نحو إسلام الرسول

(155) 30/3/2014 (التوظيف البلاغي للكلمة القرآنية)

مسألة الفروق بين الكلمات القرآنية لها أكثر من تناول، منه ما يتعلق بقواعد اللسان العربي، ومنه ما يتعلق بالتوظيف البلاغي لمادة الكلمة في سياقها القرآني…، إلى آخره.
وسأعطي مثالا على التوظيف البلاغي لمادة الكلمة، ببيان كيف وُظّفت كلمة (نبي)، في بيان الفرق بين كلمتي (النبيين) و(الأنبياء).
أولا: كلمة (نبي) تعني المُنْبَأ من الله، أو المُنْبِئ عن الله، وتجمع فنقول (أنبياء) و(نبيون)، فمن حيث مادة الكلمتين لا فرق بينهما، فلا يجب أن يغيب عنا، ونحن ننظر إلى هذا “الجمع”، أن أصله هو (النبوة)، أي (الوحي الإلهي)، الذي هو في دائرة (المقدس).
ثانيا: يقول الله تعالى: “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ (النَّبِيِّينَ) مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ (وَأَنزَلَ) مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ) بَغْياً بَيْنَهُمْ…” [البقرة 213]
نفهم من قوله تعالى: “مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ”، أن [البينات] هي الآيات الدالة على صدق “النبوة”، وكانت تأتي (النبيين) قبل إنزال الكتب.
ويؤكد ذلك قوله تعالى: “قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا (أُنزِلَ) إِلَيْنَا وَمَا (أُنزِلَ) إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا (أُوتِيَ) مُوسَى وَعِيسَى وَمَا (أُوتِيَ النَّبِيُّونَ) مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” [البقرة 136]
فقوله تعالى: “وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ” يفيد (العموم)، فهم يحملون للناس [البينات]، و[الكتب]. وليس في قوله تعالى قبلها “وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى” تكرار، لأن التكرار له حكمة، وهو من أساليب البلاغة في القرآن الحكيم.
ثالثا: يقول الله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا (نِعْمَةَ) اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ (أَنْبِيَاءَ)” [المائدة20]
هنا استخدم السياق كلمة (أنبياء) ولم يستخدم موسى كلمة (نبيين)، وذلك لأنه يُذكر قومه بنعم الله عليهم، وعلى رأس هذه النعم، نعمة (النبوة)، فاستخدم (أنبياء) لأنها صيغة الجمع الدالة على هذه النعمة، نعمة “الوحي الإلهي”.
رابعا: وفي ضوء ما سبق بيانه نستطيع أن نفهم الآيات التالية:
1- “ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ (النَّبِيِّينَ) بِغَيْرِ الْحَقِّ” [البقرة 61]
2- “ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ (الأَنبِيَاءَ) بِغَيْرِ حَقٍّ” [آل عمران 112]
ـــ سياق الآية الأولى، يخاطب (بني إسرائيل)، يُذكر أبناءهم المعاصرين للنبي محمد، بما فعله آباؤهم من جرائم، وعلى رأسها جريمة قتل (النبيين)، حملة [الكتب] و[البينات].
ـــ سياق الآية الثانية، يخاطب (المؤمنين)، يُبيّن لهم حقيقة اليهود، وأن ما فعلوه مع (أنبيائهم) جريمة كبرى، لأنها في حق (النبوة)، أي في حق (الوحي الإلهي) فاستخدم كلمة (أنبياء).
إذن فكلمة (النبيون) تستخدم عند إرادة بيان فاعليتهم على أرض الواقع، حاملين معهم الكتب المنزلة، والبينات [والبينات وحي إلهي غير مَتلُوٍّ ولا مكتوب]، فهي كلمة جامعة شاملة.
أما كلمة (أنبياء) فتستخدم عند إرادة بيان قدسية العلاقة التي تربط (النبيين) بالله تعالى، وهي قدسية (الوحي الإلهي).

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى