نحو إسلام الرسول

(1730) 2/3/2021 ما فائدة «إقام الصلاة» لقلوب لم تخشع لـ «ذكر الله»؟!

في المقال السابق «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ – فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا»، وعند بيان قول الله تعالى «الطور / ١-٦»:
* «وَالطُّورِ – وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ – فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ – وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ -وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ – وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ»
قلت:
أنا شخصيًا أتوقف دون تعليق على الآيات التي تبدأ بها السور وتحمل قسمًا من الله على أمر عظيم يتعلق بعذاب الآخرة «الطور / ٧-٨»:
* «إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ – مَا لَهُ مِن دَافِعٍ»
والسبب:
أن الله خلق الإنسان بحواس تدرك «عالم الشهادة» فقط، وعلينا أن نتعامل مع كلمات الآيات المتعلقة بـ «عالم الغيب» على سبيل المجاز ومن باب ضرب المثل المُقرّب للمعنى المراد بيانه.
فإذا ذهبنا إلى منهج معاجم اللغة في بيان معنى الكلمة، سنجد أكثر من معنى لكلمات الآيات «الطور / ١-٦» وخلافًا في كتب التفسير حول المقصود بمعنى كل كلمة في سياقها.
ولما كانت المنهجية العلمية التي قام عليها التوجه «نحو إسلام الرسول» لا تتعامل مع معاجم اللغة بمعزل عن علم السياق القرآني، بل وتعتبر السياق حاكمًا على علوم اللغة العربية:
توقفت عن إبداء الرأي في معاني كلمات الآيات «الطور / ١-٦» باعتبارها تتعلق بـ «عالم الغيب»، وأن كل المطلوب في مثل هذه الآيات هو تفاعل القلب بـ «خوف وخشية» مع الدلالات المجازية لكلماتها وكأنها حادثة تقترب منك.
فعندما يقول الله تعالى في وصف الجنة «الرعد / ٣٥»:
* «مَّثَلُ الْجَنَّةِ – الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ – تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ – أُكُلُهَا دَائِمٌ – وِظِلُّهَا – تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ – وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ»
نفهم أن كل ما يتعلق بنعيم الجنة جاء في السياق القرآني على سبيل المجاز وضرب المثل المُقرّب للنعم على النحو الذي يعلمه الناس في «عالم الشهادة»، ولم يأت بالمعنى الحقيقي:
# فعش ما ذكرته الآيات من «نِعم الجنة» وكأنك تملكها كلها.
وعندما يقول الله تعالى في وصف جهنم وشجرة الزقوم «الصافات / ٦٤-٦٦»:
* «إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ»
* «طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ»
– فهل وقع بصرك على شيطان وشاهدت رأسه؟!
* «فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا – فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ»
– وهل هذه «الْبُطُون» هي نفسها «الْبُطُون» التي نعرفها في «عالم الشهادة»، والتي تذوب في ثوان بقليل من حمض الكبريتيك؟!
# عش ما ذكرته الآيات من «عذاب جهنم» واستعذ بالله منه، وأنت تسير في طريق تغيير «ما هو كائن» في حياتك، إلى «ما يجب أن يكون» وفق ما أمرك الله تعالى.
# أولًا:
١- تعالوا نتدبر سورة «النازعات» التي تبدأ بقسم من خمسة أشياء هي من عظائم فعاليات أسماء الله الحسنى في هذا الوجود، لأن الله لا يُقسم إلا بعظيم، فيقول تعالى «النازعات / ١-٥»:
* «وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً – وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً – وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً – فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً – فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً»
وستحدث هذه الأفعال يوم القيامة «النازعات / ٦»:
* «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ – تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ»
إذن فالآيات الخمس الأولى تتعلق بأفعال مرعبة مخيفة تحدث:
* «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ»
و«الرجف»: الاهتزاز والزلزلة «الزلزلة / ١»:
* «إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا»
و«الراجفة»: الأرض وما عليها «المزمل / ١٤»:
* «يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ – وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً»
ثم تتبع الرجفة الأولى رجفة ثانية «النازعات / ٧»:
* «تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ»
وقد تكون الرجفتان هما نفخة الصور الأولى والثانية «الزمر / ٦٨»:
* «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ – فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ – إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ – ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى – فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ»
والسؤال:
كم عدد المسلمين الذين يقيمون التزامهم العمل بـ «أحكام القرآن»، وخاصة «إقام الصلاة»، على قاعدة «الخوف» من معاصرة أحداث يوم القيامة التي قد تكون مقدمتها برق ورعد وعواصف يحسبها الناس عادية؟!
٣- ثم يأتي الحديث عن حال الكافرين واضطراب قلوبهم وخشوع أبصارهم من شدة الخوف في هذا اليوم «النازعات / ٨-١٢»:
* «قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ – أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ»
– لأنهم كانوا في حياتهم الدنيا:
* «يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ»
– عندما يسير المرء في الصحراء، وتترك قدماه أثرا في الرمال تساعده إلى الرجوع من حيث أتى، وأراد الرجوع، يُقال عاد إلى حافرته، أي إلى الطريق الذي حفرت قدماه في رماله أثراً.
فكان الكافرون المنكرون للبعث، يقولون باستحالة أن يعود جسم الإنسان إلى الحياة بعد موته:
* «أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً»
– فهل بعد أن أصبحنا «عِظَاماً نَّخِرَةً»، أي فارغة من داخلها، نعود إلى الحياة، لو حدث هذا نكون قد خسرنا لتكذيبنا البعث:
* «قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ»
٣- ثم ينتقل السياق إلى بيان لحظة البعث، التي هي النفخة الثانية «الرادفة»، وسرعة تواجدهم الفوري في ساحة الحساب لذلك جاء بـ «إذا» الفجائية:
* «فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ (وَاحِدَةٌ) – (فَإِذَا) هُم بِالسَّاهِرَةِ»
– إن المقصود بـ «الزجرة» الصيحة، ولكن معناها هنا هو المعنى اللغوي الذي هو الطرد بصوت مرتفع، لبيان حالة الفزع والخوف التي تسبق الحشر.
– و«السَّاهِرَة»: الأرض المستوية التي لا يوجد عليها أي شيء، ويقصد بها أرض الحشر.
وقد جاءت آيات كثيرة تُعبّر عن سرعة البعث والحشر والحساب كقول الله تعالى «النحل / ٥٥»:
* «وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ – (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ) – إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ – أَوْ هُوَ أَقْرَبُ – إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
والسؤال:
كم عدد المسلمين الذين يقيمون التزامهم العمل بـ «أحكام القرآن»، وخاصة «إقام الصلاة»، على قاعدة «الخوف» من معاصرة أحداث يوم القيامة التي قد تكون مقدمتها برق ورعد وعواصف يحسبها الناس عادية؟!
# ثانيًا:
وتعالوا نلقي نظرة سريعة على مقدمة سورة «المرسلات» مقارنة بسورة «الطور» وسورة «النازعات»:
١- يقسم الله تعالى بمقدمات يوم القيامة «المرسلات / ١-٥»:
* «وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً – فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً – وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً -فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً – فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً»
٢- مع بيان أن الرسل أعذروا وأنذروا من مجيء هذا اليوم «المرسلات / ٦»:
* «عُذْراً أَوْ نُذْراً»
٣- وقد بيّن الرسل أن ما وعد الله تعالي به الناس واقع لا محالة:
* «إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ»
٤- ثم بدأ الحديث عن علامات يوم القيامة «المرسلات / ٨-١٠»:
* «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ – وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ – وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ»
٥- يوم القيامة الذي كانت الرسل تنتظره للفصل بينهم وبين أقوامهم «المرسلات / ١١-١٤»:
* «وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ – لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ – لِيَوْمِ الْفَصْلِ – وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ»
٦- ثم بيان مصير المكذبين:
* «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ»
# ثالثًا:
وتعالوا أيضا نلقي نظرة سريعة على مقدمة سورة «الذاريات» مقارنة بسورة «الطور» و«النازعات» و«المرسلات»:
١- تبدأ بالقسم «الذاريات/ ١- ٤»:
* «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً – فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً – فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً – فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً»
٢- ثم التأكيد على ما وعد الله الناس به «الذاريات/ ٥»:
* «إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ»
وقال تعالى في «المرسلات»: «إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ».
٣- وفي هذا اليوم «يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ»، و«الدين» بمعنى الجزاء على الأعمال الحاصل لا محالة «الذاريات / ٦»:
* «وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ»
٤- ثم يأتي قسم بالسماء التي أحبك إبداع خلقها بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا «الذاريات / ٧-٩»:
* «وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ – إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ – يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ»
٥- ثم يأتي بيان مصير المكذبين «الذاريات / ١٠-١٤»:
* «قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ – الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ – يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ – يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ – ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ»
# رابعًا:
ثم تعالوا إلى ملخص سريع لما سبق «القيامة / ٥-١٣»:
١- «بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ – يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ»
٢- «فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ – وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ»
٣- «يَقُولُ الإِنْسَان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ»
٤- «كَلاَّ لاَ وَزَرَ – إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ – يُنَبَّأُ الإِنْسَان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ»
إن المقدمات كلها تصل إلى نتيجة واحدة جاءت بها سورة «العاديات» على وجازتها:
(أ): «وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً – فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً – فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً»
(ب): «فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً – فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً»
(ج): «إِنَّ الإِنْسَان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ – وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ – وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ»
(د): «أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ – وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ»
(هـ): «إنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ»
# خامسًا:
١- كم عدد الآيات التي حملت أحكام الفريضة الرئيسة اليومية التي هي «الصلاة»، وكذلك أحكام الزكاة والصوم والحج والنكاح والقتال …، بالنسبة إلى مجموع آيات الذكر الحكيم؟!
إذن فلماذا لا يشغل بال المسلمين في بيوتهم، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، غير «الأحكام الفقهية» المتعلقة بالفرائض المعروفة ومسائل الأحوال الشخصية من طلاق ونفقة … إلى آخره:
* ولا نرى لهم اهتمامًا بما تخشع به القلوب من آيات الترهيب إلا عند الطرق الصوفية؟!
* أقول:
إن السبب الرئيس وراء عدم تفعيل فريضة «النهي عن المنكر» في حياة المسلمين، حتى أصبحوا يعيشون بداخله ويحسبونه معروفًا، هو قسوة القلب، والله تعالى يقول:
* «فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم – مِّن ذِكْرِ اللَّهِ – أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ»
إن البيوت التي لم تتشرب قلوب أفرادها فريضة النهي عن المنكر بيوت ملعونة كما لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل:
* «كَانُواْ – لاَ يَتَنَاهَوْنَ – عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ – لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ»
إن الذين لم تخشع قلوبهم لذكر الله، لم يدخل الإيمان قلوبهم، ولن يقبل الله تعالى منهم عبادة ولا عملًا صالحًا
* «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً – مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى – (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) – فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً – وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم – بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»
فإياك أن تتصور أن «الَّذِينَ آمَنُوا – وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» يمكن أن يكونوا:
– الـ «99 %» أتباع الفرق الذين يقيمون الصلوات الخمس ولم تخشع قلوبهم لـ «ذكر الله»، وإلا ما تفرقوا في دين الله.
– الـ «00.99 %» الملحدين في آيات الله وأحكامها، وإلا ما كفروا بـ «بلغة القرآن» ومعاجمها، فأضلهم الله على علم.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى