عندما كتبت ثمانية منشورات بعنوان:
«لن يدخل الجنة من يجهل لغة القرآن العربية»
قامت الدنيا ولم تقعد، والسبب: «الإسلام الوراثي».
إن أكبر «جريمة إسلامية» عاشها، ويعيش بداخلها اليوم أتباع الفرق والمذاهب العقدية والفقهية، أنهم ورثوا «دين الإسلام» وهم في بطون أمهاتهم، وخرجوا إلى الدنيا وكبروا على ملة المشركين:
* «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
ولم يُفكّر أحد منهم أن يسأل نفسه:
كيف دخل في «دين الإسلام»؟!
* لم يُفكر أحد منهم في أن الدخول في «دين الإسلام»، على مر الرسالات الإلهية، كان يسبقه الإقرار بصدق الآية التي أيد الله بها الرسل، وأن الذين دخلوا في «دين الإسلام» هم الذين أقروا وصدّقوا بما شاهدوه بأعينهم، وأنه «آية إلهية» وليس خدعة بشرية.
* لم يُفكر أحد منهم في الآية الدالة صدق «نبوة» رسول الله محمد، لم تكن «آية حسية» تشاهدها الأعين وتنتهي فعاليتها بموت الرسول، وإنما جاءت «آية قرآنية عقلية»، قائمة بين الناس إلى يوم الدين.
* لم يُفكر أحد منهم في أن هذه «الآية القرآنية العقلية» نزلت بـ «لسان عربي مبين»، أي أن الداخل في «دين الإسلام» يجب أن يكون من أهل «اللسان العربي»، وإلا كيف يؤمن بصدق «الآية القرآنية العقلية» وهو يجهل لغتها؟!
فإذا نظرنا إلى جميع التوجهات الدينية الإسلامية، التي تعمل وتتحرك على أرض «الفكر الديني الإسلامي»، سواء كانت سلفية أو صوفية أو قرآنية أو تنويرية معاصرة …، لا نجد أحد فيهم يدعو المسلمين إلى إعادة الدخول في «دين الإسلام».
ليس عن طريق قراءة جديدة للقرآن، ولا عن طريق قراءة قرآنية معاصرة …، وإنما عن طريق الباب الوحيد للدخول، باب الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية»، الذي ليس له إلا مفتاح واحد فقط، هو أن يكون الداخل من أهل «اللسان العربي المبين».
ولذلك فلم يعد غريبًا ولا شاذًا أن نجد غلمانًا يدّعون أنهم جاؤوا بتفسير عصري للقرآن، وهم «مُجْرِمِون» أصلًا، والله يقول:
* «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»؟!
أو أن نجد «قرآنيّين»، لا يعلمون أصلًا مكونات الجملة العربية، ولا كيف تعمل الأسماء والأفعال والحروف في هذه الجملة، ثم يخرجون للمسلمين ببدعة أن الله بيّن وفصّل معنى الصلاة وكيفية أدائها في القرآن، استنادا لقوله تعالى:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»
* «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»
فإذا سألت أحدهم:
إن أي كلمة في القرآن تتكون من حروف الهجاء التي تعلمتها في طفولتك خارج القرآن، وحرف «على» كلمة من كلمات القرآن، فهل تعلم معناه، وهل له معنى واحد أم أكثر من معنى؟!
فلن تجدوا عند أحد منهم إجابة على هذا السؤال، إلا إذا ذهب يبحث عن الإجابة على شبكة الإنترنت، ثم يأتيك بها!!
وعندها يجب عليك أن تصفعه على وجهه بيد الحجة والبرهان، وتقول له: «يا جاهل يا ملحد يا مجرم»، إياك أن أسمعك بعد ذلك تتحدث عن أحكام القرآن، لأن الله يقول:
* «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»؟!
والآن تعالوا نستكمل حديثنا عن أقسام الكلمة الثلاثة «الاسم، والفعل، والحرف»، وحديثنا اليوم عن «الحرف».
# ثالثا: «الحرف في لغة القرآن»
«الحرف» لغةً: هو الطَّرَف، و«اصطلاحًا»: صوتُ معتمدُ على مقطع من مقاطع الحلق أو اللسان أو الشفتين.
ويشمل «الحرف»:
١- حروف المباني:
وهي التي تدخل في تكوين «الكلمات»، وهي رموز مجردة تَنْضَمُ إلى بعضها لتكوّن الكلمات.
٢- وحروف المعاني:
وهي التي تدخل في تكوين «الجمل» ويُحدِث بعضها إعرابًا في ما بعدها.
٣- وتقسم الحروف إلى مجموعات مختلفة أهمها:
الشمسية والقمرية، المُعْتلّة والصحيحة، المُعْجمةُ والمُهْملةُ …، إلى آخره.
(أ): الحروف الشمسية:
«ت، ث، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ل، ن»
(ب): الحروف القمرية:
«ء، ب، ج، ح، خ، ع، غ، ف، ق، ك، م، هـ، و، ي»
(ج): الحروف المعتلة:
«و، ا، ي»
إلى آخر المجموعات.
أمثلة الحروف الشمسية:
* التاء: «التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ»
* «الثاء»: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ»
* «الدال»: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ»
* «الذال»: «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً»
إلى آخر الأمثلة.
٣- الحركات:
(أ): الضمة: علامة رفع:
* «يَنصُـ رُ مَن يَشَا ءُ وَهُوَ الْعَزِيـ زُ الرَّحِيـ مُ»
(ب): الفتحة: علامة نصب:
* «خَلَـ قَ اللَّيـ ْلَ وَالنَّهَا رَ وَالشَّمْـ سَ وَالْقَمَـ رَ»
(ج): الكسرة: علامة جر:
* «مِنْ أَخِيـ هِ * وَأُمِّـ هِ وَأَبِيـ هِ * وَصَاحِبَتِـ هِ وَبَنِيـ هِ»
(د): السكون: علامة جزم:
* «لَـ مْ يَلِـ دْ وَلَـ مْ يُولَـ دْ»
(هـ): التنوين: نون ساكنة تُزاد على آخر الاسم لفظًا لا خطًا.
* الضمتان: «وُجُو هٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَـ ةٌ * عَامِلَـ ةٌ نَّاصِبَـ ةٌ»
* الفتحتان: «لَغْو اً وَلاَ كِذَّابـ اً * جَزَا ءً مِّن رَّبِّكَ عَطَا ءً حِسَابـ اً»
(و): الكسرتان: «فِي صُحُـ فٍ مُّكَرَّمَـ ةٍ * مَّرْفُوعَـ ةٍ مُّطَهَّرَ ةٍ»
٤- الحروف لا تدل على معنى ما دامت منفردة، فإذا وضعت في جملة ظهر لها معنى لم يكن من قبل.
فإذا قلنا: «سافرنا من القاهرة»
فإن وجود الحرف «من» في هذه جملة، أفاد أن السفر بدأ من القاهرة، وتُسمى «منْ» في هذا السياق «منْ الابتداء»، ما كان لها أن تُفهم دون دخولها في جملة.
فإذا جعلت الجملة هكذا:
«سافرنا من القاهرة إلى فرنسا»
فأصبحت تعني أن السفر الذي ابتداؤه القاهرة، نهايته فرنسا، فجاءت «إلى» لتظهر معنى جديدًا يدل على «الانتهاء».
أما إذا قلت:
«العمال في المصنع»
دل ذلك على أن المصنع يحوي العمال، كما يحوي الكوب الماء، وكما يحوي الظرفُ المظروف، لتصبح كلمة «في» هي «الظرف»، ولو كانت كلمة «في» منفردة ما فهمنا منها هذا المعنى، وغير ذلك من أنواع الحروف، كحروف النفي والاستفهام.
إذن الحرف: «كلمة»: لا تدل على معنى في ذاتها، وإنما يأتي معناها بوجود غيرها معها في جملة.
٥- ومما سبق بيانه عن مكونات الكلمة، نعلم:
(أ): أن «الاسم» وحده، من غير كلمة أخرى معه، يدل على معنى جزئي في نفسه، دلالة لا تقترن بزمن.
(ب): أن «الفعل» وحده يدل على معنى جزئي مقترن بزمن.
(ج): أن «الحرف» وحده لا يدل على شىء من «الاسم» أو «الفعل» ما دام منفردًا، فإذا دخل في جملة دل على معنى في غيره، ولم يدل على زمن.
مثال لحرف «الباء» في قول الله تعالى «الواقعة / ٧٤»:
* «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»
ويقول الله تعالى «الأعلى / ١»:
* «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى»
فنلاحظ هنا أن «الباء» دخلت على كلمة «اسم» في الآية الأولى، ولم تدخل عليها في الثانية، فماذا؟!
إن «التسبيح» لغةً وقرآنًا ليس له إلا معنى واحد وهو «التنزيه»: تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله وفعاليات أسمائه الحسنى، وهو يأتي في السياق القرآني على وجهين:
أحدهما: مطلقًا – والثاني: مقيَّدًا.
* التسبيح المطلق:
وهو الذي يتعدى إلى المفعول بنفسه، ومعناه:
نزِّه ربك بذكر اسمه المنبئ عن عظمته، ومن ذلك:
مثال: قول الله تعالى «الأعراف / ٢٠٦»:
* «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ»
وقول الله تعالى «الواقعة / ٧٤»:
* «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»
وقول الله تعالى «الأعلى / ١»:
* «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى»
ذلك أن «يُسَبِّحُونَهُ – سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ – فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ» تسبيح مطلق:
– الأول: تعدى إلى ضمير الاسم ربك «يُسَبِّحُونَهُ»
– الثاني: وقع التسبيح على مفعول التسبيح «اسْمَ رَبِّكَ».
– الثالث: دخلت عليه باء الاستعانة، أي مستعينًا «بِاسْمِ رَبِّكَ»، ومثال ذلك، قوله تعالى «النصر / ٣»:
* «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا»
والمعنى: «ليكن تسبيحك بحمد ربك»
(ب): التسبيح المقيَّد:
الذي يتعدَّى إلى المفعول باللام:
ومنه قوله تعالى «الحديد / ١»:
* «سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»
أي: سبح لله وحده، لا لغيره.
فالتسبيح – هنا – مختصٌّ بذات الله، وهذا ما دلَّت عليه «لام الاختصاص».
والسؤال:
إن الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» إقرار بصدق بلاغة نصوصها وحاكمية لغتها على لغات العالمين، فكيف يدخل امرؤ في «دين الإسلام» دون أن يُقر بصدق هذا الأصل العظيم من أصول الإيمان العقلي، وهو:
* «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري