نحو إسلام الرسول

(1802) 12/5/2021 لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية [٣٠]

لقد نزل القرآن باللغة التي كان ينطق بها قوم رسول الله محمد من قبل بعثته، فلم يكونوا في حاجة إلى «معاجم» يفهمون منها معاني كلماته وقواعد النحو والصرف.
ثم انحرفت ألسن العرب عن لغة القرآن وقواعدها، الأمر الذي فرض على «أئمة السلف» تدوين هذه القواعد بالرجوع إلى القرآن الكريم، وإذا كانوا قد أخطؤوا في فهم واستنباط بعض القواعد، فقد بذلوا ما في وسعهم، وتظل «لغة القرآن» هي الحاكمة.
ولذلك فرق كبير بين التعامل مع «كلام البشر» المكتوب باللغة العربية ووفق قواعدها، والتعامل مع «كلام الله» الذي نزل على رسوله محمد باعتباره «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة للناس اليوم الدالة على صدق «نبوته».
وعندما نتحدث عن «آية إلهية» فنحن نتحدث عن شيء يعجز الإنس والجن أن يأتوا بمثله إلى يوم الدين، وما حملته هذه الصفحة وما ستحمله من مقالات عن لغة هذه «الآية الإلهية»، ما هو إلا مجرد قطرة في بحر «تنشيط الأذهان لفهم القرآن».
وما وقع المسلمون الغافلون أسرى بدعة «القرآن وكفى»، وبدعة «الإلحاد الإسلامي» إلا نتيجة جهلهم بلغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية، هذا «الجهل» الذي أخرجهم من «ملة الإسلام» وهم بهذا الاتباع الملحد «يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً».
والسؤال الذي يُغضب 99.99 % من المسلمين:
كيف «تكفر» بلغة القرآن «العربية» وتكون «مسلمًا»؟!
* والله لا تكون «مسلمًا» أبدًا، إلا إذا دخلت في «دين الإسلام» من نفس الباب الذي دخل منه الذين آمنوا مع رسول الله محمد في عصر التنزيل، والله شهيد على ما أقول.
وتعالوا نذكر بعض الشبهات التي يثيرها أعداء «دين الإسلام» ولا يستطيع جهابذة «القرآن وكفى» وجهابذة «الإلحاد الإسلامي» أن يجيبوا عليها، والذي لا يصدق كلامي هذا يسألهم:
١- يقول الله تعالى «البقرة / ١٢٤»:
* «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»
السؤال:
لماذا لم يقل «لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمُون» وجعل الفاعل الذي هو «الظَّالِمُون» منصوبا وقال «الظَّالِمِينَ»؟!
# الشبهة:
أنهم لم يجدوا علامة الرفع فوق ياء «عَهْدِي» فجعلوا «الظَّالِمِينَ» فاعلًا مؤخرًا، و«عَهْدِي» مفعولًا مقدمًا.
– الجواب:
إن كلمة «الظَّالِمُون» جمع مذكر سالم يُرفع بالواو ويُنصب بالياء «الظالمين»، وجملة «لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» مكونة من فعل وفاعل ومفعول به:
* الفعل: «يَنَالُ»:
– مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمةُ الظاهرة.
* الفاعل: «عَهْدِي»:
– مرفوع بضَّمَة مُقَدَّرَة منعت ياء المتكلم «ي» التي في «عَهْدِي» من ظهور هذه الضمة.
* المفعول به: «الظَّالِمِينَ»:
ـ منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
والمعنى: لا ينال «أي لا يُصيب» عهدُ الله الظَّالمين.
و«عهد الله» يتعلق بـ «إمامة الدين» بقرينة سياق الآية:
* «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ – قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ – (إِمَامًا) – قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي – قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»
٢- يقول الله تعالى «البقرة / ١٧»:
* «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً – فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ – ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ»
# الشبهة:
إن الضمير في «اسْتَوْقَدَ» مفرد، فكان يجب أن يكون السياق «ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِ» وليس «بِنُورِهِمْ».
– الجواب:
إن السياق «البقرة / ٨-١٦» الذي وردت فيه هذه الآية السابقة «البقرة / ١٧» يتحدث عن «المنافقين»، فجاء بالمثل مفردًا:
* «الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً – فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ»
لبيان أن «النفاق» ملة واحدة من حيث التوجه الديني «اسْتَوْقَدَ نَاراً»، أما نتيجته على أرض الواقع فتشمل «المنافقين» جميعًا «البقرة / ١٧-١٨»:
* «ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ – صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ»
٣- يقول الله تعالى «آل عمران / ٥٩»:
* «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
# الشبهة:
لماذا قال «خَلَقَهُ» في زمن الماضي ولم يقل «قَالَ لَهُ كُن فَكَان» وإنما «قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ» في زمن المضارع؟!
– الجواب:
يقول الله تعالى «النحل / ٤٠»:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ – إِذَا أَرَدْنَاهُ – أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
فـ «إرادة الله» لا يحدها مكان ولا زمن، فبمجرد إرادة الشيء كان ما أراد الله «إِذَا أَرَدْنَاهُ» بدون زمن، فـ «يكون» الشيء المراد، بعد إرادة كونه «كُن فَـ يَكُونُ».
٤- يقول الله تعالى «النساء / ١٦٢»:
* «لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ»:
* «يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ»
* «وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»
* «وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ»
# الشبهة:
لماذا قال «وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ» ولم يقل «وَالمُقِيمِونَ الصَّلَاةَ» ليوافق رفع المعطوف على المرفوع؟!
– الجواب:
الذي يجهل «لغة القرآن» التي كان ينطق بها «لسان العرب»، لا يعلم أن نصب الفعل في سياق عطف «مرفوعات» يأتي لحكمة بلاغية لإظهار فضل شيء معين أو مدحه:
فهنا أراد بيان فضل «الصلاة»، كما بيّن فضل الصابرين في البأساء فقال الله تعالى «البقرة / ١٧٧»:
* «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ – (وَالصَّابِرِينَ) فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء – وَحِينَ الْبَأْسِ»
٥- يقول الله تعالى «المائدة / ٦٩»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ – وَالَّذِينَ هَادُواْ – وَالصَّابِئُونَ – وَالنَّصَارَى»:
* «مَنْ آمَنَ بِاللّهِ – وَالْيَوْمِ الآخِرِ – وعَمِلَ صَالِحاً»
* «فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ – وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»
# الشبهة:
لماذا رفع «الصَّابِئُونَ» هنا، ونصبهم في الآيتين:
– «البقرة / ٦٢»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ – وَالَّذِينَ هَادُواْ – وَالنَّصَارَى – (وَالصَّابِئِينَ)»
– «الحج / ١٧»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا – وَالَّذِينَ هَادُوا – (وَالصَّابِئِينَ) – وَالنَّصَارَى»
والغريب أن القرآنيّين، والشحروريّين، والتنويريّين الملحدين، يعتبرون أن هذه الآيات دليل على دخول أصحاب هذه الملل الجنة وإن كفروا بـ «نبوة» رسول الله محمد ولم يتبعوا رسالته:
فإذا سألتهم عن إعراب هذه الآيات، ولماذا جاءت «الصَّابِئُونَ» في «المائدة / ٦٩» مرفوعة، وفي «البقرة / ٦٢» و«الحج / ١٧» منصوبة، نظروا إليك نظر المغشي عليه من الجهل:
واللافت للنظر أن أصحاب هذه الملل يكفرون أصلًا «القرآن» الذي حمل هذه الآيات، ثم يأتي القرآنيّون والملحدون المسلمون ويدخلونهم الجنة بـ «غبائهم الديني»، وصدق الله العلي العظيم:
* «أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ – بَلْ هُمْ أَضَلُّ – أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»
– الجواب:
إن اسم الموصول «الَّذِينَ» الذي وردت في سياق هذه الآيات ليس واحدًا، لأنه لو كان واحدًا لجاءت كلمة «الصَّابِئُينَ» في المائدة منصوبة، ولكن القاعدة تقول:
(أ): إذا كان السياق يحمل «اسمين»، فليس شرطًا أن يكون اسم الموصول الثاني «الَّذِينَ»، تابعًا لكلمة «إِنَّ» التي جاء اسم الموصول «الَّذِينَ» اسمها «إِنَّ الَّذِينَ».
(ب): أن مخالفة القاعدة الإعرابية، كما سبق بيان ذلك، يكون لحكمة بلاغية لإلقاء الضوء على شيء بعينه، ومعلوم أن «الصَّابِئُينَ» أشد ملل الكفر ضلالًا بعد «اليهود»:
– فخالف القاعدة الإعرابية وجاء بهم بصيغة الرفع «الصَّابِئُونَ» بعد «الَّذِينَ هَادُواْ» مباشرة وقبل «النَّصَارَى»، فتدبر «المائدة / ٦٩»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ – وَالَّذِينَ هَادُواْ – (وَالصَّابِئُونَ) – وَالنَّصَارَى»
– ووافق القاعدة الإعرابية وجاء بهم بصيغة النصب «الصَّابِئِينَ» مباشرة بعد «الَّذِينَ هَادُواْ» وقبل «النَّصَارَى»، فتدبر «الحج / ١٧»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا – وَالَّذِينَ هَادُوا – (وَالصَّابِئِينَ) – وَالنَّصَارَى»
٦- يقول الله تعالى «يونس / ٢٢»:
* «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»:
* «حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ – وَجَرَيْنَ بِهِم – بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا»
# الشبهة:
لماذا تحوّل الخطاب «يُسَيِّرُكُمْ – كُنتُمْ» إلى الغائب «وَجَرَيْنَ بِهِم» وليس «وَجَرَيْنَ بِكُم»؟!
– الجواب:
إن تحول زمن الخطاب وصيغته، يُعتبر من أساليب لغة القرآن البلاغية، وهو كثير في القرآن، ويحكمه «السياق» الذي بدأ بالحديث عن نعم الله على الناس جميعًا مسلمهم وكافرهم:
* «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»
ولكن أصحاب هذه الشبهات يجهلون أصلًا أدوات فهم القرآن، ولا يتدبرون السياق الذي يثيرون حوله الشبهات، فقد بيّن الله في ختام هذه الآية موقف الكافرين فقال تعالى:
* «دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ – لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ – لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ»
ثم قال تعالى بعد ذلك «يونس / ٢٣»:
* «فَلَمَّا أَنجَاهُمْ – إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ»
إذن فقد كان المقصود بـ «يُسَيِّرُكُمْ – كُنتُمْ» المؤمنين الذين شكروا ربهم على نعمه، وكان المشار إليهم بالضمير «وَجَرَيْنَ بِهِم» هم الكافرون بنعم الله تعالى.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى