نحو إسلام الرسول

(1672) 6/1/2021 «قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ – فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»

في كتابه «الإسلام والإيمان – منظومة القيم – فصل العباد والعبيد»
يذهب «محمد شحرور» حسب «منهجيته الهرمنيوطيقية» إلى القول:
إن «عَبَدَ» في اللسان العربي من أفعال «الأضداد»:
أي أنها تعني الطاعة وتعني المعصية، فالذي يطيع الله عابد، والذي يعصى الله عابد، ومن أجل ذلك خلقهم الله:
* «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»
وعلى هذا الأساس «الهرمنيوطيقي» فهم معنى قول الله تعالى:
* «قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ – فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»
بمعنى: «فَأَنَا أَوَّلُ الكَافِرِين» بالولد.
أي أنه لا مانع عند «شحرور» أن يكون لله ولد، ولكن علينا أن نكفر بهذا الولد!!
وفي لقاء تلفزيوني سأله مقدم البرنامج:
ولماذا لم يقل الله مباشرة «فأنا أول الكافرين»؟!
رد «شحرور» قائلا: حتى لا يكون هناك تناقض!!
* أقول:
والمعنى الصحيح وفق مقتضيات «الوحدانية»:
– «قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ»:
– «فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»:
– «لِلرَّحْمَنِ الذي ليس له ولد»
# أولًا:
إن كلمة «عبد» في السياق القرآني تعني الإنسان «الحر» كما تعني «المملوك»، والذي يُفرق بين المعنيين هو السياق والقرائن الدالة على المعنى، كقوله تعالى «البقرة / ١٧٨»:
١- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى …»
فالقرينة هنا هي مقابلة «الْحُرُّ» بـ «الْعَبْدِ».
٢- فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى:
«ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً …»
نجد أن القرينة هنا هي الصفة التي ألحقت بـ «العبد» بأنه «مملوك»، ثم مقابلته بعدها بـ «الحر» في قوله تعالى:
«… وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَنًا … هَلْ يَسْتَوُونَ»
أي هل يستوي الإنسان الحر الذي رزقه الله «رِزْقاً حَسَنًا» فهو يتصرف فيه كيف يشاء، بـ «العبد المملوك» الذي لا يستطيع التصرف في أي شيء:
«عَبْداً مَّمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ»؟!
فليس لهذا «العبد المملوك» مال يتصرف فيه، وهؤلاء هم الذين عرفهم عصر التنزيل، وسمّاهم القرآن بـ «ملك اليمين»، سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا، فتدبر قوله تعالى «النور / ٣٢»:
٣- «وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»
ووفق علم السياق، فإن جملة «وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ» جاءت مخصصة لجملة «وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ»، وذلك لبيان:
أن المقصود بـ «الأيَامَى» الحرائر من الرجال والنساء، يُقال رجل أيِّم وامرأة أيِّم، ويقابلهم ملك اليمين «مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ» أي من المملوكين والمملوكات، ويُشترط صلاحهم.
# ثانيًا:
وماذا عن قول الله تعالى «فصلت / ٤٦»:
* «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»
إن هذه الآية تنسف كل ما قاله «شحرور» عن «العباد والعبيد» من قواعده:
١- فقد ذكر الله كلمة «العبيد» في سياق الحديث عن أحوال الناس واختياراتهم في الدنيا، وليس في الآخرة!!
٢- لقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن إيتاء موسى، عليه السلام، الكتاب، فقال تعالى «فصلت / ٤٥»:
«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ – وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ – وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ»
وطبعًا إيتاء الكتاب لموسى كان في الدنيا، ولذلك عقب الله بعدها بقوله:
* «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ»: باختياره.
* «وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا»: باختياره.
٣- لقد وصف الله الذين عملوا الصالحات بـ «اختيارهم»، والذين أساؤوا بـ «اختيارهم»، بـ «العبيد»، فقال تعالى بعد ذلك:
* «وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»
أي أن الله عادل مع «العبيد» ومن عدله أن يعاقب المسيء ولا يعاقب المحسن.
# ثالثًا:
١- هناك ما يُعرف في علم السياق بـ «مراعاة الفواصل» حسب «الميزان الصرفي»، وهو موضوع يطول شرحه ويحتاج لفهمه أن يكون المتلقي على دراية بمبادئ «علم الصرف».
ولتقريب المسألة نأخذ على سبيل المثال قوله تعالى «ق / ٢٩»:
* «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»
نجد أن كلمة «العبيد» جاءت مراعاة للفواصل «أي النهايات» التي سبقتها ولنقل بداية بـ «الآية ٢٦»:
* «فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ (الشَّدِيدِ)»
* «قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ (بَعِيدٍ)»
* «قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم (بِالْوَعِيد)»
* «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ (لِّلْعَبِيدِ)»
* «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن (مَّزِيدٍ)»
فجاءت كلمة «العبيد» حسب الميزان الصرفي لـ:
«شديد – بعيد – وعيد – عبيد – مزيد»
وطبعا ليست كل الآيات الخمس على نفس الميزان.
٢- لقد اعتمد «شحرور» في مؤلفاته التي كتبها له «من الناحية اللغوية» الدكتور «جعفر دك الباب»، على كتاب «معجم مقاييس اللغة – لابن فارس»:
فإذا ذهبنا إلى مادة «ع – ب – د» في «معجم مقاييس اللغة» نجد أن «شحرور» استخدم معها «المنهجية الهرمنيوطيقية» التي استغفل بها قلوب الذي لا يعلمون في مؤلفاته كلها.
يقول ابن فارس عن مادة «ع – ب – د»:
(أ): «عَبَدَ»:
تأتي بمعنى الذل واللين، مثل العبادة والعبودية والعبيد.
(ب): «العَبَدَة»:
تأتي بمعنى الشدة والصلابة.
(ج): «العَبَد»:
تأتي بمعنى الأنَفَ والغضب.
ثم انظر ماذا قال ابن فارس بعد ذلك، وهو يُفسِّر قوله تعالى:
* «قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ – فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ»
قال: أي أول من غضب عن هذا وأَنِفَ.
إن «ابن فارس» كان يتحدث عن «عَبَد» بفتح الباء، فحوّلها «شحرور» إلى «عَبْد» بسكون الباء، وقام بتعميمها على السياق القرآني كله:
مع أن الجذر اللغوي للكلمتين واحد وهو «ع – ب – د»، والذي يحدد الفرق بين المعنيين هو سياق الجملة التي وردت فيها الكلمة.
٣- وأضرب مثالًا وحدًا لمصيبة هذه «المنهجية الهرمنيوطيقية» من سورة الكافرين الآية «٤» وقول الله تعالى:
* «وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ»
فيقول «محمد شحرور» عن معناها:
– «ولا أنا كافر بما أنتم كافرون به»
أي أن النبي لن يكفر بما يكفر به الكافرون في الحاضر.
والمعنى الصحيح للآية هو:
أن النبي لن يعبد ما عبده الكافرون، لا في الماضي ولا في المستقبل.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى