الشبهة: هناك من يدّعون أن الصيام يمتد حتى بداية الظلام، باعتبار أن (الليل) يعني (الظلام)، والله تعالى يقول: “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ”، وعلى هذا فمن أفطر قبل دخول ظلام الليل فسد صومه!!
الجواب، وباختصار شديد:
1- بدون منهج علمي، يحمل أدوات لفهم القرآن، يستند إليه كل من أراد استنباط حكم من أحكام القرآن، أو الخروج بقراءة معاصرة لآياته، يصبح من العبث أن يُضيّع (المؤمن) دقيقة واحدة للنظر في هذه الاجتهادات العشوائية!!
2- كلمة (الليل) تأتي في السياق القرآني لأكثر من غرض، إما في سياق بيان (دلائل الوحدانية)، كقوله تعالى: “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (اللَّيْلَ) سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ (بِضِيَاءٍ) أَفَلا تَسْمَعُونَ”، وهنا يأتي (الليل) بـ (مفهومه العام) الذي يقابله (النهار)، ويكون المعنى: ماذا لو أن الله لم يخلق (الشمس)، فمن الذي سيأتيكم بـ (النهار): “مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ (بِضِيَاءٍ)”؟!
3- أما إذا جاءت كلمة (الليل)، في سياق حكم من الأحكام، يتعلق بـ (المساحة الزمنية) المرتبطة بحركة دوران الأرض حول نفسها (أمام الشمس)، والتي تقابلها مساحة أخرى (للنهار)، هنا لا يصح الحديث عن الليل بمفهومه العام (الظلام)، وكذلك النهار (الضياء)، لأننا الآن أمام ظاهرة (فلكية)، بيّنها الله تعالى بقوله: “يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً”، انظر إلى كلمة (حثيثا) وبيانها في قوله تعالى: “(يُولِجُ) اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَ(يُولِجُ) النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ”؟!
4- إن هذه (المساحة الزمنية)، الناتجة عن عملية (الإيلاج)، تسفر عن ليل هو ليس بليل، وعن نهار هو ليس بنهار، فالليل والنهار من منظور عملية (الإيلاج)، هما:
– (الليل): هو أول (نقطة) في الظلام تظهر عند اختفاء آخر جزء من قرص الشمس عن الأفق، وعند هذه النقطة ينتهي الصيام: “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى (اللَّيْلِ)”.
– (النهار): هو أول (نقطة) في الضياء تظهر عند ظهور أول جزء من قرص الشمس في الأفق، وهذه النقطة هي الخيط الأبيض الذي يخرج من ظلام الليل، وعنده يبدأ الصيام: “حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ”.
5- وفي إطار هذه (المساحة الزمنية) نلاحظ، أن السياق القرآني تحدث عن شيء اسمه (غسق الليل) فقال تعالى: “أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (إِلَى) – (غَسَقِ اللَّيْلِ) وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً”، وهذا معناه أن (غسق الليل) غير (الليل)، من منظور عملية (الإيلاج)، فقوله تعالى (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)، يعني حتى تنتهي عملية (الإيلاج) وتظهر (ظلمة) الليل!! وعندما تحدث عن ميقات الصيام فقال تعالى: “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ (إِلَى) (اللَّيْلِ)”، فهذا يعني أن الصيام ينتهي عند أول نقطة تظهر لـ (الليل)، عند عملية (الإيلاج)، وليس عند (ظلمة الليل)!!
إنه بدون منهج علمي، يحمل أدوات لفهم القرآن، سنُضيّع القرآن، ونُضيّع أنفسنا، ونُضيّع المسلمين!!
أنا أفهم القرآن، منذ عقود مضت، وبمنهج علمي، وبأدوات مفصلة على موقعي، وهي علم: اللسان العربي، والسياق القرآني، وآليات عمل القلب، وآيات الآفاق والأنفس، وهذا كله في إطار (منظومة التواصل المعرفي) التي حملت للمسلمين مواقيت الصلاة والصيام، التي جاءت أحكامها مجمله في كتاب الله، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.
وخلال هذه العقود، وأنا أبيّن للناس تهافت القراءات الشاذة لآيات الذكر الحكيم، ولقد نصحت أصحابها أكثر من مرة، وهم يعلمون ذلك، ولكنهم لا يحبون الناصحين!!