نحو إسلام الرسول

(1622) 23/11/2020 بدعة الإعجاز وفتنة الإفلاس و«واو الثمانية»

تأتي «واو العطف»، في السياق القرآني، لعلل بلاغية كثيرة، لا علاقة لها بمسألة إثبات «إعجاز القرآن» وأنه من عند الله:
ذلك أن كلمات القرآن كلها، لا تثبت أنها من عند الله، إلا بتفاعلها مع مُسَمّياتها ومدلولاتها «مقابلها الكوني» الموجودة خارج القرآن في الآفاق والأنفس، وليس داخل القرآن.
# أولًا:
لقد وجد من لا يعلمون أدوات التعامل مع القرآن، أن «واو العطف» قد ارتبطت في بعض الآيات بالعدد ثمانية، ودون أن يحصروا ورودها في السياق القرآني قالوا إنها «معجزة بلاغية» وسَمّوها معجزة «واو الثمانية»، ومن هذه الآيات:
١- قول الله تعالى «الكهف / ٢٢»:
* «سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ»:
* «وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ»
– فوجدوا أن «رَّابِعُهُمْ» لم تأت معطوفة على «ثَلاَثَةٌ»، وأن «سَادِسُهُمْ» لم تأت معطوفة على «خَمْسَةٌ»، ولكن عندما قال الله تعالى:
* «وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ – وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ»
عَطَفَ «َثَامِنُهُمْ» على «سَبْعَةٌ»، فسمّوا هذه الواو «واو الثمانية» باعتبار أنها وردت قبل عدد ثمانية.
ولقد جاءت «الواو» في كلمة «وَثَامِنُهُمْ» للفصل بين ما هو رجما بالغيب وما هو حقيقة، وتبين أن عدد أصحاب الكهف «سبعة» وكان «ثامنهم» كلبهم.
وبرهان ذلك، أنه بعد أن قال الله تعالى:
«سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ – وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ»
قال: «رَجْمًا بِالْغَيْبِ»، ثم استأنف الحديث عن العدد فقال تعالى ليفصل بين ما كان رجمًا بالغيب وما هو مُرجح بإثبات «الواو»:
«وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ – وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ»
٢- قول الله تعالى «الحاقة / ٧»:
* «سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ – وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ»
ولم ينتبهوا إلى أن إضافة «الواو» هنا «وَثَمَانِيَةَ» لا علاقة لها بـ «العدد» لأنها استكمال للمعنى مع أي عدد، فلو قال «ثلاث ليال» لأتبعها بـ «وأربعة أيام»، فليس فقط العدد «ثمانية».
٣- قول الله تعالى «التحريم / ٥»:
* «عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ – أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً – خَيْراً مِّنكُنَّ»
* «مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً»
وهنا نجد أن إضافة الواو إلى الصفة الثامنة لا علاقة لها بـ «العدد»، وإلا فأين نذهب بالصفة الأولى صفة الخيرية «خَيْراً مِّنكُنَّ» التي اشتقت منها باقي الصفات:
فـ «ثَيِّبَاتٍ – وَأَبْكَاراً» تعود إلى «سَائِحَاتٍ» تعود إلى «عَابِدَاتٍ» تعود إلى «تَائِبَاتٍ» تعود إلى «قَانِتَاتٍ» تعود إلى «مُّؤْمِنَاتٍ» تعود إلى «مُسْلِمَاتٍ» تعود إلى «خَيّرات».
والصحيح أن عطف «أَبْكَاراً» على «ثَيِّبَاتٍ» جاء للتمييز بينهما، لأنهما صفتان متناقضتان، فلا يصح أن يقال «ثَيِّبَاتٍ أَبْكَاراً» لأن الثيب غير البكر:
ومحال عقلاً أن تكون المرأة ثيبًا وبكرًا في وقت واحد، ولهذا فصل بينهما بـ «واو العطف» ولا علاقة لها بـ «واو الثمانية».
تماما كالفصل بين الذكورة والأنوثة بـ «واو العطف» في قول الله تعالى «الأحزاب / ٣٥»:
«إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ – وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ – وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ – وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ …»
٤- قول الله تعالى «التوبة / ١١٢»:
* «التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ – وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ»
– فلماذا وقفوا عند «الواو» التي في «وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ» وجعلوها «واو الثمانية»، ولم يقفوا عند الصفة التاسعة التي بعدها وهي «وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ» ولم يجعلوها «واو التسعة»؟!
– ثم إن هذه «الواو»، جاءت للفصل بين متقابلين:
«الأمر بالمعروف – النهي عن المنكر»
فلزم الربط بينهما لتلازمهما وكونهما فريضة تتعلق بالغير، وليست كالصفات الأخرى التي تتعلق بالمرء نفسه.
# ثانيًا:
وإن المتدبر للسياق القرآني يجد أن «واو الثمانية» ليست قاعدة عامة، ولا يصح القول بأنها «معجزة بيانية»:
١- فماذا نقول في قول الله تعالى «الحشر / ٢٣»:
* «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ – الْقُدُّوسُ – السَّلاَمُ – الْمُؤْمِنُ – الْمُهَيْمِنُ – الْعَزِيزُ – الْجَبَّارُ – الْمُتَكَبِّرُ – سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ»
فلم تضف «الواو» قبل الصفة الثامنة «الْمُتَكَبِّرُ».
٢- وقول الله تعالى «غافر / ٢-٣»:
* «تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ»:
* «الْعَزِيزِ – الْعَلِيمِ – غَافِرِ الذَّنبِ – وَقَابِلِ التَّوْبِ – شَدِيدِ الْعِقَابِ – ذِي الطَّوْلِ – لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ»
أضيفت «الواو» قبل الصفة الرابعة «قَابِلِ التَّوْبِ».
٣- وقول الله تعالى «الحديد / ٣»:
* «هُوَ الأوَّلُ – وَالآخر – وَالظَّاهِرُ – وَالْبَاطِنُ – وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»
أضيفت «الواو» اعتبارًا من الصفة الثانية.
٤- قول الله تعالى «الزمر / ٧٣»:
* «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ»
وإضافة «الواو» لكلمة «فُتِحَتْ» مسألة بلاغية لا علاقة لها بـ «العدد»، وإنما جاءت لبيان أن الجنة كانت مفتوحة مهيأة لاستقبال أهلها وقول خزنتها لهم:
«سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ – طِبْتُمْ – فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ»
٥- – قول الله تعالى «القلم / ١٠-١٣»:
«وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ»
لم يضف «الواو» في الصفة الثامنة، فلم يقل «وزَنِيمٍ».
# ثالثا:
والسؤال:
– كيف يفهم أهل القرآن «القرآن»:
– بغير لغة «القرآن» التي نزل بها:
– وبهجرهم «لسان النبي» الذي حمل لهم هذا «القرآن»:
– ليكون ميسر الفهم والدراسة:
* «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ»:
– «لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ»
– «وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً»؟!
والجواب:
١- أين هم «الْمُتَّقُون»، الذين أمر الله رسوله محمدًا أن يُبشرهم بـ «القرآن» الذي نزل بـ «لسانه العربي»، وأشار إليهم في قوله تعالى:
(أ): «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً»:
– «وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ»
– «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»
– «أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً»؟!
(ب): وفي قوله تعالى:
* «قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»
٢- أين هم «الْمُتَّقُون – العلماء» الذين يعلمون علوم اللغة العربية وأساليبها البيانية التي خاطب الله بها قوم رسوله محمد فقال تعالى:
* «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ – قُرْآناً عَرَبِيّاً – لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»؟!
٣- أين «خير أمة أخرجت للناس»؟!
* «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»:
التي فرض الله تعالى عليها «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» قبل «الإيمان» به عز وجل:
(أ): «تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»
(ب): «وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ»؟!
٤- أين «خَيْرَ أُمَّةٍ» نشرت «لغة القرآن العربية» على مستوى العالم أجمع، لأنها تعلم معنى قول الله تعالى:
* «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ»:
(أ): أُمَّ الْقُرَى.
(ب): «وَمَنْ حَوْلَهَا»
ثم نأتي إلى الحجة والبرهان على أن ٩٩٪ من المسلمين سيدخلون جهنم من أوسع أبوابها، وهي قول الله تعالى:
* «وَتُنذِرَ (يَوْمَ الْجَمْعِ) لاَ رَيْبَ فِيهِ»:
– «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ – وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»؟!
فما علاقة رسول الله محمد بـ «إنذار يوم الجمع – يوم القيامة»، أي إنذار الناس جميعًا بعد بعثته، باعتبار رسالته رسالة عالمية؟!
ولقد سبق بيان ذلك في مقالات سابقة.
# رابعًا:
كلما تذكرت تعليقات أتباع التوجهات السلفية، «سنة وشيعة ومعتزلة وإباضية»، وأتباع التوجهات القرآنية والإلحادية والتنويرية …، وكيف يهربون من الحوار العلمي:
وكلما تذكرت هذه التعليقات وأنا أكتب مقالات هذه الصفحة منذ إنشائها، تزداد قناعتي يوما بعد يوم، بفعالية قول الله تعالى في هذا العصر:
* «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ»:
– «ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا»
# وما الفرق بين «الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ» و«الَّذِينَ حُمِّلُوا الْقُرْآنَ»؟!
– «كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً»
– «بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ»
– «وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
نعم: «وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
وتابعوا التعليقات على المقالات بداية بمقال «٢٠/ ١١/ ٢٠٢٠»:
«يسألون عن دورت (داود بوسنان) لتدبر القرآن»
وأنتم تعلمون حجم المأساة العقدية التي يعيش بداخلها ٩٩٪ من المسلمين، بالنظر إلى نسبة المعجبين بهذه المقالات إلى عدد المتابعين لصفحة «نحو إسلام الرسول» ولحساب «محمد مشتهري».
طبعا مأساة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات قرآنية، ولغوية، وعقلية، ومنطقية.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى