لقد قلت:
إن الملحدين في آيات القرآن وأحكامها، أخطر على المسلمين من خطر الحاملين لـ «فيروس كورونا»، وجاء قولي هذا بعد مشوار طويل من الحوار معهم، عرفت خلاله حقيقتهم، وحقيقة العلم الذي يدّعون حمله.
وإن السبب الرئيس وراء انتشار «فيروس الإلحاد» بين المسلمين الغافلين المقلدين بغير علم، إنهم لم يتربوا على المنهجية العلمية في التفكير، وورثوا تدينهم دون أن يدخلوا في «دين الإسلام» أصلًا، وتعاملوا مع القرآن كتعامل «أهل الكتاب» مع كتبهم.
إن «القرآن» علم، له أصوله وقواعده التي يقوم عليها، ويستحيل أن نفهم آياته ونقف على أحكامه دون الاستعانة بمصدر معرفي من خارج القرآن، وهو ما أسميه أنا بـ «منظومة التواصل المعرفي» وسمّوه أنتم بما شئتم.
المهم، أن هذا حجية هذا المصدر المعرفي الموجود خارج القرآن من حجية القرآن، بل إن الفكرَ بهذا المصدر المعرفي كفرٌ بالقرآن نفسه، أي إخفاء القرآن فلا يكون له أي فعالية حقيقية بين الناس.
وهذا فعلًا ما نراه واضحًا في حياة المسلمين، وضوح الشمس في كبد السماء، حيث أصبح من السهل جدًا إصابة المسلمين وأولادهم العابدين المصلّين المتصدّقين … بـ «بفيروس الإلحاد» في لحظة.
وإن هذا المقال، يُبيّن المنهجية العلمية التي يجب أن يقوم عليها تعامل المسلمين مع آيات الذكر الحكيم، ومع كلماتها التي يجب أن نبحث عن معانيها في معاجم اللغة العربية، على أن يكون سياق الكلمة هو الحاكم على المعنى، وسأضرب مثالا بكلمة «عشي».
# أولًا:
لقد وردت كلمة مادة وجذر كلمة «عشي» في السياق القرآني «١٤ مرة»، على النحو التالي:
١- يقول الله تعالى «آل عمران / ٤١»:
* «وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِـ ( الْعَشِيِّ ) وَالإِبْكَارِ»
٢- يقول الله تعالى «الأنعام / ٥٢»:
* «وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَ( الْعَشِيِّ ) يُرِيدُونَ وَجْهَهُ»
٣- يقول الله تعالى «يوسف / ١٦»:
* «وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ ( عِشَاء ) يَبْكُونَ»
٤- يقول الله تعالى «الكهف / ٢٨»:
* «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَ( الْعَشِيِّ ) يُرِيدُونَ وَجْهَهُ»
٥- يقول الله تعالى «مريم / ١١»:
* «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ( عَشِيّاً )»
٦- يقول الله تعالى «مريم / ٦٢»:
* «لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَ( عَشِيّاً )»
٧- يقول الله تعالى «النور / ٥٨»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ ( الْعِشَاء )»
٨- يقول الله تعالى «الروم / ١٨»:
* «وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَ( عَشِيّاً ) وَحِينَ تُظْهِرُونَ»
٩- يقول الله تعالى «ص / ١٨»:
* «إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بـ ِ( الْعَشِيِّ ) وَالإِشْرَاقِ»
١٠- يقول الله تعالى «ص / ٣١»:
* «إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بـ ِ( الْعَشِيِّ ) – الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ»
١١- يقول الله تعالى «غافر / ٤٦»:
* «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَ( عَشِيّاً )»
١٢- يقول الله تعالى «غافر / ٥٥»:
* «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِـ ( الْعَشِيِّ ) وَالإِبْكَارِ»
١٣- يقول الله تعالى «الزخرف / ٣٦»:
* «وَمَن ( يَعْشُ ) عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ»
١٤- يقول الله تعالى «النازعات / ٤٦»:
* «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ( عَشِيَّةً ) أَوْ ضُحَاهَا»
والسؤال:
هل يوجد بداخل القرآن معنى كلمة واحدة من كلمات الآيات السابقة؟!
والجواب: مطلقًا.
# ثانيًا:
عندما نبحث عن معنى كلمة في معاجم اللغة العربية، يجب أن نعلم أن الكلمة العربية تحمل معنيين:
* الأول: حقيقي: لقد رأيت أسدًا.
* الثاني: مجازي: يا بني أنت أسد لأنك أكلت طعامك كله.
١- إن هناك أبوابًا كثيرة نفهم عن طريقها الكلمة القرآنية، وكلها من أبواب علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني:
(أ): فالمعنى الحقيقي باب.
(ب): والمعنى المجازي باب.
(ج): وسياق الكلمة باب.
(د): وتشكيل وإعراب الكلمة باب.
إلى آخره.
٢- تعالوا إلى مثال يتعلق بفهم الكلمة استنادا إلى سياقها:
يقول الله تعالى:
* «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ( عَشِيَّةً ) أَوْ ضُحَاهَا»
فالسياق هنا يتحدث عن الساعة «يوم القيامة»، وكلمة «عَشِيَّةً» جاءت على سبيل المجاز بأسلوب التشبيه «كَأَنَّهُمْ»، والمعنى:
(أ): «لَمْ يَلْبَثُوۤا»: أي في دنياهم.
(ب): «إِلاَّ عَشِيَّةً»: أي قدر عشيَّةٍ.
(ج): «أَوْ ضُحَاهَا»: أي أو قدْرَ الضُّحى الذي يلي العَشيَّة.
والحكمة من التشبيه هي بيان قيمة الدنيا، وبيان عمر الإنسان الحقيقي فيها، فتدبر:
* «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ»
والسؤال:
هل يوجد في القرآن معنى كلمة «عَشِيَّةً» ومعنى كلمة «ضُحَاهَا»؟!
إذن ففرض عين على كل متدبر للقرآن أن يستعين بـ «معاجم اللغة العربية» لفهم أي كلمة من كلمات القرآن.
# ثالثًا:
١- وهنا أرجو الاطلاع على منشور ٢٢/ ٤/ ٢٠٢٠»: «ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ» للوقوف على أجزاء الليل وأجزاء النهار كما أجملها القرآن، وفَصّلها علم الفلك.
٢- لقد خلط المدعو «أحمد جمال الجمال» بين «العَشي» بفتح العين، وبين «العشاء» بكسر العين، وجعل «العَشي» التي ينتهي زمانه مع أول نقطة لاختفاء قرص الشمس من الأفق، هو «العِشاء» الذي يحل وقته عندما يظلم الليل تماما، كما بينا ذلك في المنشور المشار إليه.
٣- إن كلمة «عِشَاء» غير المعرفة بأل التعريف، وكلمة «الْعِشَاء» المعرفة بأل التعريف، أي التي كان يعرفها العرب من قبل نزول القرآن، الكلمتان وردتا مرتين حسب الإحصاء الذي بينته في «أولًا».
(أ): لقد جاءت «عِشَاء» للتعبير عن زمن، في قوله تعالى «يوسف / ١٦»:
* «وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ»
(ب): وجاءت «الْعِشَاء» للتعبير عن اسم صلاة، في قوله تعالى «النور / ٥٨»:
* «ثَلاَثَ مَرَّاتٍ:
– مِن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ
– وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ
– وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاء
– ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ»
والسؤال:
هل ورد في القرآن بيان لمعنى «عِشَاء» الأولى و«الْعِشَاء» الثانية؟!
والجواب: مطلقا.
# رابعًا:
تعالوا نذهب إلى معاجم اللغة العربية لنقف على معني الكلمتين.
١- إن كلمة «عشو»:
أصل صحيح يدل على ظلام وقلة وضوح في الشيء، ثم يُفرّع منه ما يُقاربه، من ذلك:
(أ): العشاء، وهو أول «ظلام» الليل.
(ب): عَشواء الليل: ظلمته.
(ج): التَّعاشي: التجاهل:
(د): العشي: آخر النهار.
(هـ): العشا: ظلمة تعترض في العين، يقال رجل أعشى وامرأة عشواء.
٢- وتأتي مادة «عشيّ» للتعبير عن الشيء المادي أو المعنوي:
(أ): الشيء المادي:
في كثير من الآيات، من حيث الزمن، نجد ارتباط «العشي» بـ «الإبكار»، كمقابل، فتعالوا نلقي نظرة سريعة على مادة «بكر»:
أصل المادة واحد، ويتفرع إلى:
* أول الشيء وبدؤه:
– التبكير والبكور وبَكَرَتِ الشجرة وأبكَرَتْ وبكُرت تُبكّر تبكيرًا وبَكَرت بُكورًا: إذا عجّلت بالإثمار واليَنْع.
* مشتق من الأول:
– البِكر: من النساء التي لم تُمَس قط، والبِكر: من كل أمر أوّلُه.
* تشبيه.
– البَكرة: التي يُستَقى منها.
(ب): الشيء المعنوي:
يقول الله تعالى:
* «وَمَن ( يَعْشُ ) عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ»
والمعنى:
من سار قلبه في اتجاه «الظلام العقدي»، بالانصراف «عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ»، وعن «نور القرآن»، فقد أصبح قرينًا للشيطان.
# خامسًا:
١- إن قول الله تعالى في بيان مواقيت الصلاة:
* «هود / ١١٤»:
«وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ»
* «الإسراء / ٧٨»:
«أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً»
يستحيل فهم كلمة واحدة من كلمات الآيتين، وذلك:
(أ): من داخل القرآن.
(ب): أو من أمهات كتب التفسير، للخلاف المشهور حولها.
(ج): أو حتى من «معاجم اللغة العربية»، للخلاف الموجود فيها.
والسبب:
أن هذه المواقيت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعلامات وآيات كونية فلكية تغطي الـ «٢٤ ساعة»، وما ذكرته الآيتان ما هو إلا مجرد إشارات إلى مساحات زمنية تشمل هذه العلامات، بدليل أن النهار له أكثر من طرفين، فتدبر:
* «وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ»
فأي طرفان هما اللذان سيقيم عندهما المسلم الصلاة، تنفيذا لأمر الله له:
* «وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ»؟!
«أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!
٢- لقد عَرَفَ رسول الله محمد، عليه السلام، هذه المواقيت «تحديدًا»، وصلى بالمسلمين خمس صلوات في خمس مواقيت، وقال الله تعالي له وللذين آمنوا معه:
«إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً»
ونقل آلاف الصحابة هذه الصلوات بمواقيتها للملايين في عصرهم، من خلال المساجد، بداية بـ «المسجد الحرام»، ونقلت أجيال المسلمين، عبر العصور وفي أنحاء العالم، هذه الصلوات بمواقيتها إلى يومنا هذا، عن طريق «منظومة التواصل المعرفي».
٣- فيا أيها الملحد الجاهل الغبي:
قل لنا أين حدث الانقطاع في هذه المنظومة المتواصلة الحلقات من يومنا هذا وإلى عصر «النبوة»، فإن لم تأت به فلا تغضب من وصفك بما وصفتك به سابقا.
والسؤال:
لماذا لم يقول الله تعالى:
– «وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ يَبْكُونَ» بدون كلمة «عِشَاء»؟!
لأن اللص يسرق في الظلام، ومرتكب المصيبة من الأولاد يدخل بيته ليلًا في ساعة متأخرة لبيان أنه كان مشغولا بمصيبه
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري