نحو إسلام الرسول

(1527) 4/9/2020 «من بحار لغة القرآن وحجيتها على المسلمين» [12] «المفعول فيه»

وكما أقول دائما، عند الحديث عن لغة القرآن وأساليبها البيانية البلاغية، أنا لا أعطي دروسًا في اللغة العربية، وإنما أشير إلى إضاءات تهدي المسلمين إلى الفهم الواعي لآيات الذكر الحكيم، وأن عليهم أن يسيروا هم نحوها للتعرف عليها وإدراك ماهيتها.
# أولًا:
تعالوا نتدبر الجمل التالية:
١- شرب الطفل اللبن صباحًا
٢- مكثت بالبيت شهرًا
٣- خرجت مع صديقي ساعة
نلاحظ أن هذه الكلمات:
«صباحًا – شهرًا – ساعةً»:
جاءت لبيان زمن وقوع الأفعال:
«شرب – مكثت – خرجت»
وهذه الكلمات تسمى «ظرف زمان».
ثم تعالوا نتدبر الجمل التالية:
١- جلست أمام التلفاز
٢- ذهبت خلف البيت
٣- وضعت الكتاب فوق المكتب
٤- وقفت ساعة تحت أشعة الشمس
نلاحظ هنا أن الكلمات:
«أمام – خلف – فوق – تحت»
جاءت لبيان «مكان» حصول الأفعال:
«جلست – ذهبت – وضعت – وقفت»
وهذه الكلمات تسمى «ظرف مكان».
إذن فـ «المفعول فيه» اسم يُعبّر عن الزمان والمكان اللذين وقع «فيهما» الفعل، ويكونان بمعنى «في»، فهما «الوعاء الزمني والمكاني» لوقوع الفعل أو الحدث.
فعندما نقول:
* «شرب الطفل اللبن صباحًا»
يكون المعنى: «شرب الطفل اللبن [في] الصباح»
وعندما نقول:
* «جلست أمام التلفاز»
يكون المعنى: «جلست [في] جهة التلفاز»
فإذا فهمنا من سياق الجملة، أن ظرفي الزمان والمكان لم يأتيا بمعنى «في»، يُعرب الظرف حسب موقعه في الجملة «فاعلًا أو مفعولًا به أو مجرورًا».
مثال «١»:
«أقبل شهرُ رمضان»
فكلمة «شهر» ظرف زمان، ولكنها لم تأت هنا بمعنى «الظرفية» وإنما «فاعلًا»، لاستحالة فهم معنى الجملة إذا وضعنا كلمة «في».
مثال «٢»:
قول الله تعالى:
* «وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ – إِذْ قُضِيَ الأمْرُ – وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ – وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ»
فهل كلمة «يوم»، في هذا السياق، «ظرف زمان» منصوب بالفتحة؟!
تعالوا نضع كلمة «في» ونقول:
«وَأَنذِرْهُمْ [في] يَوْمَ الْحَسْرَةِ»
فيكون المعنى:
لا تنذر يا محمد الناس إلا يوم القيامة، وهل سيكون للإنذار جدوى في هذا اليوم؟!
إذن فكلمة «يوم»، في هذا السياق، لا تُعرب على أنها «ظرف زمان»، وإنما حسب موقعها من الجملة، فهي ليست كـ «اليوم» في قول الله تعالى:
* «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»
فكلمة «اليوم» هنا «ظرف زمان» لإمكانية وضع كلمة «في» ويستقيم فهم السياق، ونقول:
«[في هذا] الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»
* وصدق الله العلي العظيم القائل:
«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
والخطاب طبعا ليس للمسلمين الملحدين في أحكام القرآن، لأن الله تعالى ربط «لغة» القرآن بآلية «التعقل» وهؤلاء، كما ضرب الله الله بهم المثل، «قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ»، فافهم وتدبر.
# ثانيًا:
تنقسم الأسماء «الدالة» على «ظرف المكان» إلى أقسام منها:
١- ظروف مختصة:
وهي الأسماء التي تطلق على ما كان له أقطار تحصره، وأبعاد تحده، ومعلوم القدر والصورة «المدلول».
مثال:
«دار – بيت – مسجد – شجرة …»
ويأتي تحت هذا القسم قول الله تعالى:
* «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ – إِذْ يُبَايِعُونَكَ – تَحْتَ الشَّجَرَةِ»
فـ «الشَّجَرَةِ» قد بيّنت طبيعة ظرف المكان «تَحْتَ» الذي سبقها.
٢- ظروف مبهمة
وهي الأسماء الدالة على مكان ليس له أقطار تحده ولا جهات تحيط به، ولا يتضح معناها إلا بإضافة شيء إليها.
مثال:
«الجهات الست» وما في معناها، وهي:
«أمام – وراء – شمال – جنوب – فوق – تحت»
فنسأل: أمام وشمال وجنوب وفوق وتحت … ماذا؟!
فلابد من الإضافة، ويأتي تحت هذا القسم أيضًا قول الله تعالى:
* «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ – إِذْ يُبَايِعُونَكَ – تَحْتَ الشَّجَرَةِ»
فـ «الشَّجَرَةِ» هنا «مضاف إليه» ولولا هذه الإضافة ما عرفنا «تحت» ماذا؟!
ذلك أن الظرف يتضح معناه من خلال ما أضيف إليه، فـ «الجهات الست» وما في معناها، أماكن عامة مبهمة، لا تتحدد ولا تتضح إلا من خلال ما أضيف إليها، فأمامك خلف لغيرك، ويمينك شمال لغيرك، فعندما نقول:
«جلس الفلاح تحت الشجرة»
فـ «تحت» ظرف مكان أضيفت إليه «الشجرة» المعرفة بـ «أل» التعريف، لتحديد المكان الذي اعتاد الفلاح أن يجلس تحته.
فإذا قلنا: «جلس الفلاح تحت شجرة» فهمنا أن هذا الفلاح ليس له شجرة معينة معروفة اعتاد أن يجلس تحتها، فهو يجلس تحت أي شجرة.
وعندما يقول الله تعالى لرسوله:
«إِذْ يُبَايِعُونَكَ – تَحْتَ الشَّجَرَةِ»
فهو عز وجل يحدثه عن شجرة معينة يعرفها الناس جميعًا تعقد تحتها «البيعة»، وليست كما جعلها «عدنان الرفاعي»، صاحب «المصيبة العددية الكبرى»، موضوع «البيعة» وشروطها!!
والسؤال:
ما علاقة عالمية الرسالة، كتاب الله الخاتم الذي حمل نصوص «الآية القرآنية العقلية»، المعاصرة للناس جميعًا اليوم، بإلحاد التنويريّين في «مدلولات» كلماتها؟!
فهل بهذا الإلحاد، الذي يباركه إبليس شخصيًا، سيصل المسلمون إلى العالمية، وهم الذين أعطوا ظهورهم لقول الله تعالى:
* «وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»:
– «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»
– «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!
هل بهذا الإلحاد، الذي يباركه إبليس، يصبح «النص القرآني صالحًا لكل زمان ومكان»، كما يدعي «الرفاعي»؟!
هل بهذا الإلحاد، الذي يباركه إبليس، تصبح «الشجرة» في السياق القرآني تعني «حالات التداخل والتشابك بين الحق والباطل» كما يدعي «الرفاعي»؟!
# ثالثًا:
فإذا ذهبنا إلى معاجم اللغة العربية، نستطيع أن نبيّن للناس تدليس وتلبيس «الرفاعي» واستغفال التابعين له، الذين لو فقهوا علوم اللغة العربية ما كانوا ليحشروا معه في الدرك الأسفل من النار، إن هم لم يتوبوا.
ولا يقول ملحدٌ جاهلٌ:
إن هذه «حرية فكر»، لأن الحقيقة هي «حرية كفر»، فالذي دخل في «دين الإسلام» لم يعد حرًا في تفكيره، يذهب به يمينًا ويسارًا، ويُلحد في مدلولات كلمات آيات التنزيل الحكيم، فيتبعه الآلاف الذين زيّن:
* «لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ – فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ – فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ»
وهذا ما بيّنه الله تعالى بقوله، مخاطبا المؤمنين بعد آية المواريث:
* «تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ»
– «وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»
– «وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»
إن الذي يتعدى بإلحاده حدود الله وأحكام كتابه، وما أكثرهم من المسلمين بالوراثة، كافٌر:
* «يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»
١- «الشجر»: معروف، والواحدة شجرة، وهي لا تخلو من ارتفاع وتداخل أغصان، ووادٍ شجر: كثير الشجر، ويُقال هذه الأرض أشجَرُ من غيرها، أي أكثر شجرًا، و«الشجر» كلُّ نبت له ساق، والمَشْجرة: موضع الشجر.
٢- و«شَجر» بين القوم الأمر: إذا اختلف أو اختلفوا وتشاجروا فيه، وسمِّيت مشاجرة لتداخل كلامهم بعضه في بعض، واشتجروا: تنازعوا، وتشاجروا بالرماح: تطاعنوا.
٣- و«الشجر»، الذي يقول «الرفاعي» إنه لم يجد في القرآن دليلا على أنه الشجر «الحسي» الذي تعرفه الشعوب:
(أ): جاء في سياق بيان سجود الكون كله لله تعالى، فتدبر:
* «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ»:
– «مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ»
– «وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ»
– «وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ»
– «وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ»
– «وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ»
– «إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ»
(ب): وجاء في سياق بيان حجية «منظومة التواصل المعرفي» وما كانت تتناقله الشعوب من آلية إيقاد النار عن طريق الشجر، كآية من آيات الله تعالى، فتدبر:
* «الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ»
(ج): وجاء لبيان المكان الذي كانت تُعقد فيه بيعة الناس لرسول الله محمد، عليه السلام:
* «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً»
# رابعًا:
وعندما تأتي الـ «شجرة» في حديث عن «عالم الغيب»، أي فيما وراء عالم المادة، تأتي على سبيل «المثل» وليس «الحقيقة»، فحقائق الغيب يستحيل أن تدركها حواس الناس المخلوقة لـ «عالم الشهادة».
ومن الآيات التي ورد فيها ذكر «الشجرة»، فيما وراء عالم المادة، قول الله تعالى:
* «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ»
* «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ – طَعَامُ الأثِيمِ – كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ – كَغَلْيِ الْحَمِيمِ»
* «وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً»
وعلى المؤمن المسلم أن يتعامل مع هذه الآيات من باب «الترهيب»، انطلاقًا من قول الله تعالى لرسوله، عليه السلام:
* «نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا»:
– «الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»
* «وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ»:
– «الْعَذَابُ الأَلِيمَ»
ولذلك، وفي سياق الإلحاد في آيات الله والعبث بأحكامها، لم يكن غريبًا أن يخرج على الناس من يقول:
إن «الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ»: هي شجرة الذين يخالفون الكتاب والسُنّة، الذين لُعنوا في القرآن بصفات كثيرة، بالظلم والفساد والكفر وإيذاء الله ورسوله… إنها شجرة «بني أمية»!!
ولماذا لا، فطالما أن هناك «تابعين» حميرًا وكلابًا أضل من الأنعام، فالمستفيدين «المتبوعين» بخير.
وهل بعد كفرهم بمعاجم لغة القرآن العربية، وبـ «منظومة التواصل المعرفي» التي حملت للناس مدلولات الكلمات التي ينطقون بها.
وبعد إلحادهم في «أحكام الصلاة»، والكفر بـ «الصلوات الخمس»، وابتداع صلوات نزل بها الوحي الإبليسي.
هل بعد هذا من آيات إلهية تبيّن للناس فعالية قول الله تعالى:
* «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ»
وفعالية قول الله تعالى:
* «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً»:
– «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»
– «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»
– «أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ»
– «فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ»
– «فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً»
صدق الله العلي العظيم
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى