نحو إسلام الرسول

(1777) 20/4/2021 «ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»

في سياق الرد على الذين يفترون على الله الكذب، فيحلّون ويحرّمون على هواهم، يقول الله تعالى لرسوله محمد:
* «قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا»:
– «فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ»
– «وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا»
– «وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ»
– «وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ»
ثم بيّن الله لهم، بعض ما حرّمه عليهم، فقال تعالى:
* «قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ»:
– أي ارتفعوا عما وجدتم عليه آباءكم، واتبعوا «مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ»، ولم يقل «حَرَّمَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ»، للفت النظر إلى أن «التحريم» حق لله وحده لا شريك له:
إن «الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ» إن كانوا يعقلون:
١- «أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً»
ـ إن «الشرك بالله»، مهما تنوعت صوره، قد يكون «شيئًا» خفيًا لا تدركه الحواس، ولذلك قال الله تعالى:
* «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ»
– «وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ»
– «وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ»
– «وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً»
– «فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ»
– «أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ»؟!
ولاحظ أن آلية التذكر «أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ» وآلية التعقل، التي خُتمت بها هذه الآية «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، من آليات عمل القلب المترابطة التي لا تنفصل أبدا:
فإذا علمنا لماذا بدأت وصية لقمان لابنه بـ:
* «يَا بُنَيَّ – لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ – إِنَّ الشِّرْكَ – لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»
نستطيع أن نفهم: لماذا جاءت بعدها الوصية بالوالدين:
٢- «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»
ذلك أن المؤمن الذي تربى على الفهم الواعي لمقتضيات الوحدانية التي دخل على أساسها في «دين الإسلام»:
يعلم أن من هذه المقتضيات النهي عن «الشرك بالله» بجميع صوره، وأن الفضل في تعلم ذلك يرجع إلى الوالدين اللذين ربياه على العمل بهذه المقتضيات منذ صغره:
* «وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا – كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً»
ولم يقل «وَبِالْأبوين إِحْسَاناً»، مع استخدام السياق القرآني لكلمة الأب، فتدبر:
* «وَأَمَّا الْغُلاَمُ – فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ – فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً»
وإنما قال «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» لأن السياق يتعلق بما يبذله الوالدان من جهد في تربية المولود التربية الصالحة، وليس لبيان نسب المولود إلى أبويه.
وبعد أن يكبر الولد، لن يُحسن إلى والديه الإحسان الذي يرضى الله تعالى عنه، إلا إذا كان قد تربى على الفهم الواعي لـ «مقتضيات الوحدانية»، ومنها «الخوف من الله» إذا خالف أمره.
والسؤال:
هل تربى أولاد المسلمين على العمل بـ «مقتضيات الوحدانية»؟!
٣- «وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ – نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ»
– وهل هناك عاقل، تربى على العمل بـ «مقتضيات الوحدانية»، يجعل إلهه هواه، فيقتل ولده خوفًا عار الفقر الذي كان منتشرا بين العرب في الجاهلية، فقال الله تعالى في سياق آخر واصفًا هذه الجريمة:
* «وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ – خَشْيَةَ إِمْلاقٍ – نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم – إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطَأً كَبِيراً»
ومن بلاغة النص أن يُقدم الآباء على الأولاد فيقول «نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ»، ويُقدم الأولاد على الآباء فيقول «نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم»:
فإذا كنا نعلم أن الله تعالى هو الذي يسر للآباء أسباب الرزق «نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ» وهم بدورهم يرزقون أولادهم «وَإِيَّاهُمْ»:
فكيف يسر الله للأولاد أسباب الرزق ليكونوا هم مصدر رزق الآباء «نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم»؟!
لقد جاء هذا التقديم والتأخير لبيان أن فعالية مشيئة الله تعالي في هذا الوجود قائمة إلى يوم الدين، وإن لم يدرك الإنسان كيفيتها، ومنها في مسألة «الرزق» في حياة الإنسان.
٤- «وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
– لا توجد «فاحشة» بدون مقدمات، وبدون خطوات، فكما نهى الله تعالى عن اتباع خطوات الشيطان:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (لاَ) تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ – وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ – فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ»
نهى المؤمنين عن الاقتراب من «الفواحش»، ليست الظاهرة فقط، وإنما والباطنة أيضا لأنها مفتاح الدخول إلى الظاهرة إذا استحوذت الفكرة على الإنسان:
والقلب السليم الذي تربى على العمل بـ «مقتضيات الوحدانية»، لا يسمح تلقائيًا بمرور فكرة الفاحشة عليه، لأنه قلب يسجد من خشية الله، فهل يُعقل أن يقتل هذا القلب النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؟!
٥- «وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ»
والسؤال:
هل ما حدث في الفتن الكبرى من سفك للدماء بين المؤمنين، صحابة رسول الله محمد، كان بـ الحق أم بغير الحق، وقد قال الله تعالى لهم من قبل هذه الأحداث:
* «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً – فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا – وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ – وَلَعَنَهُ – وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»؟!
والجواب:
لا شك أنه لم يكن بـ «الحق»، ولذلك يستحيل أن يكون من تعمدوا سفك الدماء من الفريقين، لأكثر من يوم، مع سبق الإصرار، قد قرؤوا خاتمة هذه الآية وفهموا معناها:
٦- «ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ – لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
لأنهم لو كانوا يسيرون على «منهاج العقلاء» ما سفكوا الدماء بغير «حق»، فكانت النتيجة أن يعيش اليوم ٩٩٪ من المليارين مسلم، في أزمة عقدية كبرى، أسميها بـ «أزمة التخاصم والتكفير» بين المسلمين.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى