يظن البعض، ممن غيبت (المذهبية) آليات عمل قلوبهم، آليات التفكر، التعقل، والتدبر، والنظر…، يظنون أن “الحكم بما أنزل الله” موجود بين المسلمين، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، ويستطيع أي حاكم (حالي أو قادم) أن يحكم به!!
لم يحدث أن حُكمت مصر يوما، بجماعة دينية، رفعت راية (الإسلام)، و(الخلافة الإسلامية)…، وإنما حُكمت، عبر عقود مضت، بنظام مدني، اتخذ مذهب “أهل السنة” مرجعا دينيا!! فهل هذا المذهب، عرفه رسول الله، وصحبه الكرام؟! هل حُكم البلاد بهذه المذاهب هو (الحكم بما أنزل الله)؟! هل عقوبة (الرجم)، التي ابتدعها الفقهاء، من أحكام الشريعة التي أنزلها الله تعالى في كتابه؟!
إن التيارات الدينية، التي فتنها الله تعالى بحكم مصر، جاءت تحكم وهي ترفع راية الحكم (الإسلامي) و(الخلافة الإسلامية)، ولو أنها صدقت، لرفعت الراية الحقيقية، راية مذهب أهل السنة والجماعة، لتبيّن للناس أنها فرقة من الفرق الإسلامية، وليست هي المتحدث الرسمي باسم المسلمين، حتى لا ينخدع المسلمون البسطاء (الذين لا يعلمون) الحقيقة، كما انخدعوا فعلا وخرجوا ليقولوا للإسلام “نعم”..، وخلال عام سقطت فيه الأقنعة، وظهرت هذه التيارات الدينية على حقيقتها، اضطر الشعب للخروج ليقول “لا” للجماعات الدينية المذهبية كلها!!
إن الحكم بما أنزل الله، لم يشهده إلا عصر النبوة، وعصر الخليفة الأول، والثاني، وبعد ذلك استطاع الشيطان أن يفتن المسلمين في عصر الخليفة الثالث، ثم جاء آخر الخلفاء الراشدين، ومعه “الفتن الكبرى”، التي مزقت الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب متخاصمة متصارعة، أعطوا ظهورهم لحكم الله الذي أنزله في كتابه، والذي خاطب الله تعالى فيه رسوله قائلا:
“فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا…” إلى أن قال تعالى: “… وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ” – “مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”.
ومن يومها، لم يُحكم المسلمون “بما أنزل الله”، وإنما حُكموا بفقه “المذاهب” العقدية والتشريعية، التي ولدوا فيها، وتربوا على مائدتها!! فإذا جاء الحاكم “سني” حكم الناس بالمذهب السني، وإذا جاء “شيعي” حكم بالمذهب الشيعي…، وهما فرقتان يكفر بعضهم البعض!!
فهل هذا هو “الحكم بما أنزل الله”، الذي كان عليه رسول الله وصحبه الكرام؟!! إن الحكم بما (أنزل الله).. هو الحكم بما (أنزل الله)..، أي الحكم بما (أنزل الله)…، ولم (ينزل الله) حكما إلا في كتابه الحكيم!! فلا شريعة إلا التي (أنزلها الله) في كتابه!!
إن (الحكم بما أنزل الله)، و(المذهبية)، لا يجتمعان أبدا!! فإذا أردت (الحكم بما أنزل الله) فعليك أن تقتلع (الفُرقة والمذهبية) من جذورها، ويعود المسلمون أمة واحدة، تنفيذا لحكم الله، واتباعا لرسوله!!
لقد قلت في المنشور السابق (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ): “وما على المسلم (المؤمن)، أمام قواعد اللعبة السياسية، إلا أن يحمد الله، أن خلص البلاد، من (حكم)، قد (حذر) الله تعالى الناس منه، وهو (الحكم بغير ما أنزل الله)..”!!
فالذين يعتبرون الجماعات والتيارات الدينية (تحكم بما أنزل الله)، فهذا شأنهم، وحسابهم عند الله!! أما أنا فقلت، وأقول: إن هذه التيارات الدينية لا تحكم إلا بفقه (المذاهب)، وتخدع المسلمين وتقول لهم إنها تحكم بالإسلام، بالشريعة الإسلامية!!
وفرق كبير، بين أن يعلم المسلم أن هذا الحكم هو (رأي فقيه) من الفقهاء، يمكن أن يمتنع عن الأخذ به..، وبين أن يعلم أن هذا الحكم هو (حكم الله)!! وهل قُطعت آلاف الرقاب، في عصر الدولة الأموية، والعباسية..، إلا تحت سلطان (الخليفة ظل الله في الأرض)، وأنه يحكم بالحق الإلهي؟!!
إنه لا (حكم بما أنزل الله)، لا بعد الفتن الكبرى، ولا حاليا، ولا مستقبلا..، وإلى أن تُقتلع (المذهبية) من جذورها، ويعود المسلمون أمة واحدة…، هذا هو جوهر المنشور السابق (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، الذي غاب عن بعض المذهبيين!!