يقوم مشروعي الفكري، على الإيمان، بأن الكتاب الذي أنزله الله على خاتم النبيين محمد، هو (الآية) المعاصرة للناس إلى يوم الدين، و(البرهان) الوحيد الذي يملكه المسلمون، على (نبوة) محمد، وصدق بلاغه عن الله، وهذا ما جعلني أقيم إسلامي، على أساس التعامل مع هذا (الكتاب)، باعتباره (الآية الإلهية) المعاصرة لي اليوم [وليس الأمس]، والمطلوب تفعيلها، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور.
إنني لست ضد (القراءة المعاصرة للقرآن)، فمشروعي الفكري يقوم أساسا على هذه القراءة، ولكن تفعيله (عمليا) يحتاج إلى فريق عمل، من كافة التخصصات العلمية…، وللأسف الشديد لم أجد حتى الآن قراءة قرآنية معاصرة، تظهر عطاء (الآية القرآنية)، مع المحافظة على بنية (الكلمة القرآنية)، وإحكام (الجملة القرآنية)!!
ومن أمثلة التخبط في هذه القراءات، التفرقة العشوائية بين (الكتاب) و(القرآن)، فيقولون: (الكتاب هدًى للمتقين، أما القرآن فهدًى للناس)!!
ولا شك أن الذين يقولون بهذا، هم من التابعين، المقلدين (بغير علم)، الذين قلت عنهم، في المنشور السابق: “إن أصحاب هذه القراءات المعاصرة قد ضلوا طريقهم إلى القراءة الصحيحة…، والضحية هم التابعون”.
لذلك لزم البيان، فأقول: الكتاب والقرآن (مجتمعين أو منفردين) هدى للمتقين وللناس، وليس في ذلك (ترادف) كما قد يتصور (الجهلة) بقواعد اللسان العربي، فهناك ما يُعرف بـ (عطف الصفات)، عطف إحدى صفتين على أخرى، و(عطف البيان) وهو كثير في كلام العرب. وسأضرب مثالا واحدا على ذلك.
يقول الله تعالى في سورة الحجر: “الر تِلْكَ آيَاتُ (الْكِتَابِ) و(قُرْآنٍ) مُبِينٍ” – “رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ”.
ويقول تعالى في سورة النمل: “طس تِلْكَ آيَاتُ (الْقُرْآنِ) و(كِتَابٍ) مُبِينٍ” – “هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ”.
نفهم من ذلك: أن (آيَاتُ الْكِتَابِ) هي نفسها (آيَاتُ الْقُرْآنِ) – و(قُرْآنٍ مُبِينٍ) هو نفسه (كِتَابٍ مُبِينٍ)، ولكن هل هناك فرق بين الآيتين؟!
أولا: (قُرْآنٍ مُبِينٍ) في آية سورة الحجر، جاءت بمنزلة عطف البيان من (الكتاب).
و(كِتَابٍ مُبِينٍ) في آية سورة النمل جاءت بمنزلة عطف البيان من (القرآن).
ثانيا: لماذا قدم (الكتاب) في سورة الحجر، وقدم (القرآن) في سورة النمل؟!
في آية سورة الحجر تحدث السياق عن (الكافرين): “رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ”، والكافرون أصلا معرضون عن الإسلام، معزولون عن قراءة القرآن، وعن تدبره، لذلك قدم الاسم الأعم (الكتاب) لأنه الاسم المتداول بين الأمم!!
أما آية سورة النمل فجاءت في سياق الحديث عن (المؤمنين): “هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ”، فقدم (القرآن) للتنويه إلى أن هذا (الكتاب المبين) إنما (يقرأه) و(يدرسه) و(يتدبره) (المؤمنون) به، وهذا ما أفاده إدخال (الـ) التعريف على (قرآن)، وعطف (كتاب مبين) عليه، للإشارة إلى كمال صفاته.
ثالثا: النتيجة، هي أن (القرآن) هدى وبشرى، لـ (المؤمنين) – (المتقين)…، والقول بأن (الكتاب) هدى لـ (المتقين)، أما الـ (القرآن) فهدى لـ (الناس)…، جهل بالكتاب، وبالقرآن!!
رابعا: أما عن باقي افتراءات هؤلاء على القرآن، وما تحمله من غياب لآليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر…، فأعتذر لأصدقاء الصفحة عن الرد عليها، لضيق الوقت، وقد يكون ذلك لاحقا.
“أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً”
“أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”