إن إثبات حجية المرجعية، التي يستقي منها (المسلم) معارفه، وثقافته الدينية، فريضة شرعية، يحرم عليه عدم الالتزام بها، لقوله تعالى: “وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً”.
إن قوله تعالى: “وَلا تَقْفُ (أي لا تتبع) مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ”، دليل على (حرمة) الاتباع بغير علم: “إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً”.
إن المشاريع الفكرية، عندما تدخل دائرة (المحرم)، فعلى أطرافها (تابعين ومتبوعين) التوقف فورا عنها!! فإلى متى سيتعامل المسلمون، مع مقتضيات (الإسلام)، بهذه العشوائية الفكرية (المحرمة شرعا) التي نراها على شبكات التواصل الاجتماعي؟!
ولكن الغريب، أن نجد من أصحاب المشاريع الفكرية القرآنية، من يقعوا في هذا (المحرم)، بإيمانهم بحجية (المرويات) المنسوبة إلى النبي، بدعوى أنها توافق القرآن، فضلوا وأضلوا بأهوائهم (التابعين) بغير علم!!
في الثمانينيات، حدثت مناظرة بيني وبين ثلاثة من أساتذة جامعة الأزهر، كان منهم أستاذ في الحديث (الدكتور عبد المهدي عبد القادر) أعلنت فيها أن منهجي، لن يخرج عن إطار (القرآن) في إثبات بطلان حجية ما يُسمى بعلم الحديث.
ولقد كانت الغلطة المنهجية، التي تعلمت منها الدرس بعد ذلك، أني دخلت (عش الدبابير) برجلي!! فعندما أصر الدكتور عبد المهدي على إثبات حجية (الحديث المتواتر)، واستدل على ذلك بحديث “إنما الأعمال بالنيات”، ما كان مني إلا أن انفعلت، وخرجت عن منهجي، وقلت له: ولكن ابن حجر، الذي تلقبونه بأمير المؤمنين في الحديث، قال: إن هذا الحديث ليس بمتواتر!!
ومع أن تلفظي بهذه الجملة كان من باب مخاطبة الخصم بما يؤمن هو به، وليس بما أؤمن أنا به، إلا أن الدكتور استغل هذه الجملة، وقال: انت أصلا بتكفر بحجية الأحاديث كلها، فكيف تأتي من داخلها بحديث وتستدل به على عدم حجيتها؟! فإما أن تؤمن بها كلها، أو تكفر بها كلها!! قلت له: صدقت، أنت على حق، وتعلمت الدرس!!
لقد درست ما يسمى بعلم الحديث، فترة طويلة، وكانت هذه الدراسة هي السبب الرئيس الذي جعلني أكفر بحجيته، وأهم نتيجة خرجت بها من هذه الدراسة، أن حراس هذا العلم، جعلوا له مخارج كثيرة، فإذا أغلقت عليهم بابا، خرجوا من باب آخر!!
إن المصدر المعرفي، الذي آتاه الباطل، يحرم اتخاذه مرجعا يستقي منه المسلم أقوال النبي أو أفعاله، أو حتى سيرته، لأن الله تعالى يقول: “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ (تُشْرِكُوا بِاللَّهِ) مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)”.
إن الذين يؤمنون بحجية (الأحاديث) التي توافق القرآن، وينتقدون الأخرى، هؤلاء عليهم أن يعلموا أن (الإسلام) يُحرم على المسلم اتخاذ مصدر تشريعي قد آتاه الباطل، حتى ولو كان هذا الباطل حديثا واحدا، (لأن احنا مش بنقي رز)!!
إن كتاب الله “آية متحركة”، وإن بدت للناس أنها ساكنة، محبوسة بين دفتي الكتاب، بسبب غياب (الربانيين) الذين يحملون آليات تفعيلها!!
فما علاقة الإسلام، القائم على فاعلية “الآية القرآنية”، المعاصرة لنا اليوم، بتراث الأموات، أو حتى بتراث شهر مضى؟!
“لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ”!!