نحو إسلام الرسول

(203) 29/6/2014 (أصل مقال: أزمة الإسلام السياسي)

[تم حذف (400) كلمة منه، بمعرفة صحيفة التحرير]
إن معظم المسلمين، يعتقدون أن الإسلام الذي هم عليه اليوم، هو الإسلام الذي كان عليه رسول الله وصحبه في عصر الرسالة، وهذا فهم خاطئ، يرجع إلى عدم علمهم بتاريخ (الإسلام السياسي)، الذي وُضعت بذوره بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان (ت 35هـ)، ونمت شجرته بعد أحداث (الفتن الكبرى)، التي شارك فيها الخليفة الرابع عليّ بن أبي طالب (ت 40هـ)، ثم كبرت وامتدت فروعها المتشابكة، على أيدي خلفاء الدولتين، الأموية والعباسية (41- 656هـ)!!
إن معظم المسلمين اليوم، ينتمون إلى هذا (الإسلام السياسي)، الذي صنعته الخلافة الأموية (41- 132هـ)، وقام على ما نسبه الرواة إلى النبي من روايات، وتفسيرات لآيات الذكر الحكيم، وما وضعه أئمة المذاهب الفقهية من أحكام وفتاوى، لمواجهة الإشكالات العقدية والتشريعية، التي ظهرت بعد مقتل الخليفة الثالث، وبعد المذابح الكبرى التي وقعت في: الجمل (36هـ)، وصفين (37هـ)، والنهروان (38هـ)..، وراح ضحيتها آلاف المسلمين، والتي اقتضت أن يكون هناك مخرج لأزمة “القتل العمد، من سبق الإصرار والترصد”!!
ثم جاءت الدولة العباسية (132- 656هـ) فوجدت أمامها تراثا مذهبيا ضخما، يحمل كمّا هائلا من الروايات، ومنظومة فقهية حملت اجتهادات أئمة المذاهب وشروحهم، ثم تفرعت الحواشي على الشروح، والهوامش على الحواشي، وكل ذلك باسم (السنة النبوية)، فسمحت بتدوينه، باعتباره المصدر الثاني للتشريع، المبين والمكمل لأحكام القرآن!!
إنك لن تجد (مطلقا) لأزمة “القتل العمد، من سبق الإصرار والترصد” سندا من كتاب الله، وإنما ستجد كل الأسانيد والفتاوى في هذا المصدر الثاني للتشريع، الذي رفعت عليه كل فرقة راية (السنة النبوية)، بما يوافق مذهبها في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف!!
وإن من أخطر ما حمله هذا المصدر التشريعي من فتاوى، وتفسير لآيات الذكر الحكيم، ما جاء يبرر ما حدث من سفك للدماء، وإخراج المشاركين فيه من دائرة “القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد”، بعد عجز من صنعوه، عن الإتيان بآية قرآنية واحدة، تخرج المشاركين في هذه الأحداث من دائرة “القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد”!!
لقد ذهبوا إلى آية قرآنية، لا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد، بما حدث من مجازر في هذه الأحداث، واعتبروها هي المخرج من هذه الأزمة، والآية هي قوله تعالى في سورة الحجرات: “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
لقد اعتبروا هذه الآية دليلا على جواز سفك المسلمين دماء بعضهم بعضا، مع بقائهم على الإيمان، والحقيقة أن هذه الآية تتحدث عن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا [يعني تتحدث عن خناقة، وليس عن معارك حربية]، فأمر الله الطرف الثالث، الذي هو النظام الحاكم، الذي يملك السلطان، والقوة المرهوبة، أن يتدخل لردع الطائفة الباغية: “حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ”، ولو كان السياق يتحدث عن معارك حربية، تُسفر عن آلاف القتلى، كما حدث في الفتن الكبرى، ما قال بعدها: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.
فإذا نظرنا إلى موقعة (الجمل)، وجدناها قامت أصلا ضد النظام الحاكم، ضد خليفة المسلمين، أي ضد القوة المرهوبة، التي من المفترض انها هي التي تتدخل لتفصل بين الطائفتين المتنازعتين!! ولكن أن يستمر سفك الدماء أياما، وفي جرائم جنائية، مع سبق الإصرار والترصد، فهذا يُسأل عنه قضاة العالم، مسلمين وغير مسلمين، متقدمين ومتأخرين، هل ما حدث من سفك للدماء، يعتبر (قتلا عمدا مع سبق الإصرار والترصد)، أم ماذا نسميه؟!
إن أحداث الفتن الكبرى، أزمة عقدية وتشريعية كبرى، إنها المحور الأساس والحيوي، في تاريخ (الإسلام السياسي) الذي يعيش بداخله المسلمون منذ قرون من الزمن، لذلك فهو لا ينفصل عما يحدث حولهم اليوم، في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن..، وما كان مخطط له أن يحدث في مصر، فالمرجعية الدينية التشريعية لهذا (الإسلام السياسي) واحدة!!
إن المصدر التشريعي الثاني، الذي حمل اسم (السنة النبوية)، ليأخذ قدسية في قلوب أتباع الفرق، والجماعات، والأحزاب الدينية..، صُنع في ظروف سياسية وفقهية تلبي كافة التوجهات المذهبية المختلفة، سواء كانت سلفية أو سلفية جهادية، أنصار سنة أو أنصار شريعة، جمعيات شرعية أو محمدية..، فكلها إذا حان وقت النفير، سيتحالفون على قلب رجل واحد للقتال ضد الكافرين، ثم بعد أن يتمكنوا، يقاتل بعضهم بعضا..، وهذا بشهادة (الإسلام السياسي)!!
ولقد استغلت القوى العالمية، تفرق المسلمين وتخاصمهم، وتكفير بعضهم بعضا، لخدمة مصالحها في المنطقة، فالدماء التي تسفك اليوم بسبب الهوية الدينية، في أي مكان في العالم، والتفجيرات الانتحارية، وكافة صور الإفساد في الأرض التي تحدث باسم (الإسلام)، وتحت راية (لا إله إلا الله – محمد رسول الله)، كل هذا يحدث بمباركة هذه القوى وتأييدها، وتدعيمها..، والقتلة سعداء بإنجازاتهم في الدنيا، وينتظرون الحور العين في الآخرة، ولا يفعلون ذلك إلا إذا كانت قلوبهم على يقين أنهم على الحق، وقد بيّنا أن هذا الحق هو (الإسلام السياسي) وليس (الإسلام) الذي كان عليه النبي وصحبه، الذين رضي الله عنهم!!
إن على المسلم الجاد، الباحث عن الحق، أن يبحث عن نشأة الفرقة التي ينتمي إليها، ويساعده على ذلك، النظر إلى تاريخ ميلاد ووفاة أصحاب أمهات الكتب التي يدّعون أنها حملت (السنة النبوية)، ليتأكد بنفسه، أن عصر النبوة، وعصر الخلافة الراشدة، لم يعرفا شيئا عن هذه الكتب، ولا عن أصحابها!!
سيقولون: لقد كانت هناك صحف مدونة، ولكن ليست مجمعة…، نقول لهم: إذن فلماذا مرت الصحف التي دوّن فيها (القرآن) بسلام، من عصر النبوة إلى يومنا هذا، ولم تمر هذه الصحف بسلام، إلا بعد أن دوّنت (مذهبيا) في الكتب، بعد وفاة النبي بقرن ونصف قرن من الزمن؟!
ولقد كان من الطبيعي، وسط هذه الأزمة التخاصمية التكفيرية، التي سرت في دماء أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، أن تفرز منظومة “الفقه السياسي” ما اصطلح على تسميته بـ “التقيَّة”، وهي أن يخفي المرء حقيقة ما في قلبه تجاه الآخر، لتحقيق مصالح شخصية أو دينية أو سياسية!! واليوم تختفي وراء هذه “التقيَّة”، كافة الجمعيات الأهلية، والجماعات والأحزاب الدينية، لعلها تستطيع أن تفعل شيئا في الكارت الأخير الذي تبقى معها، وهو (الانتخابات البرلمانية)!!
إن على المسلمين أن يصحوا من سباتهم، وينتبهوا، وأن يأخذوا أزمة (الإسلام السياسي) مأخذ الجد، فالقضية لا علاقة لها بحقوق الإنسان السياسية، ولا بالديمقراطية..، لأننا أمام مصيبة كبرى اسمها (الإسلام السياسي)، الذي سيسحق كل هذه الأنظمة السياسية أمامه، إذا تمكن في الأرض، لأنه لا يعترف إلا بنظام واحد فقط، اسمه (الخلافة الإسلامية)، ودولة (الإسلام)!!
ولكن هل هي دولة (الإسلام) التي أسسها رسول الله وصحبه، الذين رضي الله عنهم، أم هي دولة (الخلافة) التي قامت على دماء الفتن الكبرى؟! قطعا، ودون أدنى شك، هي دولة (الخلافة)، الأمر الذي يقتضي أن تُقتلع عروق هذا (الإسلام السياسي)، وأصوله، وفروعه، من حياة المسلمين!!
فلا تحدثني عن مصالحة، ولا عن مبادرات وتنازلات وصفقات، لأنها كلها (تقيَّة)..، قبل أن تُغسل قلوب وشرايين أتباع هذه الطوائف الدينية جميعها، من هذا (الإسلام السياسي)، الذي لم يصنع على مر العصور إلا (منافقين)، يقولون ما لا يفعلون، ويستقون بالقوى الكبرى، وقد كانوا من قبل يُكفرون من يواليهم!!
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى