نحو إسلام الرسول

(175) 7/5/2014 (“الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ” [1-3])

لقد فهم بعض أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، وتابعهم في ذلك الكثير (مع الأسف)، أن قول الله تعالى “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ”، [البقرة 197]، يُبيح للمسلم، أن يؤدي فريضة الحج، في أي وقت شاء، من (الأشهر المعلومات)..، وهذا فهم غير صحيح، لمخالفته قواعد اللسان العربي، وعلم السياق القرآني!!
يبدأ السياق القرآني، الذي وردت فيه جملة “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ”، من الآية [189]، حيث يقول الله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنْ (الأَهِلَّةِ) قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ…”، وحتى الآية [200]، وقوله تعالى: “فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً”.
إذا تدبرنا الآية [189]، وجدناها وردت بعد بيان فريضة (الصيام)، وأن على المسلمين الذين حل (هلال) شهر رمضان على بلادهم، أن يصوموا (جميعا) هذا الشهر، المعلوم بدايته ونهايته.
وكما أن لفريضة الصيام توقيتا محددا، يلتزم به المسلمون جميعا، لا يتقدم ولا يتأخر، وكذلك الصلاة، لوقتها بداية، يُؤذن للصلاة عند حلوله، وله نهاية..، فإن لأعمال الحج بداية ونهاية، يعلمها الناس جميعا: “(وَأَذِّنْ) فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (يَأْتُوكَ) رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”.
إن من أهداف الحج الرئيسة، (الاجتماع العام)، حيث فيه يشهد الناس منافع كثيرة: “لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ”..، فإذا لم يُحدد وقت لأعمال الحج، لجاء الناس متخالفين، ولم يتحقق هذا (الاجتماع العام)، والذي حدد القرآن مكانه تحديدا، وهو (عرفة): “فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ”.
وبعد أن بيّن الله أن (عرفة) هي مكان (الاجتماع العام)، قال بعدها: “ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ”، وهذا يعني أن يفيض الحجيج من مكان أفاض جنس الناس منه (قديما)، ويفيضون منه إلى يوم الدين، وهو (عرفة)!!
إن إحالة (الإفاضة) إلى (الناس): “ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ”، دليل على أن هناك مصدرا معرفيا (غير القرآن) يستحيل الاستغناء عنه لفهم أحكام القرآن، وهذا المصدر هو “منظومة التواصل المعرفي”!!
إن قوله تعالى “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ” لم يأت تشريعا لميقات الحج، وإنما جاء في سياق ضبط الفرائض المرتبط تأديتها بـ (الأهلة)، وللرد على الذين أرادوا تحريك هذه الأشهر بالتقديم أو التأخير (في حالة نشوب حروب بينهم)، فنزل القرآن يكشف بطلان هذا، فقال في سورة التوبة، بعد الحديث عن الأشهر الحرم (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، قال: “إِنَّمَا (النَّسِيءُ) زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلُّونَهُ عَاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً، (لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)”!!
وبعد أن بيّن السياق بعض أحكام القتال، قال تعالى [الآية 194]: “الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ..”، ثم قال [الآية 196]: “وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ..”.
إن سياق الآية يتحدث عن المساحة الزمنية لأعمال الحج، والتي وصفتها الآية التالية مباشرة [197] بأشهر معلومات: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ”. وعندما يقول: “وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ”، فهو يخاطب الناس بشيء يعلمون كيف، ومتى، وأين، يُؤدونه!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى