نحو إسلام الرسول

(1637) 6/12/2020 «فتنة الآبائية» والفرق بين «وَجَدْنَا – حَسْبُنَا – أَلْفَيْنَا»

إنني أخاطب بهذا المقال «أُوْلِي الألْبَابِ» الذين أشار الله إليهم في قوله تعالى «ص / ٢٩»:
* «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ»:
– «وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ»
وقوله تعالى «الزمر / ٩»:
* «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ – وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»:
– «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الألْبَابِ»
فتعالوا نتعرف على موضوع المقال من خلال هذه الآيات:
# أولًا:
لقد اتبع «الملياران مسلم»، وهم في بطون أمهاتهم، مذاهب آبائهم العقدية «السُنّية والشيعية والمعتزلية والإباضية»، ثم خرجوا فوجدوها في انتظارهم، وما تَفرّع عنها من مذاهب فقهية مختلفة:
يقول الله تعالى «لقمان / ٢٠-٢١»:
* «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ»:
* «سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ»
* «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»
* «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ»
* «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ»
* «قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا»
– ثم يبين الله بعد ذلك من الذي كان حريصًا على تواصل حلقات فتنة الآبائية المذهبية، وشرك التفرق في الدين، فقال تعالى:
* «أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ – يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ»؟!
ومع ذلك، فإننا نقرأ ونشاهد بأعيننا إلى يومنا هذا، كيف يُجادل أتباع كل فرقة الآخرين، دفاعًا عن مذهبهم العقدي، وهم كما وصفهم الله تعالى قبل الحديث عن «فتنة الآبائية» بقوله:
* «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ»:
١- «بِغَيْرِ عِلْمٍ»
٢- «وَلاَ هُدًى»
٣- «وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ»
# ثانيًا:
وكان من الطبيعي، بعد أن خرج الأبناء من بطون أمهاتهم فوجدوا أنهم يتبعون «مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهم» من مذاهب عقدية دون إرادة منهم واختيار، أن تشعر قلوبهم بانتمائها إلى مذهب الآباء الديني باعتباره الدين الحق الكافي الوافي:
فيقول الله تعالى «المائدة / ١٠٣-١٠٤»:
* «مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ»:
* «وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ»
* «وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ»
– ثم نتدبر ماذا قال الله بعد بيان أن أكثر الآباء «لاَ يَعْقِلُونَ»:
* «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ»:
– أي لـ «الَّذِينَ كَفَرُواْ»:
* «تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ»:
* «قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»
– ولأن قولهم «حَسْبُنَا» قام على جهل منهم وعدم الاهتداء إلى دين الله الحق، قال تعالى:
* «أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ – لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً – وَلاَ يَهْتَدُونَ»
# ثالثًا:
وبعد أن «أَلِفَت» قلوب الأبناء «منكرات» الآباء الدينية العقدية والفقهية، وأصبحت «معروفًا» يتمسكون به على أنه «دين الله الحق»، كان من الطبيعي أن يرفضوا ما أنزله الله تعالى على رسله:
فيقول الله تعالى مخاطبًا الناس جميعًا «البقرة / ١٦٨-١٧٠»:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»:
* «كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً»
* «وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»
* «إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء»
* «وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»
– ثم بعد تحذير الناس من «فتنة الآبائية»، ومن الانطلاق في اتباع الآباء من قاعدة الشيطان الإبليسية، قال الله تعالى:
* «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ»
* «قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»
والسؤال:
لماذا في هذا السياق الذي يخاطب الله فيه الناس جميعًا، محذرًا من اتباع خطوات الشيطان، استخدمت مادة «أَلِفَ»:
* «قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ – مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ – آبَاءَنَا»
١- إن كل شيء ضَمَمّتَ بعضَه إلى بعض فقد ألّفْتَه تأليفًا، وألِفْتُه يعني أحببته، من الأُلفة، وتَألَّفَ القوم إذا اجتمعوا وتحابوا، وألّفتُ بينهم تأليفًا:
يقول الله تعالى «الأنفال / ٦٣»:
* «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ»:
* «لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً – مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ»
* «وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
٢- والمؤلفة قلوبهم: الذين استمالت قلوبهم بالإحسان:
يقول الله تعالى «التوبة / ٦٠»:
* «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا – وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ»
٣- وفي سياق بيان دلائل الوحدانية في الآفاق:
ويقول الله تعالى «النور / ٤٣»:
* «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً – ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ – ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً»
٤- إذن فاستخدام كلمة «أَلْفَيْنَا» في هذا السياق «بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا» استخدام بلاغي يشير إلى ارتباط قلوب الأبناء بمذاهب الآباء العقدية والفقهية «ارتباط حب وتقديس» يصعب أو قد يكون من المستحيل فصل حلقاتها عن بعضها على مر العصور.
ولذلك خُتمت هذه الآية بشيء يُضاف إلى ما خُتمت به الآية السابقة وهو قول الله تعالى:
* «أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ – لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً – وَلاَ يَهْتَدُونَ»
فقال الله تعالى:
* «أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ – لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً – وَلاَ يَهْتَدُونَ»
لبيان أن السبب الرئيس وراء «فتنة الآبائية» هو عدم تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه … «آليات عمل القلب».
# رابعًا:
ولقد كان هذا السبب الرئيس:
«أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ – لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً – وَلاَ يَهْتَدُونَ»
وراء تمسك أتباع الفرق الإسلامية على مر العصور كلٌ بمذهبه العقدي «السني – الشيعي – المعتزلي – الإباضي» دون مراجعة ما كان عليه الآباء من «شرك التفرق في الدين» ودون تعقل:
بل ودون الاهتداء بهدي آية قرآنية قطعية الدلالة عن الله عز وجل، «الروم / ٣١-٣٢»، تحذر الآباء قبل الأبناء من «شرك التفرق في الدين».
وآية قرآنية قطعية الدلالة عن الله عز وجل، «الأنعام / ١٥٩»، تشهد بتبرؤ رسول الله «الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً».
والسبب:
* «قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ – مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ – آبَاءَنَا»
وخير شاهد على ذلك:
١- هو الواقع المذهبي «السني والشيعي والمعتزلي والإباضي» الذي يعيش بداخله ما يزيد عن ٩٩٪ من تعداد المسلمين.
٢- مقالات هذه الصفحة، التي إذا تحدثت «بوجه عام» عن وجوب الكفر بالفرق الإسلامية وبـ «شرك التفرق في الدين»، نجد أتباع هذه الفرق يُعجبون بموضوع هذه المقالات، والسبب:
أني لم أخص فرقة من الفرق بالذكر.
فإذا تعرضت إلى بيان الإشكاليات العقدية التي يعيش بداخلها أتباع فرقة من الفرق، وذكرت اسمها صراحة، نجد أتباع هذه الفرقة لا يُعجبون بهذه المقالات، والسبب:
(أ): «قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا»
(ب): «قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»
(ج): «قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»
# خامسًا:
فإذا ذهبنا إلى الـ «١٪» من تعداد المسلمين، نجد أن معظمهم كفروا بـ «التراث الديني» للفرقة التي ولدوا فيها، «فقط لا غير»، لأنهم لا يعلمون شيئًا عن غيره:
وهؤلاء يُسمّون أنفسهم بـ «التنويريّين»، ثم يصطدمون بالمؤسسات الدينية الرسمية التابعة للفرقة التي ولدوا فيها، ثم يُتهمون بـ «ازدراء الأديان»، ويُحبسون …، والسبب:
أن «ازدراء الدين» عند كل فرقة يخص المذهب العقدي والفقهي الذي حمله تراثها الديني، ولا يُسمح لأحد مسه بسوء:
وهؤلاء «التنويريّون» لا شغلة لهم غير الاستهزاء بالمناهج الدينية التي تدرسها المؤسسة الدينية المذهبية الرسمية لطلاب مدراسها ومعاهدها.
ثم يخرج أنصار وأحباء «التيار التنويري – المذهبي السني» يدافعون عن «المذهبية التنويرية» ويقولون:
* لن نسكت عن دين الحق «وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ» بإذن الله!!
* وأن «التيار التنويري – المذهبي السني» أكبر وأقوى من أن يخاف، ومع كل ضربة لأي من رموزه، يعود أقوى، وبشكل أوسع وأكثر دقة وإبداعا!!
ومنذ قرون مضت، و«التيارات التنويرية المذهبية» لم تتوقف عن مسيرتها، وكانت النتيجة التي شهدت بها كل العصور، ونشاهدها نحن اليوم بأعيننا، مزيدا من «الإلحاد» في آيات الله وما حملته من أحكام، وخاصة أحكام الشعائر التعبدية، كالصلاة.
وعلى هذه الصفحة، مئات المقالات القاصمة لظهور رموز «التنوير المذهبي الإلحادي»، بالبراهين القرآنية قطعية الدلالة عن الله عز وجل.
لقد ظنوا أن «هدم تراث الفرقة» التي ولدوا فيها، وساروا على مذهبها العقدي السلفي عقودا من الزمن قبل أن يُصابوا بـ «فيروس التنوير»، يجب أن يصاحبه «هدم أحكام القرآن»:
ظنًا منهم، كما ظن أئمة سلف فرقتهم، أن الذين جاؤوا بـ «القرآن» هم الذين جاؤوا بـ «مرويات السُنّة» التي حملها تراثهم الديني، فإذا هدمت «التراث» يجب أن تهدم معه «القرآن»!!
أما باقي الـ «١٪» فهؤلاء هم الذين عرفوا طريقهم إلى دين الله الحق، والذي يبدأ الدخول فيه من باب الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام.
والحمد لله أن الذين يُعجبون بمقالات هذه الصفحة، من هؤلاء القلة الذين عرفوا طريقهم إلى دين الله الحق، فماذا تفعل الصفحة بالآلاف الذين يتبعونها، سواء كانوا من الـ «٩٩٪»، أو من أكثرية الـ «١٪»؟!
* حدد موقفك … لأن هذا «دين الله» … الذي حرّم «التفرق في الدين» … وكل من مات على ملة مذهبه العقدي «السني – الشيعي – المعتزلي – الإباضي» ولم يتب قبل موته … مات مشركًا بالله:
استنادا إلى أكثر من نص قرآني «قطعي الدلالة»، سبق الحديث عنها في كثير من المقالات.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى