نحو إسلام الرسول

(1548) 26/9/2020 «فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ – وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»

إن المحور الأساس الذي يدور حوله سياق الآيتين «التوبة / ١١١-١١٢» هو أن تكون حياة المؤمن كلها لله تعالى:
* «قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ – لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»
والبرهان العملي على ذلك أن يبيع المؤمن أغلى ما يملك لله تعالى:
* «إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ»
وهل يملك الإنسان أغلى من نفسه:
* «يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ»
والسؤال:
كيف يشتري الله تعالى أنفسًا وأموالًا هو أصلًا مالكها؟!
* «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ»:
– «تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء»
– «وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء»
– «بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ …»
– «… وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ»
إن كل ما في هذا الوجود ملك لله تعالى، فإذا بعت نفسك ومالك لله فأنت تبيع أصلًا ما لا تملكه، ومع ذلك يعطيك الله «الجنة» مقابل هذا البيع.
وإذا كان بيع النفس لله يُعتبر من فروض الكفاية، أي يكفي أن يقاتل في سبيل الله طائفة من المؤمنين، فكيف تبيع أنت شخصيًا مالك لله؟!
تعالوا نبيّن ذلك بمثال:
إذا كان دخلك الشهري «١٠٠٠ج» فأولًا هذا مال الله وأنت مستخلف فيه، فإذا قمت بتزكية هذا المال وأخرجت «الصدقة» فذلك لأن الله تعالى مالك هذا المال هو الذي أمرك بذلك، فتدبر:
* «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»:
– «وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ»
– «فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ»
وليس معنى أنك زَكّيْت الـ «١٠٠٠ج» بـ «الصدقة»، ولتكن «٣٠ج»، أنك أصبحت حرًا في مال الله الذي هو «٩٧٠ج» تنفقه كيف تشاء، بل يجب أن يكون هذا الإنفاق ابتغاء مرضاة الله، وهذه أهم شيء يغفل عنه المسلمون.
فهل يتحرى المسلمون الدقة عند استثمار أموالهم، وألا يكون هذا الاستثمار ضمن منظومة أكل أموال الناس بالباطل، وأنا هنا لا أتحدث عن التعامل مع البنوك وشبهة «الربا».
ذلك أن البنوك الاستثمارية لا علاقة لها بـ «الربا» الوارد ذكره في القرآن، وإنما منها ما يأكل أموال الناس بالباطل، لذلك يجب معرفة طبيعة ومجالات استثمار أموال هذه البنوك.
وماذا عن رجال الأعمال المسلمين الذين يملكون القصور والسيارات بملايين الملايين، وعن كيف يقيمون أفراحهم وأفراح أولادهم، ومع ذلك يُصلّون ويُزكّون ويحجون ويعتمرون … لا لشيء إلا للمحافظة على الهوية الإسلامية، ولم يدخل «الإيمان» قلوبهم.
ثم ماذا عما ينفقه المسلمون في «التدخين» المُحرّم بنص قرآني، هل هو ابتغاء مرضاة الله؟!
وهل ما ينفقه المسلمون على «زينة النساء» وملابسهن التي صُمّمت خصيصًا لإظهار وتجسيم ما حرّم الله إبدائه، وعلى عمليات التجميل، هل هو أيضًا ابتغاء مرضاة الله؟!
وماذا عما ينفقه المسلمون على المدارس الأجنبية التي تنتزع لغة القرآن العربية من قلوب الآباء قبل الأبناء، وعلى الألعاب الإلكترونية التي أصبحوا يعبدونها من دون الله، هل يُفعل هذا ابتغاء مرضاة الله؟!
وغير ذلك من مئات الأمثلة التي تشهد بأنه معظم أموال المسلمين تُنفق بعد تزكيتها فيما لا يُرضي الله تعالى، أي تنفق في الحرام، وحتى أموال «الصدقات» أصبحت تنفق فيما لا يُرضي الله، والله تعالى يقول:
* «وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ – إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً – إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ»
أي أنك مراقب … فاحذر أن تنفق مالًا في غير مرضاة الله، واجلس مع نفسك جلسة حساب، والله شهيد عليك، وازن إنفاق مالك بميزان «ما يجب أن يكون» لا بميزان «ما هو كائن» والذي أصبح مألوفًا لك، وقد يكون منكرًا.
وقبل ذلك يجب أن تكون قد دخلت في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، باب الإيمان بـ «الوحدانية» وبصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، وأن تكون هذه هي صفاتك:
* «التَّائِبُونَ – الْعَابِدُونَ – الْحَامِدُونَ – السَّائِحُونَ – الرَّاكِعُونَ – السَّاجِدونَ – الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ – وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ – وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ»
فهذه صفات المؤمنين الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى، الذين لهم البشرى:
* «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»
ولم يقل «وَبَشِّرِ الْمُسْلِمِينَ» لأن كل مؤمن «مسلم»، وليس كل مسلم «مؤمنًا»، فأحكام القرآن يُخاطب الله بها «الَّذِينَ آمَنُواْ» وليس «الَّذِينَ أَسْلَمُواْ».
وتدبر كيف جاءت «البشرى للمؤمنين» في سياق آخر يُبيّن نوع التجارة مع الله، فقال تعالى «الصف / ٩-١٣»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا»
* «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»:
* «تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»
* «وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ»
– ولاحظ هنا تقديم المال على النفس.
* «ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
* «يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ»
* «وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ»
* «وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»
* «وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ»
– ثم قال الله تعالى:
* «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»
والسؤال:
كم عدد الذين تاجروا مع الله، من المليارين مسلم، هذه التجارة الرابحة التي موضوعها، بعد الإيمان بالله ورسوله، هو:
* «وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ»
هذه التجارة التي «تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»، وتبشركم بـ «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ»؟!
نعود إلى صفات «المؤمنين» أهل الجنة، الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى:
١- التَّائِبُونَ:
صيغة عموم، أي التوبة دومًا عن التقصير في أداء «ما يجب أن يكون»، قبل أن تكون توبة عن المعاصي، وحقيقة التوبة أن تكون نابعة من قلب خاشع خائف يرجو رحمة ربه.
٢- الْعَابِدُونَ:
صيغة عموم، أي حياتهم كلها عبادة:
* «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»
وهل ضياع معظم وقت المسلمين في البحث في المحمول، وأمام شاشة التلفاز، وأمام الألعاب الإلكترونية، وفي سماع الأغاني ومشاهدة الفيديوهات … هل يدخل ذلك في مفهوم العبادة؟!
٣- الْحَامِدُونَ:
صيغة عموم، يجب أولًا أن تشعر وتدرك حجم النعم التي أنعم الله بها عليك، والتي قد تعلمها وقد لا تعلمها، حتى إذا تشرب قلبك بإدراك من هو «المنعم»، نطق تلقائيًا بالشكر والتسبيح والتحميد، يُصاحبها البكاء.
ولا تنسى هذه المعاني وأنت تقول في صلاتك، وعند قراءة سورة الفاتحة، «الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، يجب أن تتوقف قليلًا … وتستعرض نعم الله عليك، حتى ولو كنت في غرفة الرعاية المركزة.
٤- السَّائِحُونَ:
أصل السياحة الاستمرار على الذهاب في الأرض، «فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»، ومجيء هذا اللفظ بعد التوبة والعبادة والحمد، وقبل الحديث عن «أحكام القرآن»، يشير إلى السياحة القلبية في عالم تطهير النفس من كل ذرة شرك حتى لا تُفسد الالتزام بـ «أحكام القرآن».
٥- الرَّاكِعُونَ – السَّاجِدونَ:
وهذه كناية عن هيئة الصلاة التي عرفها المسلمون جميعًا عن طريق «منظومة التواصل المعرفي»، وجاء بـ «الركوع والسجود» دون القيام، لأنهما يُعبران عن قمة العبودية والطاعة والخضوع لله تعالى.
وإلا فليقل لنا جهبذ من جهابذة الإلحاد في أحكام القرآن، الذين يكفرون بحجية «الصلوات الخمس» وأن حجيتها من حجية القرآن:
أين بيان وتفصيل مدلول «أي معنى» فعل «ركع» وفعل «سجد» في القرآن، أم أنكم «جهابذة» فقط على «المغفلين» أمثالكم؟!
٦- الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ – وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ:
وهذه الصفة هي التوجه الرئيس «نحو إسلام الرسول»، والتي على أساسها يهجر الصفحة المئات، وكذلك الذين يظنّون أني سني سلفي بالاطلاع على بعض المنشورات، ثم إذا بهم يجدونني كافرًا بالفرق كلها فيولّون الأدبار!!
طبعا، وحدث ولا حرج، عن الذين لا يُعجبون إلا بما وافق «هواهم»، فأجدهم كل سنة أو نصف سنة أو ربع …، فإذا نظرنا إلى هذا «الهوى» نظرة علمية فاحصة، نجده «هواء».
٧- وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ:
وهذه أخطر وأصعب فريضة على قلوب المنافقين، أي على قلوب معظم المسلمين، فكل حكم من «أحكام القرآن» داخل «حدود الله»، ومن لا يلتزم به فقد تعدى «حدود الله»، وإذا لم يستغفر ولم يتب، وأصر على معصية الله، فجزاؤه:
* «وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ – وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ – يُدْخِلْهُ نَاراً – خَالِداً فِيهَا – وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»
ومعظم المسلمين قد تعدّوا حدود الله، يوم أعطوا ظهورهم لتحذير الله لهم من التفرق في الدين، فمن الذين خاطبهم الله تعالى بقوله:
* «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ – وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»:
– «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»
– «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!
فهل أنت منهم؟!
مع ملاحظة أني عندما «أعمم» وأقول إن «المليارين مسلم» منافقون، فلا أقصد التعميم الكلي، وإنما التعميم من منطلق ما يُعرف بـ «عموم البلوي»، وبرهان ذلك:
* هل تذكر متى بعت نفسك ومالك لله تعالى؟!
* وهل ربيّت أولادك على أن يبيعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى؟!
إذن: فلماذا يضع «الملياران مسلم» رؤوسهم في الرمال ولا يواجهون مصيبتهم العقدية بقوة إرادة التغيير:
* «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ»:
– «حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ»
– «وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
# وتذكر:
أن التوجه «نحو إسلام الرسول» يهتم ببيان «أصول الإيمان»:
١- بيان وجوب العمل بمقتضيات شهادة أن «لا إله إلا الله» وأن «محمدًا رسول الله» سلوكًا عمليًا في حياة المسلمين.
٢- بيان وجوب خلع ثوب التدين الوراثي المذهبي، وإعادة الدخول في «دين الإسلام» من بابه الصحيح.
٣- بيان أن الباب الصحيح والوحيد للدخول في «دين الإسلام» هو باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية».
٤- بيان أن «الآية القرآنية العقلية» آية معاصرة للناس جميعًا على مر العصور، وأنها البرهان الوحيد على صدق «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام.
٥- بيان أن الله خاطب قوم كل رسول باللغة التي كانت تنطق به ألسنتهم قبل بعثة الرسل، وقد نزل القرآن يخاطب قوم النبي محمد بلغتهم العربية.
فكيف يفهم عاقل كتابًا بغير لغته، دون أن يتعلم لغة هذا الكتاب، ولا يعتمد على من يترجمه له، الذي قد يستغفله ويضلله مستغلًا جهله؟!
٦- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، أما ما يتعلق بـ «ما هو كائن» في حياتهم، فإن كل مسلم مسؤول عنه، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى