نحو إسلام الرسول

(1669) 2/1/2021 بلاغة «التقديم والتأخير» وحجية «علم السياق»

عند نتدبر آيات الذكر الحكيم، نجد أنه ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل في سياق الآية، فقد قدم الله تعالى «الكافر» على «المؤمن» في قوله تعالى «التغابن / ٢»:
* «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ – فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ – وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»
وإنما الضابط في هذه المسألة هو «علم السياق» الذي يكشف لنا حكمة التقديم والتأخير.
# أولًا:
إذا تدبرنا سياق سورة هود، التي تقدم فيها ذكر «هارون» على موسى، نجد أن «هارون» كان له دور كبير في تشجيع «موسى» على الذهاب إلى فرعون «طه / ٢٤»:
* «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى»
فماذا قال «موسى» لربه:
* «قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي – وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي – وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي – يَفْقَهُوا قَوْلِي»
ثم ماذا قال موسى بعد ذلك:
* «وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي»
ثم حدد موسى اسم الوزير بالاسم:
* «هَارُونَ أَخِي – اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي – وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»
فماذا قال الله تعالى لموسى «طه / ٣٦»:
* «قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى»
ثم شارك «هارون» موسى عليهما السلام في الذهاب إلى فرعون «طه / ٤٢-٤٧»:
* «اذْهَبْ أَنتَ (وَأَخُوكَ) بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي»
* «(اذْهَبَا) إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى»
* «(فَقُولاَ) لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى»
* «(قَالاَ) رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى»
* «قَالَ لاَ (تَخَافَا) إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى»
* «فَأْتِيَاهُ (فَقُولاَ) إِنَّا (رَسُولاَ) رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»
ثم وقف «هارون» مع أخيه «موسى» في مواجهة سحرة فرعون:
* «قَالُوا إِنْ هَذَانِ (لَسَاحِرَانِ) يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِـ (سِحْرِهِمَا) وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى»
ومن كلمة «بِسِحْرِهِمَا» نعلم أن «هارون» كان مع «موسى» على أرض التحدي، وكان سحرة فرعون يعلمون أنه رسول من رب العالمين: «فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ».
ولكن نلاحظ أنه بعد أن ألقى السحرة عِصِيهم، ظهر الخوف على «موسى» ولم يذكر السياق أن هذا الخوف ظهر على «هارون» أيضا، مع أنهما اجتمعا معا في كل المواقف السابقة، فقال الله تعالى «طه / ٦٧-٦٩»:
* «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى»
* «قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعْلَى»
* «وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا – إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ – وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى»
وبسبب الدور الفعّال الذي قام به «هارون»، بناء على طلب «موسى»:
* «هَارُونَ أَخِي – اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي – وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»
وبسبب ذكر خوف «موسى» دون «هارون»:
* «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى»
تقدم ذكر اسم «هارون» على «موسى» في دعاء سحرة فرعون «طه / ٧٠»:
* «قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى»
# ثانيًا:
فإذا ذهبنا إلى «سورة الشعراء»، وجدنا أنها تحكي قصة موسى من زاوية أخرى، تُظهر أن «موسى» وحده هو الذي كان يُقدم لـ «فرعون» الآيات الحسية، ثم بعد أن كان «الملأ» يقولون لـ فرعون «طه / ٦٣»:
* «قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَـ (سَاحِرَانِ)»
قال «فرعون» لهم «الشعراء / ٣٤»:
* «قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَـ (سَاحِرٌ) عَلِيمٌ»
يقصد «موسى» وحده.
وبعد أن كانوا يقولون «طه / ٦٣»:
* «يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بـ (ِسِحْرِهِمَا)»
قال «فرعون» لهم «الشعراء / ٣٥»:
* «يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِـ (سِحْرِهِ) فَمَاذَا تَأْمُرُونَ»
يقصد سحر «موسى» وحده.
فأصبح «موسى» هو المتصدر للمشهد أمام سحرة فرعون، ولذلك تقدم اسمه على هارون «الشعراء / ٤٥-٤٨»:
* «فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ»
* «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ»
* «قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ»
* «رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ»
# ثالثًا:
كيف يُنعم الله تعالى على الناس جميعًا، وعلى المسلمين خاصة، بنعمة «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة لهم اليوم، كما كانت «الآيات الحسية» معاصرة لأقوام الرسل السابقين:
ثم يُصرّ 99 % منهم على اتباع ما وجدوا عليه آباءهم «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»، ولا علاقة لهم، بل ولا يعلمون شيئا، عن الآية الإلهية التي لولاها ما دخل الناس في عصر التنزيل في دين الله أفواجا؟!
ثم يخلع 00.99 % ثوب «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً» ويلبسون ثوب «الإلحاد» من أجل هدم التراث الديني لـ 99 %، ولم يدخلوا في «دين الإسلام» من بابه الصحيح:
ويعيشون ويموتون على التخصص في نقد ونقض تراث وأمهات كتب الفرقة التي ولدوا فيها، وهم لا يعلمون شيئا عن الآية الإلهية التي لولاها ما دخل الناس في عصر التنزيل في دين الله أفواجا؟!
إن 99.99 % من المسلمين، كما يشهد واقعهم المعاصر للناس جميعا اليوم:
* لم يدخلوا أصلًا في «دين الإسلام»، وبالتالي:
– فما علاقتهم بكتاب الله الخاتم؟!
– وما علاقتهم بـ «الآية القرآنية العقلية» التي حملها كتاب الله الخاتم؟!
– وما علاقتهم أصلًا بـ «لغة القرآن العربية» وهم أعاجم؟!
أما الـ 00.01 % فهم الذين سجدت قلوبهم لله تعالى، وفاضت أعينهم من الدمع بعد أن عرفوا الحق، وأقروا بصدق «الآية القرآنية العقلية» فدخلوا في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، هؤلاء هم:
* «وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ»:
– «تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ»
– «يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ»
– «وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ»
– «وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ»
– «فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ»
– «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا»
– «وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ»
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى