نحو إسلام الرسول

(171) 28/4/2014 (من بديع البيان، وبلاغة القرآن)

هناك من يدّعون العلم بقواعد اللسان العربي، وتراهم يسارعون إلى كل بدعة، يهدمون بها التراث الديني (مشكلتهم الوحيدة في الحياة)، وذلك على حساب تحريف “النص القرآني”، وباستخدام نفس “اللسان العربي”!!
ومن هذه البدع قولهم: إن القرآن ليس كلام الله، وإنما كلام الملائكة، هم الذين صاغوه إلى اللغة العربية..، ودليلهم على ذلك، وجود ضمائر الجمع، عند الحديث عن الذات الإلهية، كقوله تعالى: (أنزلنا – كتبنا)!!
يقولون: يستحيل أن يُحدّث الله الناس عن نفسه بضمير الجمع (نا) أو (نحن) أو (إنّا)، لأنه منزه عن استخدام اسلوب التفخيم والتعظيم، وهذا الأسلوب، هو الدليل على أن القرآن كلام الملائكة!!
أقول: إن الملائكة (رسل الله)، هكذا وصفهم الله، ومهمة (الرسل) البلاغ عن الله، دون تدخل مطلقا في هذا البلاغ، ويستحيل أن يفوضهم الله في صياغة هذا البلاغ، ثم لا يخبرنا بذلك، وهو القائل: “وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ (كَلامَ اللَّهِ) ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ” – “حَتَّى يَسْمَعَ (كَلامَ اللَّهِ) ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ” – “يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا (كَلامَ اللَّهِ)” … فإذا كان ما يدّعونه صحيحا لقال تعالى: يسمع (كلام الملائكة) الذين فوضتهم في صياغة كلامي، ولقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا (كلام الملائكة)!!
إن التحوّل من ضمير المتكلم الحاضر (أَنَا) إلى ضمير الجمع (نحن)، أو إلى الغائب (هو)..، كل هذه أساليب بلاغية، خاصة بالخطاب الإلهي، ولا يصح مطلقا قياسها على أساليب البشر!!
إن من عطاءات نصوص “الآية القرآنية”، تنوع أسلوبها البلاغي، فقد يأتي سياق الآية بكلام مجمل، ويُفصّل في موضع آخر. وقد يتحرك السياق بين ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب، وذلك للفت النظر إلى دلالات بلاغية يكشف عنها (المتدبّرون) لهذا السياق. وقد يأتي بالجمع في موضع، والإفراد في موضع آخر… إلى آخره.
مثال (1): يقول الله تعالى في سورة طه، مخاطبا موسى عليه السلام: “إِنَّنِي (أَنَا) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ (أَنَا) فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي”. ويقول في سورة البقرة: “اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ (هُوَ) الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا (تَأْخُذُهُ) سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ…”.
فتدبر..، في سورة طه يقول تعالى: “لا إِلَهَ إِلاَّ (أَنَا)”، وفي سورة البقرة يقول: “لا إِلَهَ إِلاَّ (هُوَ)”، فهل يمكن أن يأتي ضمير الغيبة (هو) مكان ضمير المتكلم (أنا)؟! الجواب: لا، لماذا؟!
لأنه بتدبر سياقات الآيات التي ورد فيها ضمير الغيبة (هو)، نجد أنها تتحدث عن فاعلية أسماء الله الحسنى في هذا الوجود: “اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ (هُوَ)، الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا (تَأْخُذُهُ) سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ”، وذلك للفت النظر إلى أن هذه الفاعلية الحاضرة، التي يدركها الناس في عالم الشهادة..، هي البرهان على وحدانية (الله – هو)، الذي (نؤمن) به، ولم (ولن) نشاهده.
وبتدبر سياقات الآيات التي ورد فيها ضمير المتكلم (أنا)، نجدها كلها، يخاطب الله فيها رسله، باستثناء موضع واحد فقط، يخاطب الله فيه الناس، يُبيّن لهم، أن ميزان الحساب في الآخرة حق، وأنه لا يظلم أحدا: “مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا (أَنَا) بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ”.
مثال (2): يقول الله تعالى: “وَ(اللّهُ) الّذِيَ أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً (فَسُقْنَاهُ) إِلَىَ بَلَدٍ مّيّتٍ (فَأَحْيَيْنَا) بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا” [فاطر:9].
في الجملة الأولى جاء بضمير الغيبة (هو)، في قوله: “و(َاللّهُ) الّذِيَ أَرْسَلَ”.
وفي الجملة الثانية جاء بضمير المتكلم (نحن)، في قوله: “(فَسُقْنَاهُ) إِلَىَ بَلَدٍ مّيّتٍ (فَأَحْيَيْنَا)”.
فلماذا لم يستمر ضمير الغيبة (هو)، في الجملة الثانية، بحيث تكون (فساقه)، (فأحيا)؟! لماذا استخدم في الجملة الثانية ضمير المتكلم (نحن)، فقال (فَسُقْنَاهُ)، (فَأَحْيَيْنَا)”؟! هل لأن (الله) كان غائبا عن المشهد في الجملة الأولى، ثم حضر في الثانية؟!
بالقطع لا، فالله تعالى حاضر، في كل زمان ومكان، في نفس الوقت، حي قيوم!!
إنه بتدبر الجمل القرآنية التي ورد فيها ضمير المتكلم بصيغة الجمع (نحن – إنّا ..)، نجد أن العامل المشترك الذي يربطها، هو ما يعرف في علم البيان بـ (الالتفات) حيث تتحرك الضمائر من (الغيبة) إلى (الحضور) للفت النظر إلى فاعلية “الأسماء الحسنى”، من خلال البراهين الحاضرة أمام الناس (فَسُقْنَاهُ)، (فَأَحْيَيْنَا)، والتي يستطيعون عن طريقها، الاستدلال على وحدانية (الله) الذي لم يشاهدوه!!

“الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ”

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى