نحو إسلام الرسول

(1729) 28/2/2021 «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ – فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا»

إن سور القرآن كلها نور، تخاطب الإنسان بما في قلبه وبالذي لا يعرفه إلا ربه، تؤثر تأثيرًا إيجابيًا يُعين من يريد التغيير على أن يُسلّم لأحكام القرآن تسليمًا، يدور محورها حول الترغيب والترهيب، وعندما يألف المسلمون «المنكرات» يكون الترهيب طوق نجاتهم.
وسورة «الطور» تحمل إيقاعات الترهيب، شديدة الوقع والتأثير على القلوب التي تخشى ربها، خاصة عندما تبدأ بقسم لا يعلم الناس مدلولات معظم كلماته لتعلقها بعالم الغيب ومشاهد القيامة وعذاب المكذبين، وكلها مشاهد تزلزل القلوب.
برجاء قراءة الآيات بتدبر وخشوع وتركيز، ولا تعتمد على أنك تحفظها أو تعلم سياقاتها، وتعليقي عليها سيكون محدودًا جدًا لبيان دلالات بعض الكلمات حتى لا تنشغل بالبحث عنها في المعجم:
١- يُقسم الله تعالى فيقول «الطور / ١-٦»:
* «وَالطُّورِ – وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ – فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ – وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ -وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ – وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ»
وأنا شخصيًا، أتوقف دون إبداء أي تعليق على الآيات التي تبدأ بها السور وتحمل قسمًا من الله على أمر عظيم يتعلق بعذاب الآخرة «الطور / ٧-٨»:
* «إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ – مَا لَهُ مِن دَافِعٍ»
– والمسلمون في غفلة، أنظر إلى معايشهم كل يوم، وعبر أجهزة الإعلام، فأشعر بأنهم في عالم آخر، سعداء لا علاقة لهم بأحكام القرآن، ولسان حالهم يقول:
* «إِنَّ نَعِيمَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ – مَا لَهُ مِن دَافِعٍ»
٢- ولا أعلم ماذا سيكون حالهم، إذا فاجأتهم الساعة في أي لحظة «الطور / ٩-١٠»:
* «يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً – وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً»
يمكننا رؤية السماء مضطربة كاضطراب أمواج البحر، والجبال تسير بين الناس في الشوارع، وذلك في أفلام الخيال العلمي، حيث نرى الناس سكارى في ذهول، وطبعا قلوب المشاهدين معهم، وأطفالهم يضعون رؤوسهم في أحضانهم من الخوف:
٣- فماذا لو كانت هذه المشاهد حقيقة، والناس ينظرون إلى الجبال وهي تدهسهم، في يوم لن يقبل الله فيه توبة المكذبين، ويتوعدهم بالعذاب الأليم «الطور / ١١-١٦»:
* «فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»:
* «الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ»
– إنها حقيقة هذه الدنيا، إذا لم يحذر فتنتها المؤمنون المسلمون، هذه الفتنة التي تجعلهم يخوضون في أشياء لا يعلمون نتائجها، كالأطفال الذين يلعبون بمواد حارقة والناس لا تحذرهم من اللعب بها.
٤- فإذا بهم جميعًا يجدون من يدفعهم من ظهورهم دفعًا إلى جهنم:
* «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً»
* «هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ»
– إن كل آيات الوعيد والترهيب التي ذكرها القرآن، يمر عليها المسلمون مر الكرام، وإلا ما كان هذا هو حالهم، وما كانت هذه هي معايشهم، ولذلك سيجدون يوم القيامة من يقول لهم:
* «أَفَسِحْرٌ هَذَا – أَمْ أَنتُمْ – لاَ تُبْصِرُونَ»
طبعا هم أبصروا يوم القيامة، ولكن هذا الترهيب وهذا الوعيد لمن لم يبصروا آيات الذكر الحكيم وأحكامها وهم مازالوا في الدنيا، كما قال الله تعالى في موضع آخر «الأعراف / ١٧٤»:
«وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»
وهم لم يرجعوا، لذلك كانت النتيجة:
* «اصْلَوْهَا – فَاصْبِرُوا – أَوْ لاَ تَصْبِرُوا – سَوَاء عَلَيْكُمْ – إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»
٥- وفي المقابل يأتي ببيان مصير «المتقين»، ولاحظ أن في سياق الحديث عن أهل الجنة يذكر المتقين «الطور / ١٧-٢٨»:
* «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ»:
* «فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ»
– يكفيك أن تقف عند «وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ» ففيها النعيم كله بدخولك الجنة «فِي جَنَّاتٍ»، فما بالك لو أن النعيم شيء آخر «وَنَعِيمٍ»؟!
* «كُلُوا وَاشْرَبُوا – هَنِيئاً – بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»
* «مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ – وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ»
– ثم هل هناك نعيم أكبر من أن تجد ذريتك المؤمنة معك في الجنة؟!
* «وَالَّذِينَ آمَنُوا – وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم – بِإِيمَانٍ»
* «أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ – وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم – مِّن شَيْءٍ»
– مع ملاحظة أن كل إنسان مرتهن بـ «عمله» لا يستطيع الفكاك منه:
* «كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ»
* «وَأَمْدَدْنَاهُم – بِفَاكِهَةٍ – وَلَحْمٍ – مِّمَّا يَشْتَهُونَ»
– وفي مقابلة شهوات الدنيا، يأتي التعبير المجازي الذي لن نعلم حقيقته إلا إذا كنا من أهل الجنة:
* «يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً – لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ»
– «يَتَنَازَعُونَ فِيهَا»: إنها صورة من صور تجاذب النعم بين أهل الجنة، ومنها الخمر، «وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ»، وهي ليست خمرًا كخمر الدنيا التي تذهب بالعقول «لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ».
* «وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ – كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ»
– وهنا يجب أن نقف ونعيش معايشة قلبية لهذا المشهد، وكأننا نراه أمامنا الآن:
* «وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ»
– من النعيم الذي يعيش فيه أهل الجنة، أنهم يُذكرون في جلساتهم الأسباب التي جعلتهم من أهل الجنة:
* «قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ»
– إنهم لم ينخدعوا بالتزيين والإغواء الشيطاني، فكانوا دائما على خوف من لقاء ربهم:
* «فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا – وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ»
– إنهم لم يقطعوا صلتهم بالله، فخصص الله آية مستقلة تبين انشغالهم بالدعاء:
* «إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ»
٦- ثم يأتي بيان دور المؤمن المسلم في مواجهة التحديات، فلا تتوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن ذهبوا به إلى مستشفى الأمراض العقلية «الطور / ٢٩-٣٤»:
* «فَذَكِّرْ – فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ – بِكَاهِنٍ – وَلاَ مَجْنُونٍ»
* «أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ – نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ»
* «قُلْ تَرَبَّصُوا – فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ»
* «أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُم بِهَذَا – أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ»
* «أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ – بَل لاَ يُؤْمِنُونَ»
– وهنا يأتي بيان دور «الإيمان» في مواجهة شبهات الملحدين في آيات الذكر الحكيم وأحكامها، هذا «الإيمان» الذي لم يدخل قلوب 99.99 % من المسلمين.
المسلمون الذين ورثوا الإسلام وهم في بطون أمهاتهم، ويتلاعب بقلوبهم الملحدون لجهلهم بـ «لغة القرآن» وبـ «علم السياق»، الملحدون الذين يشهد الله في كثير من الآيات بكذبهم وبأنهم أضل من الأنعام، ويقول لهم:
* «فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ – إِن كَانُوا صَادِقِينَ»
٧- ثم يأتي السياق بـ «القاصمة» التي قصمت ظهور الملحدين جميعًا، ظهور الجاهلية الأولى التي يخدعون الناس بها باسم «الفلسفة»، والله تعالى يقول مع ملاحظة بداية الآيات بـ أَمْ «الطور / ٣٥-٤٣»:
(أ): «أَمْ – خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ – أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ»؟!
(ب): «أَمْ – خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ – بَل لاَ يُوقِنُونَ»؟!
(ج): «أَمْ – عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ – أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ»
(د): «أَمْ – لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ – فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم – بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ»
(هـ): «أَمْ – لَهُ الْبَنَاتُ – وَلَكُمُ الْبَنُونَ»
(و) «أَمْ – تَسْأَلُهُمْ أَجْراً – فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ»
(ز): «أَمْ – عِندَهُمُ الْغَيْبُ – فَهُمْ يَكْتُبُونَ»
(ح): «أَمْ – يُرِيدُونَ كَيْداً – فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ»
(ط): «أَمْ – لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ – سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ»
٨- حتى العذاب الواقع بهم، يرونه من سنن الوجود المادي «الطور / ٤٤-٤٧»:
* «وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً – يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ»
– إنه ليس عذابًا وإنما سحاب يحمل الخير كله من ماء وحياة:
* «فَذَرْهُمْ – حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ»
* «يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً – وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ»
– هذا عن عذاب يوم القيامة، فماذا عن هذا العذاب:
* «وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ – وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»؟!
– لا أحد يعلم هذا العذاب إلا الله تعالى.
٩- ثم يختم الله سياق هذه السورة بقوله تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا «الطور / ٤٨-٤٩»:
* «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ – فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا»
– إنه «الصبر» على تحديات وتكاليف الدعوة إلى الله، ومعية الله تعالى تشمل كل المؤمنين الصابرين، ويعجز المرء أن يكتب شيئا في معنى «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا»، ولا في قول الله تعالى لموسى عليه السلام «وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي»، وغير ذلك:
وإنما هو التسبيح والتنزيه المطلق لله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله، تسبيحًا يشمل حياة المؤمن كلها، وليس فقط كلمات ينطق بها لسانه:
* «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ – حِينَ تَقُومُ»
– «حِينَ تَقُومُ»: لأي صلاة.
* «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ – وَإِدْبَارَ النُّجُومِ»
– «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ»:
والليل يبدأ بغروب الشمس، حيث وقت صلاة المغرب، ويستمر حتى طلوع الفجر ووقت صلاة الفجر، وكلمة «مِنْ» تعني «بعض الليل».
– «وَإِدْبَارَ النُّجُومِ»:
و«الإدبار» تعبير مجازي يُقصد به «الاختفاء» أي وسبح عند اختفاء النجوم بضوء الصبح، وهو وقت السحر.
* وتذكروا:
أن التوجه «نحو إسلام الرسول» يهتم ببيان «أصول الإيمان»:
١- بيان وجوب العمل بمقتضيات شهادة أن «لا إله إلا الله» وأن «محمدًا رسول الله» سلوكًا عمليًا في حياة المسلمين.
٢- بيان وجوب خلع ثوب التدين الوراثي المذهبي، وإعادة الدخول في «دين الإسلام» من بابه الصحيح.
٣- بيان أن الباب الصحيح والوحيد للدخول في «دين الإسلام» هو باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية».
٤- بيان أن «الآية القرآنية العقلية» آية معاصرة للناس جميعًا على مر العصور، وأنها البرهان الوحيد على صدق «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام.
٥- بيان أن الله خاطب قوم كل رسول باللغة التي كانت تنطق به ألسنتهم قبل بعثة الرسل، وقد نزل القرآن يخاطب قوم النبي محمد بلغتهم العربية.
فكيف يفهم عاقل كتابًا بغير لغته، دون أن يتعلم لغة هذا الكتاب، ولا يعتمد على من يترجمه له، الذي قد يستغفله ويضلله مستغلًا جهله؟!
٦- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، أما ما يتعلق بـ «ما هو كائن» في حياتهم، فإن كل مسلم مسؤول عنه، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى