نحو إسلام الرسول

(1515) 22/8/2020 «وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ – وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»

عندما لا يجد الإنسان العاقل بيانًا وتفصيلًا لكيفية إقام الصلاة وإيتاء الزكاة داخل القرآن، ثم يبحث في القرآن عن سبب ورود طاعة الرسول في الآية السابقة غير مقترنة بطاعة الله تعالى.
فإن ذلك يعني وجود علاقة وثيقة بين الأمر بـ «إقام الصلاة وإيتاء الزكاة»، والأمر بـ «طاعة الرسول»، في الوقت الذي لا يحمل فيه لقرآن أي بيان أو تفصيل لكيفية أداء الفريضتين.
والمتدبر للقرآن يعلم بوجود وحي كان يتنزل على النبي غير الوحي القرآني، وقد بيّنا ذلك في أكثر من منشور، الأمر الذي يفرض علينا قبول:
أن يكون بيان وتفصيل كيفية «إقام الصلاة وإيتاء الزكاة» قد نزل على النبي بـ «وحي غير قرآني»، وقد قام النبي بدوره ببيان ذلك للمؤمنين، لذلك أمرهم الله في هذا السياق بالذات بطاعة الرسول في هذا الوحي واتباعه.
والسؤال للعقلاء:
هل يمكن أن يُبيّن الله لرسوله كيفية إقام الصلاة وإيتاء الزكاة عن طريق «وحي غير قرآني»، ثم ينزل قرآن يأمر الذين آمنوا إلى يوم الدين بـ «إقام الصلاة وإيتاء الزكاة»، ولا يحفظ الله هذا البيان؟!
وهل يُعقل أن يكون الشرط الأول لدخول المشركين في «دين الإسلام»، بعد توبتهم، هو أن «يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة»:
* «فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ»:
– «فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ»
– «وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
ثم لا يحفظ الله كيفية «إقام الصلاة وإيتاء الزكاة» إلى يوم الدين، ليستطيع أي مشرك يريد أن يتوب أن يجد هذه الكيفية محفوظة بحفظ الله لذات النص نفسه:
* «وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ»؟!
# أولًا:
لا توجد مرجعية علمية على وجه الأرض، يمكن أن تبيّن للناس «معنى – مُسَمّيات» كلمات القرآن، غير «منظومة التواصل المعرفي» التي حملت للناس جميعًا مراجع «معاني – مُسَمّيات» اللغات التي تنطق بها ألسنتهم، ومنها مراجع اللغة العربية وعلومها.
فماذا قالت مراجع اللغة العربية عن «الزكاة»؟!
١- الزكاة مصدر «زكا»، وكل شيء نمى وزاد فقد «زكا»، و«زكت» نفس فلان، صلُحت وزادت تقواها:
*«وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا – فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا – قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا – وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»
٢- و«الزكاة» من المشترك اللفظي الذي لا يُفهم معناها إلا بقرينة السياق، فتأتي بمعنى «الصدقة» باعتبارها تطهيرًا وتزكية للنفس:
* «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»
وقد حدد الله مصارف «الصدقات» فقال تعالى:
* «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ»:
– «لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ»
– «فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»
٣- وقد سُمّيت الزكاة «صدقة» من تصريف الفعل «ص د ق»، باعتبار أن صِدْق النفس في أن يقوم صاحبها بـ «تزكيتها» قولًا وعملًا، بحيث يتساوى تصديق القلب مع القول والعمل.
# ثانيًا:
١- إن الزكاة والصدقة كلمتان:
(أ): «دال – اسم»: داخل القرآن.
(ب): «مدلول ـ مُسَمّى»: خارج القرآن، وهو المال المنفق.
٢- ومن «صفات المتقين» أنهم ينفقون مما رزقهم الله، يقول الله تعالى «البقرة / ١-٥»:
* «الم – ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ»:
– «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»
– «وَيُقِيمُونَ الْصَّلاةَ»
– «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»
ـ «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»
– «أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
٣- فإذا قارنا الآيات السابقة «البقرة / ١-٥»، التي تحدثت عن صفات المتقين، بالآيات التالية «لقمان / ١-٥»، التي تحدثت عن «صفات المحسنين»:
* «الم – تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ»:
– «هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ»
– «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ»
– «وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»
– «وَهُم بِالآخرةِ هُمْ يُوقِنُونَ»
– «أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
علمنا أن الإنفاق من رزق الله «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» هو من إيتاء الزكاة «وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»، مع اختلاف الدال «الإنفاق – الزكاة» واتفاق المدلول «المال المنفق» باعتبار أن ما ينفق في سبيل الله هو من باب التزكية التي تجعل المال «يزكو» وينمو عند الله تعالى.
يقول الله تعالى «الليل / ١٧-١٨»:
* «وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى – الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى»
ويقول الله تعالى «البقرة / ٢٦١»:
* «مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»:
– «كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ»
– «فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ»
– «وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»
# ثالثًا:
١- إن «إيتاء الزكاة»، المقترن بـ «إقام الصلاة»، يجب أن يُفهم بمعناه العام الذي يعني «الإنفاق المادي»، إلا إذا جاء السياق بقرينة تخصصه بالمعنى المعنوي «طهارة النفس»، كقول الله تعالى «الكهف / ٨١»:
* «فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً»
وقول الله تعالى «مريم / ١٣»:
* «وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً»
باستثناء موضع واحد هو قول الله تعالى «الروم / ٣٩»:
* «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ – فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ – وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ – فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ»
والمقصود بـ «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ» هو «إيتاء الصدقات» بقرينة قول الله تعالى في سياق الحديث عن أحاكم الربا «البقرة / ٢٧٦»:
* «يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا – وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»
وجاء ذلك لمقابلة مال «الصَّدَقَاتِ» الذي يضاعفه الله، بمال «الربا» الذي يمحقه الله بنزع البركة عنه في الدنيا، وهلاك صاحبه في الآخرة.
٢- إن الذي «يؤتي الصدقات» يؤتيها لتزكو نفسه وتطهر، الأمر الذي لا يتحقق إلا إذا كانت معيشته خالية تماما من أي صورة من صور «الربا»، فهناك تلازم بين ما يؤمن به المؤمن في قلبه، وبين تفعيله لمقتضيات هذا الإيمان في معيشته.
من أجل ذلك اقترن «إيتاء الزكاة» بـ «إقام الصلاة» لبيان أنهما المكون الأساس لمجتمع «الإيمان والعمل الصالح» الذي تتفاعل فيه الشعائر التعبدية مع معايش الناس المختلفة، هذا التفاعل القائم على تزكية النفس وطهارة القلب وإخلاص العبودية لله تعالى.
لذلك كان أول شيء يفعله المؤمنون عندما يُمكن الله لهم دينهم كما وعدهم «النور / ٥٥»:
* «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»
أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فقال تعالى «الحج / ٤١»:
* «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ»:
– «أَقَامُوا الصَّلاةَ»
– «وَآتَوْا الزَّكَاةَ»
– «وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ»
– «وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ»
# رابعًا:
١- ومن منطلق تمكين دين الله في الأرض، تكون «السلطة التنفيذية» هي المسؤولة عن التعامل مع فريضة «إيتاء الزكاة»، بقرينة تكليف الله لرسوله القيام بهذا الأمر «التوبة / ١٠٣»:
* «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»
تماما كما أن «الطلاق» لا يقع إلا بمعرفة «السلطة التنفيذية» وتحت إشرافها، بقرينة قول الله تعالى لرسوله وكأنه هو صاحب قرار الطلاق:
* «يا أيها النَّبِيُّ – إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ – فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ»
٢- وتقوم «السلطة التشريعية»، بالاستعانة بخبراء الاقتصاد والمال والاجتماع، بتحديد مقدار «الحق المعلوم» الواجب استقطاعه من أموال المسلمين، استنادا إلى قول الله تعالى:
* «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ – حَقٌّ مَعْلُومٌ – لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
ويتغير هذا «الحق المعلوم» باختلاف قيم الأشياء على مر العصور، واستحداث صنوف جديدة من الأموال لم تكن معروفة في عصر التنزيل.
وهذا «الحق المعلوم» المفروض، غير الحق الذي يُخرجه المسلم حسب ظروفه وإمكاناته، والذي لم يصفه الله بـ «المعلوم» حيث قال تعالى:
* «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
٣- وفي حالة غياب مؤسسة الدولة المسؤولة عن تحديد «الحق المعلوم»، وغياب المؤسسة المسؤولة عن جمع أموال «الصدقات» وتوزيعها على مستحقيها.
يصبح كل مسلم مسؤولًا عن تحديد «الحق المعلوم» و«غير المعلوم»، حسب إمكاناته وظروف معيشته، وهذا هو أول الطريق:
(أ): قم بحساب كل ما تملكه من مال بقيمته الحالية، ولتكن «١٠٠٠٠ج»، ثم استقطع منه نسبة «الزكاة» ولتكن «٣٪»، فيصبح مال الزكاة «٣٠٠ج» ضعه في مكان «ظرف» باسم «الزكاة».
(ب): لقد قمت بتزكية مبلغ الـ «١٠٠٠٠ج» وتبقى منه «٩٧٠٠ج»، وهذا المبلغ المتبقي لا يستقطع منه «زكاة» مرة أخرى حتى ولو كان وديعة، وإنما تؤخذ «الزكاة» من عائد هذا المبلغ فقط.
(ج): أي رزق يأتيك بعد ذلك، من مرتب أو مكافأة أو ميراث …، تستقطع منه نسبة الـ «٣٪»، والمبلغ المتبقي لا تستقطع منه أي نسبة مرة أخرى، فقد تمت أصلًا تزكيته.
(د): وبذلك يصبح كل مال يأتيك تتم تزكيته أولًا بأول، وفي ذلك أكبر استفادة للمستحقين لأموال «الزكاة» لأنهم سيحصلون عليها أولًا بأول على مدار الـ «٢٤» ساعة، ولا ينتظرون بدعة «الحول» الفقهية، يكون المستحقون قد ماتوا!!
فيحب أن يكون في بيت كل مسلم وعاءان لأموال «الزكاة»:
الأول: وعاء «الزكاة» المفروضة:
* «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ – لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
الثاني: «وعاء الزكاة» غير المفروضة:
* «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
(هـ): إن المعاملات البنكية، بجميع أنواعها، لا علاقة لها بـ «الربا»، ذلك أن «البنك» بدون أموال «المودعين» لا قيمة له، و«المودعون» يعتبرون «البنك» جهة تحفظ لهم أموالهم وتستثمرها نظير مقابل متفق عليه بين طرفي العقد: البنك وأصحاب رؤوس الأموال، فمن أين تأتي شبهة «الربا»؟!
هذا عن باب «الإيداع»، أما عن باب «القروض»، فجميعها قروض «استثمارية»، وأحيانا يكون الشخص المستفيد من القرض أغنى من البنك نفسه، ولكن أمواله كلها في أصول ثابتة، فيأخذ القرض بضمان هذه الأصول.
وللموضوع بقية.
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى