نحو إسلام الرسول

(1735) 9/3/2021 هل يجوز «الاسترحام» للمشركين وليس «الاستغفار»؟!

ماذا أقول في نجوم الدعوة، على مستوى الفرق الإسلامية كلها، الذين يجعلون الرواية شريعة إلهية تحكم الآية القرآنية، بدعوى أن مرويات السُنّة «وَحْيٌ يُوحَى»؟!
فإذا وزنت الادعاء بأن مرويات الرواة وَحْيٌ يُوحَى بميزان القرآن، فإن النتيجة ستكون الدرك الأسفل من النار لكل من ادعى ذلك، وهو يعلم:
* أن «الرواة» قد خضعوا لمدارس الجرح والتعديل، كلٌ حسب المذهب العقدي والفقهي للفرقة التي ولد فيها.
* وأن «المرويات» قد خضعت لمذاهب التصحيح والتضعيف، كلٌ حسب المذهب العقدي والفقهي للفرقة التي ولد فيها.
* وأنه لا يوجد مُحدثٌ عاقل، على مستوى الفرق الإسلامية كلها، قال إن مرويات السُنّة «قطعية الثبوت» عن رسول الله محمد:
فكيف تكون قطعية الثبوت «وَحْيًا يُوحَى» عن الله تعالى؟!
# أولًا:
١- يقول الله تعالى «التوبة / ١١٣»:
* «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ»:
– «أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى»
– «مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ»
ـ «أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»
والمعنى المستفاد من هذه الآية اليوم:
ما كان لـ «المليارين مسلم»:
* «أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ – وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى»
* «مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ – أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»
٢- والسؤال:
هل يستغفر «الملياران مسلم» لـ «أُوْلِي القُرْبَى» من قبل أن يتبيّنوا حقيقة الملة التي ماتوا عليها؟!
والجواب:
يحرم الاستغفار «بنص الآية» لأولي القربى، من قبل أن نتبيّن هل هم من «أَصْحَاب الْجَحِيمِ» أم لا، ويقوم هذا التبيّن على أساس التصرفات الظاهرة التي يعلمها الناس جميعًا، ولا علاقة لنا بما في قلوبهم، والذي لا يعلمه إلا الله وحده.
٣- يقول الله تعالى «النساء / ٤٨»:
* «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ»:
– أي لا يغفر لمن مات مشركًا، أما من كان مشركًا وتاب ودخل في «دين الإسلام»، فهذا قد غفر الله له ما كان منه قبل إسلامه.
والسؤال:
عندما يُحذر الله المسلمين من «الشرك» ويقول لهم «الروم / ٣١-٣٢»:
* «وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»
ومنذ قرون مضت وإلى يومنا هذا، وأتباع الفرق الإسلامية يموتون على مذاهب آبائهم الدينية، «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»:
فكيف نطلب المغفرة لمن تفرقوا في دين الله ونقول «اللهم اغفر لهم» وقد نهانا الله عن ذلك «التوبة / ١١٣» إلا إذا كنا نملك برهانًا من القرآن على أنهم ليسوا من «أَصْحَاب الْجَحِيمِ»؟!
# ثانيًا:
١- عندما قال الله «النساء / ٤٨»:
* «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ»
قال تعالى بعدها:
* «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ»
– أي يغفر لمن مات، ولم يتب من بعض الذنوب، بشرط ألا يكون مصرًا عليها، لأنه إذا كان مصرًا عليها «مات مشركًا» ولن يغفر الله له بنص هذه الآية.
٢- ثم قال الله تعالى بعد ذلك:
– «وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً»
فلماذا لم يقل الله تعالى «وَمَن يُشْرِكْ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً» ويُفهم ضمنيا أن المقصود «وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ» خاصة وقد سبق ذكر لفظ الجلالة من قبل «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ»؟!
إن الهدف من ذكر اسم الجلالة مرة أخرى في ختام سياق الآية، هو تقبيح وجه كل من أشرك مع الله آلهة أخرى، وفي مقدمتها أخطر إله يعبده معظم المسلمين وهو «إله الهوى» الذي قال الله فيه «الجاثية / ٢٣»:
* «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ»:
– «وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ»
– «وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ»
– «وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً»
– «فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ»؟!
٣- وعندما يقول الله تعالى «العنكبوت / ٨»:
* «وَوَصَّيْنَا الإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً»:
– «وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»
– «فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»
فهنا الحديث عن الإنسان بوجه عام، وعن الوالدين المشركين، والمطلوب «فَلاَ تُطِعْهُمَا»، وهذا ما بينته وصية لقمان لابنه «لقمان / ١٣»:
* «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ»:
ـ «يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»
ثم تحدث السياق بعد ذلك عن وصية الإنسان بوالديه بوجه عام «لقمان / ١٤-١٥»:
* «وَوَصَّيْنَا الإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ … وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ – فَلاَ تُطِعْهُمَا – وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً»
وطبعا يستحيل أن يطلب «الولد المؤمن» من الله أن يغفر لوالديه الذين ماتا على الشرك بالله.
# ثالثًا:
١- وعندما يقول الله تعالى «الإسراء / ٢٢-٢٥»:
* «لاَ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً»
نجد هنا أن السياق بدأ بالنهي عن الشرك، ثم أكد هذا النهي قبل الوصية بالوالدين:
* «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ»
تصبح الوصية بالإحسان الواردة بعد ذلك متعلقة بالوالدين المؤمنين:
* «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»:
* «إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ – أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا – فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا – وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً»
* «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»:
– ويصبح طلب الرحمة لهما من الله في محله:
* «وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا – كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً»
وطلب «الرحمة» يعني العفو عن الذنوب التي مات صاحبها المؤمن ولم يكن مصرًا على فعلها، كما سبق بيانه، ولكنه لم يستطع التوبة منها قبل موته:
ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك مخاطبًا الأولاد ومبينًا أهمية صلاحهم وحرصهم على التوبة:
* «رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ»:
* «إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ – فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً»
الأمر الذي لا يتحقق إلا في بيئة إيمانية تربوية يعلم أفرادها معنى الصلاح والإنابة إلى الله والتوبة.
٢- ولذلك كَتَبَ الله «الرحمة» على المؤمنين المتقين فقط، فقال تعالي «الأعراف / ١٥٦-١٥٧»:
* «وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً – وَفِي الآخِرَةِ – إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ»:
* «قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ»
* «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»
– ولكن بشرط:
* «فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ – وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ – وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ»
– فمن هم يارب هؤلاء الذين يتصفون بهذه الصفات؟!
* «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ»:
* «الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ»
* «يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ»
* «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ»
* «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»
– ثم يضع الله تعالى القاعدة الإيمانية الأساس لمن ستنالهم رحمة الله:
* «فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ – وَعَزَّرُوهُ – وَنَصَرُوهُ – وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ – أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
والسؤال على سبيل المثال:
كم عدد «المُدخّنين» الذين ماتوا، وطلب المسلمون من الله لهم المغفرة والرحمة، وقد حرّم الله «التدخين» بنص قطعي الدلالة:
* «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ – وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ»؟!
# رابعًا:
١- لا يوجد دليل واحد في القرآن، يشير إلى أن من دخل النار سيخرج منها، ومع ذلك أخرج الأئمة والفقهاء «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً» المسلمين من النار بـ «مرويات السُنّة» التي جعلوها حاكمة على «أحكام القرآن».
٢- قالوا: لقد جاء في الحديث الصحيح، أن الرسول تشفع في أبي طالب وهو يعلم أنه مات مشركًا، وبناء على شفاعة الرسول سيخفف الله عن أبي طالب العذاب يوم القيامة.
والسؤال:
كيف يستجيب الله لطلب رسول الله بتخفيف العذاب عن أبي طالب الذي تبيّن للرسول أنه مات مشركًا، وأنه من أصحاب الجحيم، بدعوى أن الرسول لم يطلب له المغفرة، وإنما طلب له الرحمة؟!
والجواب:
إنها «المنهجية الهرمنيوطيقية» في التعامل مع أحكام القرآن، بدعوى أن هذه «الرحمة» تتعلق بـ «مشيئة الله» التي ليس لنا أن نتدخل فيها:
والغريب أنهم هم الذين صنعوا الروايات ثم نسبوها إلى «مشيئة الله»، وراحوا بمنجية «القص واللصق» يستدلون بالآيات المتعلقة بمشيئة الله بالنسبة لفناء جهنم واعتبروا أن فناءها رحمة من الله!!
٣- يقول الله تعالى «هود / ١٠٥-١٠٨»:
* «يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ – فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ»
(أ): «فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ – فَفِي النَّارِ – لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ»
* «خَالِدِينَ فِيهَا – مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ»
* «إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ – إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ»
والسؤال:
ما علاقة «مشيئة الله»، التي يؤمن كل مؤمن بأنها «مطلقة»، بمسألة «رحمة الله»، بعد أن تفنى النار بكل من فيها من أتباع الملل الكافرة المختلفة؟!
ثم على فرض أن من «الرحمة الإلهية» تخفيف العذاب من الدرك الأسفل من النار إلى وسط النار أو إلى أعلاها، فما علاقتنا نحن بهذه المسألة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويحرم علينا بحثها أصلًا؟!
(ب): «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ»:
– «خَالِدِينَ فِيهَا – مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ»
– «إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ – عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»
أي عطاء لا ينقطع.
٤- إن تكرار «إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ» في الحالتين، بصرف النظر عن أن:
(أ): الحالة الأولى: جاء بعدها «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ».
(ب): الحالة الثانية: جاء بعدها «عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ».
فإن مجرد البحث في مسألة «المشيئة الإلهية»، ونحن لا نملك غير حواس تدرك «عالم الشهادة» فقط، إلحاد وانحراف عن الفهم الواعي لمقتضيات «الوحدانية».
محمد السعيد مشتهري
* وهذا رابط يتكلم صاحبه عن موضوع المقال لمن يريد أن يقف على مأساة أن تكون «الرواية» حاكمة على «الآية»،
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى