إن أول آية في كتاب الله، تحدثنا عن الليل والنهار، هي قوله تعالى في سورة البقرة:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)…لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [164]
ويقول الله تعالى في سورة الفرقان:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (خِلْفَةً) لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [62]
لقد جعل الله تعالى (اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً)، يخلف أحدهما الآخر، نتيجة كروية الأرض، ودورانها حول محورها أمام الشمس، بصورة متعاقبة متناغمة، ولولا هذا التعاقب، لأصبح الجزء المواجه للشمس نهارا دائما، والآخر ليلا دائما.
إن (اختلاف الليل والنهار) آية كونية، وبرهان على الوحدانية، يستحيل حصرها في (ظلمة) الليل، و(ضياء) النهار، فهي تحمل آيات وآيات…، ولكن “لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ”: “إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ (لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [6] يونس
ولكي نقف على ما في (اختلاف الليل والنهار) من آيات، علينا أن نتبع المنهج العلمي، الذي تقوم عليه منظومة (التناغم المعرفي)، بين آيات الله القرآنية، وآياته الكونية (آيات الآفاق).
لقد كان العرب، في عصر التنزيل، يعلمون ما يحدث في الكون من ظواهر كونية، فلا يمكن أن يخاطبهم الله تعالى بمصطلحات علمية (فلكية)، وهم لا يعلمون عنها شيئا، وهو القائل عز وجل: (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)!!
والغريب، أن هناك من يريدون فهم هذه الظواهر الكونية، بنفس الطريقة التي فهمها بها العرب في عصر التنزيل، وذلك بمجرد رؤيتها بالعين المجردة، ثم يدّعون أنهم يقرأون القرآن قراءة معاصرة!!
منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، وأثناء وضع الملامح الأخيرة لمنهجي في فهم القرآن، خرجت إلى الشوارع، وصعدت الجبال، أبحث بعيني المجردة، عن متى يحل النهار، ومتى يحل الليل!! ثم قادني منهجي، وما حمله من أدوات لفهم القرآن، إلى سؤال:
إذا كنت قد آمنت بأن القرآن آية إلهية، تتفاعل مع كل عصر، بأدواته وإمكاناته العلمية والمعرفية، فلماذا تشغل بالك بالفهم السلفي للقرآن، حتى لو كان فهم الأمس؟!
سألت نفسي: أنت اليوم تدّعي أن القرآن (آية إلهية)، إذن فعليك أن تثبت صحة دعواك، وتفهم القرآن بأدوات عصرك، أو تثبت عدم صحة دعواك، وتتعامل مع القرآن ككتاب من كتب التراث، تفهمه كما فهمه السلف!!
ومن يومها، وأنا أتعامل مع القرآن باعتباره (الآية الإلهية) الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، أبحث عن أهل التخصص العلمي، لمساعدتي في تدبر الآيات المرتبطة بتخصصاتهم، فتعلمت منهم ما لم أكن أعلم!!
لقد تعلمت من (علماء الفلك)، أن هناك ظواهر كونية (عقبات)، يستحيل مع وجودها، أن ترى العين المجردة، تفاصيل ما يحدث في الكون، وإنما تراها الأجهزة والتقنيات الحديثة!!
وعلى هذا الأساس، سأعرض فهمي لآية (اختلاف الليل والنهار)، على النحو التالي:
أولا: الرؤية الفلكية لآية اختلاف الليل والنهار
ثانيا: مفهوم الليل والنهار في السياق القرآني
ثالثا: مفهوم الليل والنهار في اللسان العربي
رابعا: خلاصة القول، في ضوء ما سبق بيانه.