لقد اعتبر القرآن الحكيم، العدوان على حقوق وحريات الناس وكرامتهم، بمثابة العدوان على الله ورسوله، مما يبيّن مدى اهتمام الشريعة الإسلامية، برعاية أمن الناس وسلامتهم، فقال تعالى:
“إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً) أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
إنها ليست حربا بالسيف في ميدان القتال، إنها حرب بأحكام الشريعة في ميدان تهديد أمن وسلامة الناس، في أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم. إنها حرب على الأشرار، المفسدين في الأرض (أي أرض)!!
إن العقوبات المشددة، التي جاءت بها هذه الآية الكريمة، تبيّن مدى اهتمام الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان، في كافة مناحي الحياة، والحيلولة دون اعتداء الأشرار المفسدين في الأرض، على الأنفس، أو الأموال، أو الأعراض.
ولا شك أن أحكام هذه الآية تتفاوت العقوبة بشأنها، وفق الظروف المحيطة، والملابسات المتعلقة، بارتكاب هذه الجرائم، جرائم الإفساد في الأرض. ولكنها أولا وأخيرا عقوبات مشددة، تقع بين القتل والنفي من الأرض، وللمشرع أن يضع القوانين، التي تضمن تحقق المقاصد العليا لهذه الأحكام، ومنها عدم الإخلال بالأمن العام، والأمن العام يختل عندما تكون المرأة غير آمنة، لا في بيتها، ولا في عملها، ولا في مجتمعها!!
إن (التحرش الجنسي) إفساد في الآرض!! إن (المتحرشين) عندما ينتهكون حرمة المرأة، وحقها في أن تتحرك بين الناس آمنة، هم لا يحاربون المرأة وحدها، وإنما يحاربون الله ورسوله!! يحاربون الله ورسوله، لأنهم يحاربون شريعته، ويعتدون على أحكامها!!
إن (المتحرشين) يحاربون مؤسسات الدولة الدينية، الرسمية وغير االرسمية!! فهل هناك فساد، وإفساد، أشنع من تعطيل أحكام الشريعة، أحكام (الإفساد في الأرض)، والاكتفاء بعقوبات لا تغني ولا تسمن من جوع؟!!
إنه يجب أن يكون لأحكام الشريعة الإسلامية سلطان في الأرض، وإلا ما كان لوجودها فائدة!! فأين سلطان هذه الشريعة على (المتحرشين) المفسدين في الأرض؟! لك أن تتخيل حالة امرأة، أسيرة بين أيدي الذئاب، وحولها مئات من البشر، لا يستطيعون حمايتها منهم!! فأين كان الرجال؟!
والسؤال: حل تتحمل المرأة وحدها المسئولية الكاملة عن هذه الجريمة؟! هل القضية أنها تخرج من بيتها سافرة، فتثير الشهوات؟! وهل الذئاب، عندما تتحكم فيهم حرارة الشهوة يفرقون بين امرأة ملتزمة وغير ملتزمة؟! هل المسئولية تقع كلها على الرجال؟!
لا شك أن المسئولية مسئولية المجتمع كله، مسئولية النساء والرجال، المؤسسات التعليمية والدينية والنفسية، أجهزة الإعلام…، إنها مسئولية أخلاقية مشتركة!!
وفي سياق هذه المسئولية المشتركة، أنزل الله تعالى شريعة، تقوم أحكامها على مبدأ (الوقاية خير من العلاج)، فقال تعالى في سورة النور:
“قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ” – “وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا…”.
إنها منظومة أخلاقية تربوية شاملة، يشترك فيها المجتمع كله، لإعلاء القيم الإنسانية، والتمسك بمبادئ الشريعة الإلهية (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
إن هذه المنظومة الأخلاقية العالمية، من لدن آدم عليه السلام وإلى يوم الدين. ترى أن كشف العورات ليس من (التقوى)، فقال تعالى في سورة الأعراف:
“يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) ذَلِكَ خَيْرٌ، ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ”.
نعم، “وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ”، ولكن … لقوم يذَّكرون!!