لقد أعطانا الله تعالى الفرصة لنغرس “الشجرة الطيبة” في أنفسنا، وذرياتنا، فلماذا لا نبدأ العمل، وقد وعدنا الله أن يكون معنا، فقال تعالى بعد بيان ماهية هذه “الشجرة الطيبة”: “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ”؟! هل نريد أن نكون مع الظالمين الضالين: “وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ”؟!
إن كثيرا من المسلمين، يمرون على هذه الآيات، غير متدبرين، ولا متعقلين!! إنهم لا يدركون حجم المسئولية الملقاة على (أعناقهم)!! إنهم لا يعلمون أن تثبيت الله وتأييده ونصره، لا يكون إلا لـ (الَّذِينَ آمَنُوا)، ولكن من هم هؤلاء (الَّذِينَ آمَنُوا)؟! أي إيمان هذا الذي يقبله الله تعالى ويثبت صاحبه؟!
كان يجب أن نتعرف على تعريف القرآن للمؤمنين (حصرا)، فيقول الله تعالى:
– “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”- “الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” – “أُوْلَئِكَ هُمْ (الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً) لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”. [الأنفال2]
إن (وجل) القلوب لا يتحقق إلا لقلوب عروقها الإيمانية راسخة (الإيمان اليقيني)، و(ازدياد الإيمان) لا يتحقق إلا لمن أقام تدبره لآيات الكتاب على أصول علمية منهجية (الالتزام العلمي بأحكام الكتاب)، و(التوكل على الله) لا يتحقق إلا لمن كان لعروقه وأصوله الإيمانية فروع قائمة، عطاؤها متجدد دوما بما ينفع الناس.
إن (الذين) وصفهم الله تعالى بهذه الصفات، هم (الذين) يقيمون أحكام الشريعة خضوعا وتسليما وطاعة لأمر الله، وما إقام (الصلاة) و(الإنفاق) في سبيل الله، إلا محاور أساس لفعالية هذه الأحكام في حياتهم، وكلها تدور حول إقامة الصلة بينهم وبين رسول الله (في حياته)، وبينهم وبين رسالته (آيته القرآنية) بعد وفاته.
إن هذه (الصلة) الإيمانية، هي التي جمعت المؤمنين (أمة واحدة)، وهي التي جعلتهم يلتزمون بآداب الإسلام مع قائدهم، وهي التي كشفت المنافقين منهم…، فجاءت الآية التالية، تضرب المثل بفاعلية هذه الصلة بينهم وبين رسول الله، فقال تعالى:
– “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ … الآية [62] النور
إن هذه (الصلة) الإيمانية، هي التي دعمت روابط (الأخوة) بين المؤمنين، لذلك كان الإسلام حريصا على ألا تُصاب هذه (الأخوة) بأي مكروه، فقال تعالى:
“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” [10] الحجرات
إن هذه (الصلة) الإيمانية، صلة ثابتة، راسخة في القلوب، وبرهان صدقها، أن تخرج من القلوب إلى واقع الحياة، وتنفذ ما أمرها الله به، سلوكا عمليا، فقال تعالى:
“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا، وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، (أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ) [15] الحجرات
هؤلاء هم (المؤمنون)، أصحاب “الشجرة الطيبة”، قلوبهم (وجلة) من ذكر الله، ربانيّون (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)، متوكلون على الله، ثابتون على إيمانهم (بتأييد الله ونصره)، ملتزمون بأحكام الشريعة وآدابها، تجمعهم رابطة (الأخوة) الإيمانية، يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم… (أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ).
إذا كانت هذه هي صفات المؤمنين، فماذا تقول في هؤلاء القوم، الذين: “إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ” لم تجل قلوبهم، وإذا “ذُكِرَ رسُول الله”، وجلت قلوبهم وأجسادهم ووجوههم!! ثم بعد هذه المـأساة تحدثني عن حجية مصدر ثان للتشريع؟!
إنك لن تجد آية تقول: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ (الرسول) وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ (أحاديثه) زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً”، ولا ما في معناها…، فكيف يعبد المسلمون ربهم، وقلوبهم لم يدخلها الإيمان الحق، ولا الإسلام الحق؟!
“قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ (لَمْ تُؤْمِنُوا) وَلَكِنْ قُولُوا (أَسْلَمْنَا) وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”>