إننا نعيش أمام شاشة عرض كبيرة، شملت كل ذرة من ذرات هذا الوجود، تشهد أنه لا إله إلا الله، وأن هذا القرآن، الذي بين أيدينا اليوم، هو كتاب الله، وآيته الدالة على صدق نبوة نبيه الخاتم محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
إن هذا القرآن، هو أفضل كتاب يحدثنا عن دلائل الوحدانية، بأسلوب علمي سهل، لا تكلف فيه ولا تعقيد، تفهمه القلوب السليمة، يعتمد على طرق الاستدلال العقلي، التي تكشف عن التناغم القائم بين آيات الآفاق والأنفس، وآيات هذا الكتاب الحكيم.
لقد جاء القرآن الكريم، للإعلاء من قيمة آليات عمل القلب، آليات التفكر والتعقل والنظر..، وتفعيلها للوقوف على دلائل الوحدانية، الموصلة إلى خالق هذا الوجود. فلا إسلام دون منهج عقلي، استدلالي..، يثبت “الوحدانية”، وصدق “النبوة”، وفاعلية “الرسالات” الإلهية.
لقد جاء القرآن الكريم، يدعو الناس إلى اتباع ملة إبراهيم: “قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ”، لماذا؟! لأن إبراهيم، عليه السلام، ضرب المثل الأعلى في تفعيل منهج الاستدلال العقلي، القائم على تفعيل آليات التفكر والتعقل والنظر..، في مواجة تحديات (الآبائية)!!
إن تقديس ميراث الآباء، واتباع الآخرين بغير علم، ولا هدى من الله تعالى..، شرك بالله تعالى، وطوق النجاة من هذا الشرك، هو (العلم)، والالتزام بمنهج الاستدلال العقلي، كما فعل إبراهيم عليه السلام، فكان عاصما له من الانزلاق في صور الشرك المتعددة.
“وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ” – “وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً) فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”!!
لقد أفحم إبراهيم قومه، بما آتاه الله من براهين علمية، وأقام بهذه البراهين (الحجة) عليهم: “وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ”!!
إن (العلم) هو الطاقة الدافعة، والمحركة، لفاعلية نصوص “الآية القرآنية”، التي حملها المسلمون على مر العصور، ولم يُفعّلوا منها إلا بعض الشعائر التعبدية، كالصلاة والصيام والحج!! وحتى هذه الشعائر التعبدية، التي هي من (ثوابت الدين)، هناك من يحاولون تحريفها، بدعوى مسايرة تحديات العصر!!
إن (ثوابت) الدين (علم إلهي)، وتحديات العصر (صناعة بشرية)، ويستحيل أن تحكم (الصناعة البشرية)، (علم الله)!! وجميع الشعائر التعبدية من ثوابت الدين، التي لا تتغير على مر العصور!!
أما (المتغير) في دين الله، فهو الذي يفرضه التطور الحضاري على حياة الناس، ومجاله هو سنن التغيير التي تعمل وفق آليات هذا التطور، في كافة مناحي الحياة!! لقد تغيرت وسائل النقل: “وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً”، ونحن اليوم نعيش في عصر: “وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ”!!
“فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” – “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ”.