عندما تأكل (الدنيا) قلوب (المتُديّنين)
إن (المسلم): من اتبع صراط الله المستقيم، والتزم بشريعته، على أساس علمي، (وليس وراثيا)، وذلك بتفعيل آليات التفكر والتدبر والتفكر والتفقه…، فيلقى الله بقلب سليم: “يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ” – “إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”.
و(المُتديّن): من اتبع صراطا وشريعة، على أساس (غير علمي)، ولم يقم بتفعيل آليات عمل القلب، وكان إلهه هواه: “أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ (إِلَهَهُ هَوَاهُ) وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ (وَقَلْبِهِ) وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ)”؟!
إن (المسلم)، الذي التزم بشريعة ربه، سلوكا عمليا في حياته، وعاش مع المسلمين داخل منظومة إيمانية واحدة، يستحيل أن يترك قلبه لهواه، ويجعل (بوصلته) لدنياه.
إما (المتدين)، الذي ألقى بآليات عمل قلبه وراء ظهره، واتبع صراطا وشريعة (بغير علم)، فهذا (بوصلته) دنياه!!
وعندما تملأ الدنيا وشهواتها قلوب المتدينين، تراهم لا يؤدون من شريعة الله إلا ظاهرها، فيحملون شهادة الوحدانية بالوراثة، ويؤدون الصلاة والزكاة، كواجب (عايزين يخلصوا منه)، والصيام (شهر كل سنة)، والحج والعمرة (من استطاع)..، وهؤلاء يقول الله فيهم:
“مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ” – “أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
وعندما تتحكم الدنيا وزينتها في قلوب المتدينين، لا ترى رفيقا، ولا أنيسا، ولا زوجا..، إلا من حقق لها مصلحتها وشهواتها، وهذا هو ظاهر الإيمان، الذي يتصف به (المشركون)، الذين يخادعون الله والذين آمنوا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، والذين يصدق عليهم قوله تعالى: “وَمَا (يُؤْمِنُ) أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ” – “قَالَتْ الأَعْرَابُ (آمَنَّا) قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ”!!
فماذا تفعل (الصلاة)، في ميزان الآخرة، إذا كان القلب مشغولا دوما بدنياه، وشهواتها، لا يعمل شيئا للإسلام، غير مظاهره المفروضة، ظنا منه أنه بمجرد أدائها يكون قد أدى ما أمره الله به، وإن مات مات موحدا؟!
ماذا تفعل (الصلاة)، في ميزان الآخرة، إذا كانت (الصلة) بين العبد وربه، لا تتم إلا في دقائق معدودة، ويا ليتها تتم على وجهها الصحيح؟!
وإذا كان (البيت المسلم) هو القاعدة الرئيسة للمجتمع المسلم، فإن العمود الفقري لهذا البيت، هو (الأم)، فإذا استقامت (الأم) (على شريعة الله)، استقام المجتمع، وإذا انحرفت انحرف المجتمع”: “الأم مدرسة، إذا أعددتها، أعددت شعبا طيب الأعراق”.
ولقد بيّن الله تعالى، أن (البيت المسلم)، لا يجب أن تكون (بوصلته) الدنيا وزينتها، وضرب على ذلك المثل ببيت (النبوة): “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ (الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً” – “وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ (اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ) فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ (مِنْكُنَّ) أَجْراً عَظِيماً”.
إن بيت (النبوة)، لم تكن بوصلته، غير تفعيل نصوص “الآية القرآنية” في حياة أفراده، فتدبر: “وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً”.
إن (البيت المسلم) هو قاعدة المجتمع الإيماني، الذي غاب عن ساحة المسلمين قرونا من الزمن، هذا البيت الذي تتناغم فيه ملة الوحدانية، مع مشاعر الحب، والود، والصدق، والصبر، والخشوع، والذكر…، فلا تحكمه شهوات الدنيا أبدا، حتى ولو كانت مباحة:
“إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ – وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ – وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ – وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ – وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ – وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ – وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ – وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ – وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ – وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ – أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً”.
إن الذين أعد الله لهم: “مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً”، لا تأكل الدنيا قلوبهم أبدا!!