نحو إسلام الرسول

(1557) 3/10/2020 «فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ»

إن من مقتضيات الإيمان بفريضة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أن يكون المسلم على دراية بأحوال المسلمين وتصرفاتهم، وإلا فكيف يقوم بتفعيل هذه الفريضة التي قدمها الله على الإيمان به، فقال تعالى:
* «تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ – وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ»
وهو يعطي ظهره لمنكرات المسلمين، ولا يجرؤ أن يأمرهم بالمعروف لإيمانه بالنظرية الشيطانية «خليك في حالك»، و«لا تشغل بالك بغيرك»، ويكفيه أن يصعد منبر الجمعة ويُحدث الناس عن قال الله وقال الرسول، أو يستخدم وسائل الإعلام والفيديوهات في نشر توجهه الديني.
عندما نرى ملايين المسلمين «يُعجبون» بفنان أو فنانة، أو بموسيقار عالمي، أو بلاعب كرة، أو بالداعية الأشهر في العالم «ذاكر نايك» السُنّي الهندي، أو بنجم من نجوم الدعوة السلفية أو التنويرية الإلحادية … وقد نكون نحن وأولادنا منهم.
فإن السؤال الذي يفرض نفسه:
هل فكرنا يوما، من منطلق فريضة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، على أي أساس يحدث «الإعجاب» الذي مصدره المشاعر القلبية؟!
وهل مشاعر «المؤمن»، التي تنطلق من قلب أسلم وجهه لله، ودخل «دين الإسلام» من بابه الصحيح، وألزم نفسه بأحكام القرآن، تتساوى مع مشاعر «المسلم» الذي وُلد وعاش ومات على ملة آبائه الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً؟!
# أولًا:
إن أخطر قضية على ملة «الوحدانية» وعلى مصير الإنسان في الآخرة، ألا يعلم المسلمون على أي أساس يُوجّهون مشاعرهم القلبية للإعجاب بشيء، وفي مقدمة ذلك الإعجاب بنسائهم وأولادهم، وهل قام هذا الإعجاب على أساس أيماني أم هوائي؟!
لذلك كان من الصعب على المسلمين أن يفهموا، أن الذين وقعوا منهم فريسة الإلحاد في الآيات القرآنية وأحكامها، وقعوا لأنهم كانوا يجهلون «اللغة العربية» التي نزلت بها الآيات وهي المفتاح الوحيد لـ «تقوى الله» والتزام العمل بـ «أحكام القرآن».
وقعوا فريسة الإلحاد في «مدلولات» كلمات قول الله تعالى في وصف نعيم الجنتين:
* «فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ»
بدعوى أن العطف هنا يفيد المغايرة، أي أن عطف «البلح والرمان» على «الفاكهة» يعني أنهما ليسا منها.
وأصحاب هذا «الخبل العقلي» و«العك الديني» يجهلون مسألة يتعلمها طالب الإعدادية في درس اللغة العربية تُعرف بـ «عطف الخاص على العام».
١- فعندما يقول الله تعالى:
* «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ»
فهل هذا العطف يقتضي المغايرة، أي أن الذين «عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» غير «الَّذِينَ آمَنُوا»؟!
طبعا يستحيل أن يقتضي هذا العطف المغايرة، ذلك أن العمل الصالح في «دين الإسلام»، لا ينطلق إلا من قاعدة الإقرار بـ «أصول الإيمان الخمسة»:
الإيمان: «بِاللّهِ – وَمَلاَئِكَتِهِ – وَكُتُبِهِ – وَرُسُلِهِ – وَالْيَوْمِ الآخِرِ»
ولذلك فإن الذي لا يؤمن برسول الله محمد، عليه السلام، ويتبع رسالته، لن يقبل الله منه عمله الصالح الذي تنتهي فعاليته بانتهاء الدنيا، ولن يجد له ثمرة واحدة في الآخرة.
٢- وعندما يقول الله تعالى:
* «مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ – وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ – فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ»
فعطف «جِبْرِيل وَمِيكَال» على «الملائكة» لا يعني أنهما ليسا من «الملائكة»، وإنما خُصا بالذكر لبيان فضلهما.
٣- وعندما يقول الله تعالى:
* «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى»
فـ «الصَّلَاةِ الْوُسْطَى» جزء من كل، والكل هو «الصَّلَوَاتِ»، وخُصّت الوسطى بالذكر للتأكيد على أهميتها.
(أ): لقد جاءت «الصَّلَوَاتِ» معرفة بـ «ألـ» التعريف لبيان أن المخاطبين كانوا يعلمون ما هي هذه «الصَّلَوَات» وكيف يحافظون عليها، في الوقت الذي لم يبيّنها القرآن ولم يُفصّلها.
فمن أي مصدر معرفي عَرَفَ رسول الله والذين آمنوا معه هذه الصلوات وكيفية أدائها، علما بأن أقل الجمع في لسان العرب ثلاثة؟!
(ب): لقد جاء الأمر بالمحافظة على «الصَّلاةِ الْوُسْطَى» معطوفًا على الأمر بالمحافظة «عَلَى الصَّلَوَاتِ»، ولا شك أن رسول الله محمد والذين آمنوا معه صلّوا هذه «الصَّلَوَات» وفيها «الصَّلاة الْوُسْطَى».
(ج): إذا كان عدد الصلوات المفروضة صلاتان أو ثلاث، فلماذا لم يقل الله تعالى «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَاتِين وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى»؟!
لأن الله تعالى يعلم أن عدد «الصَّلَوَاتِ» المفروضة «أكثر» من «ثلاث» صلوات تقع «الصَّلاة الْوُسْطَى» بينها.
ولما كانت الأربع صلوات ليس لها صلاة وسطى، كان عدد الصلوات المفروضة «خمس»، تتوسطها «الصَّلاة الْوُسْطَى»، دون معرفة مواقيت كل صلاة، حيث لم تأت هذه الآية لتحديدها.
# ثانيًا:
إن كل شيء ورد في القرآن عن عالم الغيب، وعن الجنة ونعيمها، جاء من باب ضرب المثل وعلى سبيل المجاز، وحقيقته غير ذلك تماما، فالله تعالى خلق الإنسان بحواس لإدراك عالم الشهادة فقط لا لإدراك عالم الغيب.
لذلك كان الإيمان بالغيب أصلًا من أصول الإيمان، بل وصفة أساس من صفات المتقين:
* «ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ – الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»
وهذا الإيمان بالغيب هو أهم القرائن الدالة على أن الحديث عن الجنة ونعيمها جاء من باب ضرب المثل وليس على سبيل الحقيقة، فتدبر:
* «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ»
فضرب الله المثل بالفاكهة التي يعرفها الناس في الدنيا، ومنها الأرضية، كالشمام والبطيخ، ومنها الشجرية، كالعنب والرمان والبلح العادي والرطب.
لقد خاطب الله الناس بما يعرفونه من فاكهة ويعلمون فوائدها، لا على أنهم سيجدونها كما عرفوها في الدنيا، كما ظن من يردّدون هذه الشبهة الإلحادية، بأن «البلح والرمان» ليسا من الفاكهة!!
١- لذلك علينا أن نقف كثيرًا عند كلمة «الْمُتَّقُونَ»، لأن هذه الصفة يندر وجودها في «المليارين مسلم»، وإلا ما قبلوا أن يتفرقوا في «دين الله» ولا أن يتبعوا الملحدين، ولا أن يهجروا لغة القرآن العربية.
وألا ننسى أبدًا قول الله تعالى لرسوله محمد، عليه السلام:
* «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ – لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ – وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً»
وأن هذا اللسان العربي هو المفتاح الوحيد لباب «التقوى» الموصل للإلتزام بـ «أحكام القرآن»، لذلك نجد أن كل المُنحلّين الذين لا يلتزمون بأحكام القرآن، لا يعلمون شيئًا عن لغة القرآن العربية.
– «فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ»
– «وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ»
– «وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ»
– «وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى»
– «وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ»
أليست جملة «مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ» تعني كل ما ورد في القرآن عن فاكهة أهل الجنة، ومنها: «نَخْلٌ وَرُمَّانٌ»؟!
– «وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ»
– «كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ»
– «وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ»؟!
٢- لماذا ذكر السياق شجرة «النخل» ولم يذكر فاكهتها التي هي «الرطب»، كما قال الله تعالى لمريم عليها السلام:
* «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً»
وذكر فاكهة «الرُمَّان» ولم يذكر شجرتها، فقال تعالى:
* «فِيهِمَا فَاكِهَةٌ – وَنَخْلٌ – وَرُمَّانٌ»؟!
والجواب سهل لمن يعلم الأجزاء التي يُستفاد بها من شجرة «النخل» التي تستخدم في صنع أشياء لخدمة الإنسان، كالورق والألياف والجُذُوع.
هذا بالإضافة إلى ما يتمتع به «التمر» من فوائد طبية وصحية كثيرة يعلمها أهل الاختصاص …، وشجر «الرُمَّان» ليس كذلك.
٣- وما الفرق بين الجنة الواحدة التي وُعد بها المتقون:
* «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ»
والجنتين اللتين أعدتا لمن خاف مقام ربه:
* «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»
والجنات الكثيرة والعيون التي أعدت أيضًا للمتقين:
* «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ»
لا شك أن في «الْجَنَّةِ» المذكورة في القرآن، «الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ»، جنات وجنات تتصف بصفات حسب درجات ومقامات أهلها، كما هي مبيّنة في السياق القرآني.
* والخلاصة:
هي ما قلته وأقوله:
إن أسوء وأتفه وأرخص بضاعة في سوق «الجهل» هي بضاعة الملحدين.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى