– هل تعلم أن النفس، التي تفارق جسدك عند الموت، تحمل معها فجورك وتقواك؟!
“وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا” – “فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا”
– وهل تعلم، أن شرط دخول الجنة، أن تأتي ربك بنفس زكية؟!
“قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا” – “وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا”
– وهل تعلم أن تمكن (الشهوات) من النفس، يجعلها نفسا حيوانية، تجعل صاحبها عبدا لهواه، فيشرك بالله تعالى؟!
“أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً”
إنه عندما تتمكن الشهوات من النفس، لا ترى متعتها إلا في (المحرمات)، بل واستحداث أدوات وآليات جديدة لها، وهذا ما أصاب قوم لوط، فاستوجب عذاب الاستئصال: “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ”،.
لقد تمكنت الشهوات من قوم لوط، إلى حد جعلهم يبتكرون (فاحشة) جديدة لم يسبقهم فيها أحد من العالمين، ولم يعهدها عالم الحيوان: “إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ”!!
عندما تتمكن الشهوات من النفس، لا ترى حرجا في إتيان (الفواحش) في النادي، على مرأى ومسمع من الناس: “أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ” – “وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ”!!
لقد اعتدى قوم لوط على فطرتهم السليمة، وعلى آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر…، فأصبحوا لا يرون إلا الشهوة المحرمة، وأصبح التطهر يؤذي مشاعرهم: “أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”، بل ويتوعدون بإيذاء ناصحهم: “قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمُخْرَجِينَ”!!
لقد خرج قوم لوط، من دائرة مخالفة (أحكام الشريعة)، إلى دائرة (الشرك بالله)، فكان جزاؤهم عذاب الاستئصال…، لماذا؟! لأنهم أشركوا بالله تعالى، بترك نفوسهم للشهوات، حتى تحكمت فيها، ولم تعد قادرة على الالتزام بالشريعة الإلهية!!
لقد أسرفوا في الشهوات: “بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ” – وفسقوا عن دين الله: “إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ” – وجهلوا عاقبة أمرهم: “بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ” – وأفسدوا في الأرض: “قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ” – وظلموا أنفسهم: “إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ”!!
لذلك لم يكن غريبا أن يرسل الله تعالى رسولا (لوطا عليه السلام)، مهمته أن يأمر قومه، بتقوى الله، وتزكية النفس، والانتهاء عن هذه الفاحشة.
لقد جعل الله تعالى قصة لوط، آية قائمة بين الناس إلى يوم الدين: “وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ” – “وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”!!
فاحذر أن تتحكم فيك الشهوات (غير المحرمة)، لأن ذلك طريق إلى الشهوات (المحرمة)، والنفس الزكية لا تتمكن منها الشهوات المحرمة، ولا (غير المحرمة).
“زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ (مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ”