نحو إسلام الرسول

(1591) 30/10/2020 يُصلّون على «النبي» ويسفكون الدماء بغير حق باسم «السنة النبوية»

هل رأيتم أمة تُحب رسولها أكثر من حبها لله الذي أرسله، فإذا ذُكر الله لم تتحرك في جسدها شعرة، وإذا ذُكر رسوله محمد تحرك جسدها كله، ونطق لسانها تلقائيًا بـ «صلى الله عليه وسلم» دون وعي ولا تفكير في المعنى؟!
# أولًا:
أصل هذه البدعة ممتد إلى الأمم السابقة، فقد كان الارتباط بشخص
الرسول أكثر من الارتباط برسالته، فنزل القرآن يُحذر صحابة رسول الله من الارتباط بشخصه دون رسالته، فقال تعالى:
* «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ»:
– «أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»
– «وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً»
– «وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ»
ومع هذا التحذير الخطير من الانقلاب على الأعقاب، انقلب صحابة رسول الله، وسُفكوا دماء بعضهم بعضا في أحداث الفتن الكبرى، الأمر الذي يُخرجهم من ملة الإسلام بنص قرآني قطعي الدلالة «النساء / ٩٣»:
* «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»
وللخروج من هذه الأزمة العقدية الخطيرة، جاؤوا بدليلين لإثبات أنهم مازالوا «مؤمنين» على ملة الإسلام، رغم أنف الآية:
١- دليل الآية:
وهو قول الله تعالى:
* «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»:
– «فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى»
– «فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»
قالوا: إن الله أثبت «الإيمان» للطائفتين مع سفك دماء بعضهم بعضا!!
ولأنها «وساوس إبليسية» لم يلاحظوا أن سياق الآية يتحدث عن ثلاث طوائف وليس عن طائفتين، لأن الطائفة الثالثة هي «الدولة» التي خاطبها الله بهذه الآية وأمرها أن تفصل بين الطائفتين المتقاتلتين، فتدبر:
* «فَقَاتِلُوا – (الَّتِي تَبْغِي) – حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»
إذن فالاستدلال بهذه «الآية» باطل من أساسه.
٢- دليل الرواية:
وما أكثر الروايات التي تحدثت عن فضل الصلاة عن النبي، بصورة تجعل المسلم الذي خرج من دين الإسلام يستطيع أن يدخله بـ «الصلاة على النبي» فقط لا غير، وكلها لا تصح بشهادة علماء الجرح والتعديل أنفسهم!!
إلا أن المحدثين لهم مقاييس أخرى في تصحيح الروايات التي على هواهم، وتضعيف الروايات التي ليست على هواهم، حتى لو كانت في أصح كتب الحديث.
ومن هذه الروايات أن النبيَّ محمدًا حيٌ يرد الصلاة والسلام على من يصلي ويُسلّم عليه، وبناء عليه تصبح صلاة وسلام النبي على المسلمين الذين يُصلّون ويُسلّمون عليه، شهادة بأنهم «مؤمنون»، وإن فعلوا الفواحش كلها:
وهل هناك فاحشة أكبر من سفك الدماء بغير حق، بين جيش زوج النبي السيدة عائشة، وجيش ابن عم النبي خليفة المسلمين عليّ بن أبي طالب، الذي يحرم الخروج عليه حسب فتاوى أئمة السلف؟!
إذن فالاستدلال بهذه «الرواية» باطل من أساسه.
والسؤال:
فماذا لو أن مسلسل سفك الدماء بغير حق، استمر إلى يومنا هذا، استنادًا إلى ما يُسمى بالمصدر الثاني للتشريع، الذي يقوم على مرويات «السنة النبوية» المذهبية؟!
والجواب:
إن كل مسلم ينتمي إلى فرقة من الفرق الإسلامية، لم يكفر بالفرقة التي تَشَرَّب قلبه تراثها الديني وهو في بطن أمه، ولم يُبَلِّغ أقاربه ومعارفه بأنه تبرأ من المذهبية ومن «شرك التفرق في الدين»:
فإنه سيموت منافقًا مشركًا كافرًا بالله وبرسوله محمد، وإن صلى عليه وسلم مع كل شهيق وزفير.
# ثانيًا:
* «يرجع موقفي من عقوبة الرجم إلى عام ١٩٧٢م، وقت أن كنت داعياً سلفيًا، أحمل لطلاب الكليات والمعاهد العليا ثقافة التكفير والتخاصم المذهبي، وأفتي في مسائل الحلال والحرام على أنها أحكام الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت عن الله تعالى، وكان لي درس يوم الجمعة بمسجد الجمعية الشرعية الرئيسية بشارع الجلاء، رمسيس، القاهرة»
كانت هذه الفقرة السابقة، مقدمة لمقال كتبته في صحيفة «المقال» بتاريخ «٣٠/ ٦ / ٢٠١٥م»، ونشرته على الصفحة بعنوان:
«عندما يكون الرجم شريعة يهودية، لبست ثوب السنة النبوية»
ومما جاء في هذا المقال:
١- في عام ١٩٧٢م، وأثناء انعقاد ندوة التشريع الإسلامي المنعقدة بمدينة «البيضاء – ليبيا»، خرج «الشيخ محمد أبو زهرة» على الحضور قائلا:
إن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نُسخت بعقوبة الجلد، بعد نزول سورة النور..، وأنه كتم هذا الرأي في نفسه «عشرين سنة»، وآن له أن يبوح به قبل أن يلقى الله ويسأله:
لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟!
٢- كنت أرى، كما يرى أتباع الفرق الإسلامية، أن منكر «الرجم» كافر، فكانت المفاجأة:
كيف يُنكر العالم الكبير «الشيخ محمد أبو زهرة» عقوبة الرجم، وفي مؤتمر إسلامي عالمي؟!
٣- لقد كان هذا الموقف من المواقف الكثيرة التي جعلتني أفكر جديًا في إعادة النظر في تديني المذهبي، وكان هذا قبل ظهور شيوخ الإلحاد وغلمان التنوير بعقود من الزمن.
إلّا أن عمل والدي كمدير عام للوعظ بالأزهر وإمام أهل السُنّة، ورئيس عام الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بـ «الكتاب والسنة»:
جعلني أتعامل مع الأزمة بشيء من الحكمة، وأقوم أولًا بدراسة علمية منهجية للوقوف على حقيقة هذه «السنة النبوية المذهبية» التي كدنا أن نعبدها من دون الله، لعلي أستطيع إقناع والدي بما سأتوصل إليه من نتائج هذه الدراسة.
ومن الذين كانوا يتابعون هذه الأزمة عن بعد، الصحفي الأستاذ «سليم عزوز»، الذي سجل شهادته على موقع «أهل القرآن»، ومما قال فيها:
«وكان معنا عالم آخر هو الدكتور محمد السعيد مشتهري، ابن إمام أهل السنة الشيخ عبد اللطيف مشتهري، الذي كان مع صبحي منصور علي الخط، لكنه كان يتقدم خطوة ويتأخر أخرى احترامًا لموقع والده الديني … تناولنا إفطارنا، فقد كانا صائمين أيضا، وصلينا المغرب جماعة، وأَمَّنَا الدكتور مشتهري».
# ثالثًا:
لقد كان المحور الأساس الذي دارت حوله دراستي لـ «السنة النبوية المذهبية» التي إن صحت مروياتها عند فرقة لا تصح عند أخرى، هو:
* كيف يقول الله «اجلدوا» ويقول رسوله محمد «ارجموا»؟!
كيف تأتي عقوبة «الجلد» في قرآن قطعي الثبوت عن الله، وتأتي عقوبة «القتل» في روايات غير قطعية الثبوت لا عن النبي ولا حتى عن المحدثين، وذلك بشهادة علماء «الجرح والتعديل» أنفسهم؟!
١- لقد تحدث القرآن عن فعل «الزنا» بوجه عام، ولم يُفرّق بين محصنة وغير محصنة، ولا بين محصن وغير محصن، فقال الله تعالى:
* «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي»:
– «فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»
٢- يُشترط ألّا يتعدى الجلد حدود «العذاب»، فإذا قُتل المجلود اقتص من الجلّاد، فقال الله تعالى مبيّنا أنه عذابٌ وليس قتلًا:
* «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»
٣- إذا ذهبنا إلى سورة النساء، وجدنا أن عقوبة الأمة «المتزوجة» الزانية نصف عقوبة الحرة، فقال الله تعالى:
* «فَإِذَا أُحْصِنَّ – فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ – فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ»
وهذه الآية هي القرينة قطعية الدلالة على أن من قال إن «عقوبة الرجم» من «دين الإسلام» فقد افترى على الله الكذب، وفي جهنم خالدا فيها، وبرهان ذلك:
أن الآية لم تذكر أن عقوبة الأمة «خمسون جلدة»، وإنما ذكرت أن العقوبة «نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ»:
إذن، علينا أن نبحث في القرآن عن هذا العذاب المتعلق بعقوبة الزنى لنحدد نصفه، فإذا بنا نجده في سورة النور:
* «فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ – وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»
٤- ولمزيد بيان يُرجع إلى الروابط التالية:
(أ): الرابط الخاص بالمقال:
(ب): الرابط الخاص بموضوع المؤتمر:
(ج): الرابط الخاص بشهادة الأستاذ سليم عزوز:
* وأقول:
إنني ناصح أمين، تدبرت القرآن أربعة عقود، وحاورت وناقشت إشكاليات مرويات «السنة النبوية» المذهبية مع علماء من الفرق الإسلامية المختلفة، ولم أجد دليلًا واحدًا في القرآن يُخرج أتباع هذه الفرق «٩٩٪ من المسلمين» من نار جهنم.
فالقضية أخطر والأزمة أعمق من أن يتعامل معها المتابعون لصفحة «نحو إسلام الرسول» ولحساب «محمد مشتهري» بهذه اللامبالاة وكأنها لا تخصهم.
إلا إذا كانوا يعتبرون ما يُنشر من مقالات مبالغًا فيه وليس ما هو كائن، باعتبار أن المسلمين يشهدون الشهادتين، ويقيمون الشعائر، ويعملون الصالحات، كلٌ حسب ما وجد عليه آباءه وخرج من بطن أمه يحمله.
هنا أقول:
«مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ – وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى