع محل الدراسة.
لقد أجمع أهل اللسان العربي، على أن الليل يأتي عقيب النهار، ومبدؤه من غروب الشمس، وينتهي عند الفجر. وأن النهار يأتي عقيب الليل، ومبدؤه الفجر، وينتهي عند غروب الشمس.
لقد فُرضت بداية الصيام عند تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، من الفجر، لأنه (أول النهار)، وفُرضت نهاية الصيام عند تبين الشفق الغربي (المسائي)، وذلك عند غروب الشمس، لأنه (أول الليل)، والله تعالى يقول: “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ”!!
لقد قال الله تعالى: “أَتِمُّوا الصِّيَامَ”، ولم يقل (أتموا الليل)، حتى يستدل مدعي التدبر، بهذه الآية، في سياق تعريفهم الليل!! إن التمام يتعلق بالصيام وليس بالليل، وذلك لبيان أن صوم رمضان (فريضة)، يجب أن تؤدى (تامة) متصلة، وليس على أجزاء، كصيام التطوع!!
إن الإتمام، هو انتهاء وجود ما لا يتألف من أجزاء!!
والإكمال، هو انتهاء وجود ما لكل من أجزائه أثر مستقل وحده!!
تدبر قوله تعالى: “اليوم (أكملت) لكم دينكم و(أتممت) عليكم نعمتي”، إن (الدين) هو مجموع لأجزاء لكل جزء أثره المستقل به: الوحدانية، الصلاة، الزكاة، الصيام، والحج. أما (النعمة) فدائمة متصلة، ومنها أيضا نعمة (إكمال الدين)، وذلك من باب عطف العام (النعمة) على الخاص (الدين).
إن من أفطر ناسيا في رمضان، فعليه القضاء، لأن صيام رمضان يجب أن يأتي به المسلم تاما، فهو ليس كصيام التطوع، إذا وقع فيه خرم لا قضاء عليه، لذلك قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، ليفهم الذي أفطر ناسيا أنه لم يتم صيام يومه وعليه القضاء.
أما قوله تعالى: “(إِلَى) اللَّيْلِ”، فـ (إلى) تستخدم للغاية، فإذا كان:
1- ما بعد (إلى) من جنس ما قبلها: يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها.
مثال: “فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ (إِلَى) الْمَرَافِقِ”، فالمرفق من جنس اليد، فيدخل في حكم الغسل.
2- ما بعد (إلى) ليس من جنس ما قبلها: لا يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها.
مثال: “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ”: فالليل ليس من جنس النهار، فلا يثبت لليل حكم النهار، أي الصيام!!
فإذا دخل (الليل)، وجب الإفطار على الفور، لماذا؟! لأن ما بعد (إلى)، ليس من جنس ما قبلها، فـ (يحرم) على المسلم، أن يظل صائما، ولو لدقيقة واحدة، بعد إعلان معهد البحوث الفلكية في مصر، عن موعد الإفطار، فعليه أن يفطر ولو بشربة ماء!!
في ضوء منظومة التدبر:
إنه في ضوء الرؤية الفلكية، والسياق القرآني، واللسان العربي، يمكننا فهم الآيات المتعلقة بموضوع هذه الدراسة: (آية اختلاف الليل والنهار)، على النحو التالي:
1- يقول الله تعالى في سورة القصص:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (اللَّيْلَ) سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ (بِضِيَاءٍ) أَفَلا تَسْمَعُونَ [71] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (النَّهَارَ) سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ (بِلَيْلٍ) تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ [72]
إن فهم الحكمة، من استخدام كلمة (الضياء)، وعدم استخدام كلمة (النهار)، في الآية الأولى، واستخدم كلمة (الليل) مقابل (النهار) في الآية الثانية..، هو مفتاح فهم الآيتين!!
لقد استخدم السياق كلمة (الضياء) لبيان أنه لولا (الشمس): “هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً”، ودوران الأرض حول محورها أمامها، لما كان هناك ليل، ولا نهار، ولظلت الأرض على حالها من الظلمة (سرمدا) إلى يوم القيامة!!
إذن، فكلمة (ضياء)، لم تأت في الآية الأولى، لبيان أن الليل يعني الظلمة، (على إطلاقها)، وإنما جاءت للإجابة على سؤال افتراضي:
ماذا لو أن الله تعالى (لم يخلق الشمس)، فماذا سيكون حال الأرض، بل والمجموعة الشمسية؟! لذلك فقوله تعالى (يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ) جاء إشارة إلى نعمة المصدر (الشمس)، وليس إلى نعمة الضياء، حتى يقابله البعض بظلام الليل، لمجرد ورود كلمة (الليل) قبل (الضياء)!!
إن سياق الآيتين، يتحدث عن نعمة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، تاركة وراءها الليل والنهار، دليلا على الواحدانية، فبدون هذه النعمة، لاستحالت حياة البشر على الأرض، فلا ليل يسكنون فيه، ولا نهار يبتغون فيه من فضل الله!!
لذلك قال تعالى بعد الآيتين مباشرة: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (لِتَسْكُنُوا فِيهِ)، (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [73].
إن نعمة (السكن)، عرفها العرب، وتعرفها الدول المتحضرة اليوم، وذلك بإنهاء العمل قبل غروب الشمس، مع (الشفق المسائي)، أي مع أول الليل.
كما أن نعمة (الابتغاء من فضل الله)، تبدأ مع شروق الشمس، مع (الشفق الصباحي)، عندما يصبح ضوء النهار جليا، وهنا يقول الله تعالى في سورة الأنعام، مبينا هذه النعمة: “فَالِقُ الإِصْبَاحِ” (وذلك عند شروق الشمس) – “وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً (وذلك عند غروب الشمس)!!
2- يقول الله تعالى في سورة الفرقان:
“أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ (الظِّلَّ)، وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً، ثُمَّ جَعَلْنَا (الشَّمْسَ) عَلَيْهِ دَلِيلاً”
لماذا يصف بعض علماء الفلك (النهار) بـ (الليل النسبي)؟!
لأن في الحقيقة، النهار هو الأمر العارض (الغير دائم)، الذي جاء يغطي الليل بضيائه، وليس ليُذيحه (ويحل محله)!! إن (الظلمة) هي أصل هذا الكون، و(الضياء) هو الأمر العارض الذي طرأ على هذه الظلمة، وذلك نتيجة دوران الأرض (المظلمة)، أمام الشمس (المضيئة)، فلا يغطي الضياء، إلا المساحة المقابلة لأشعة الشمس، وباقي الأرض تتدرج فيها الظلمة بداية من غروب الشمس وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الإسود من الفجر.
إن الليل موجود أسفل النهار (أصلا)، وظلمة الليل تظهر تدريجيا من تحت النهار مع انسلاخ النهار من الليل، بداية من غروب الشمس وحتى غسق الليل، ثم يعود النهار إلى الليل ليغطيه مرة أخرى عند الفجر.
وتتكرر هذه الظاهرة كل (24 ساعة). وكل الآيات القرآنية التي تحدثت عن الليل، تحدثت عنه بهذا المعنى، وإن فُهم من السياق غير ذلك، لأن المحور الأساس الذي يدور حوله هذا المعنى، هو قوله تعالى في سورة يس: “وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ”.
ولقد أقسم الله تعالى بالليل، قائلا: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ)، (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)…، ومعنى (إِذَا يَسْرِ)، (إِذَا سَجَى)، أي إذا مضي الليل سائرا، وقد تمكنت منه (الظلمة)…، فإذا نظرنا إلى ما يحدث فعلا، وجدنا أن النهار هو الذي جاء ليغطي الليل، ويُظهر ظلمته (وليس ليُذيحه)!!
هل تعلم، أن النهار لو أزاح الليل من أمامه، لحصلنا على (100%) من أشعة الشمس، ولأصيب الناس بالعمى؟! والدليل على أن النهار لا يذيح الليل، هو آية (الظل)، فلو أزاح النهار الليل، لَـما وجدنا للأشياء (ظلالا) على الأرض!!
إنك لو أضئت غرفة، بكامل محتوياتها، بإضاءة قوية، لن تجد بها ظلا واحدا!! ولذلك، جعل الله (الظل)، آية على الوحدانية، فيقول تعالى في سورة الفرقان: “أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ، وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً، ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً” – “ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً”
تدبر قوله تعالى: (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) – (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً)!!
إن امتداد (الظل)، والتفاوت في مقداره، يتوقف على مدى بعد الأشياء عن أشعة الشمس، أو قربها، نتيجة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، ولو شاء الله تعالى لما جعل لهذا (الظل) وجودا، أي لما خلق (الشمس) أصلا، لأن معنى السكون في قوله تعالى (لَجَعَلَهُ سَاكِناً)، قد بيّنه قوله تعالى بعدها (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً)، فلولا (الشمس) ما كان (الظل)، وهذا معناه أن (الظل) هو أثر الظلمة (الليل) الموجودة أصلا على الأرض!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى