نحو إسلام الرسول

(1508) 17/8/2020 «مقال الاثنين» لماذا يتحدثون عن «القرآن» ولا يتحدثون عن «الآية القرآنية»؟!

«مقال الاثنين»
لماذا يتحدثون عن «القرآن» ولا يتحدثون عن «الآية القرآنية»؟!
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»؟!
إن من أعظم المنكرات أن يتعامل المسلمون مع القرآن باعتباره «كتابًا إلهيًا» نزل في عصر التنزيل وانتهت فعاليته، وليس باعتباره «آية إلهية» تتحرك بين الناس ولا تنتهي فعاليتها إلى يوم الدين.
إن من أعظم المنكرات أن يظل المسلمون على تدينهم الوراثي، يخلطون بين «الآية الإلهية» و«الرواية البشرية»، بل ويجعلون «الرواية» حاكمة على «الآية»، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
لقد حمل الكتاب الإلهي، القرآن الكريم، كلمة «بيت» فقال تعالى:
* «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ»:
– «لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ»
– «فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ»
– «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»
– «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ»
فهذه الجمل القرآنية المدوّنة في المصحف الذي بين أيدي المسلمين اليوم، والتي تتعلق بحكم من أحكام القرآن، وهو «فريضة الحج»، لا يوجد معنى لكلمة واحدة من كلماتها داخل «الكتاب الإلهي».
إن هذا المعنى موجود داخل «الآية القرآنية العقلية» التي حملها الكتاب الإلهي، وحفظ الله هذا المعنى عن طريق «منظومة التواصل المعرفي».
فهناك دولة اسمها «المملكة العربية السعودية»، ومن بلادها بلد اسمها «مَكّة»، ومن مناطق هذه البلد منطقة اسمها «بَكَّةَ»، ويوجد في هذه المنطقة «بَيْتٌ» اسمه «الكعبة»، قد جعله الله «قبلة» المسلمين في صلاتهم:
* «جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ»
فيحفظ الله تعالى أماكن العبادات والمعالم الأثرية الموجودة في العالم منذ آلاف القرون، وذلك عن طريق «منظومة التواصل المعرفي»، حتى إذا أشارت إليها الكتب الإلهية المنزلة على الرسل، يجد أقوامهم لها فعالية على الأرض يأخذون منها العبر.
# أولًا: قوم لوط:
يقول الله تعالى عن هلاك قوم لوط:
* «فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ … إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ»
ويقول الله تعالى:
* «وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»
فأين هي إذن هذه «الآيَةً البَيِّنَة»، هل بيّنها الله وفصّلها داخل القرآن، أم موجودة خارج القرآن؟!
إن آثار تدمير وهلاك قوم لوط ستظل باقية، لأن الله تعالى جعلها «آيَةً بَيِّنَةً» خارج الكتب الإلهية، ولكن «لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»، ولا يفترون على الله الكذب، ويقولون إن القرآن تبيانٌ وتفصيلٌ لكل شيء.
ومن هذه الآثار ما كان يمر عليها أهل مكة:
* «وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ»
# ثانيًا: أصحاب الأيكة:
يقول الله تعالى:
«وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ – فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ – وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ»
و«الأيكة» منطقة تتميز بالأشجار الكثيفة والأوراق الكثيرة، وفروعها ملتفة بعضها ببعض، وكان يسكنها قوم شعيب:
* «كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ – إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ»
وهم ليسوا «أهل مدين» قوم «شعيب»، الذين قال الله فيهم:
* «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً – قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ»
فقد وصف الله تعالى قوم شعيب بالأخوة «أَخَاهُمْ شُعَيْباً»، أما أصحاب «الأيكة» فلم يصفهم بهذه الأخوة، وأهل مدين وأصحاب الأيكة قد كذبوا المرسلين، فانتقم الله منهما:
* «فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ – وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ»
و«الإمام المبين»، في هذا السياق، هو الطريق الموصل إلى القريتين الذي كان يعلمه أهل مكة.
# ثالثًا: أصحاب الحجر:
يقول الله تعالى:
«وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ … فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ»
وأصحاب الحجر هم «ثمود» قوم «صالح»:
* «كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ»
– «إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ …»
– «وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ»
* «وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ»
وقد نُحتت بيوت قوم صالح نحتًا في الجبال، ويرجع تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وأصبحت اليوم من المعالم الأثرية العالمية التي تُعرف بـ «مدائن صالح» والموجودة في المملكة العربية السعودية على الطريق من خيبر إلى تبوك.
فهل حمل كتاب الله الخاتم، القرآن الحكيم، بيانًا وتفصيلًا لأماكن هذه الآثار، أم حملتها وحافظت عليها «منظومة التواصل المعرفي» لتعهد الله بحفظ «الكلمة القرآنية» وتفاعلها مع «مُسَمّاها»؟!
ويقول الله تعالى عن عاد وثمود:
* «وَعَادًا وَثَمُودَ – وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ – وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ – فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ – وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ»
لقد تبيّن للعقلاء الذين شاهدوا آثار عاد وثمود، وتدبروا ما حمله القرآن من قصصهم وهلاكهم عن بكرة أبيهم بعذاب الاستئصال، أن حجية «منظومة التواصل المعرفي» من حجية كتاب الله.
وإن كل ما سبق الإشارة إليه من آثار وحقائق تاريخية، لا وجود لبيانه وتفصيله داخل القرآن، وإنما حملته «منظومة التواصل المعرفي» التي تتفاعل بداخلها «كلمات المصحف» مع «مُسَمَّياتها» الموجودة خارجه.
# رابعًا:
عندما يقص الله تعالى القصص ويشير إلى مشاهد من آثار الأمم التي هلكت بعذاب الاستئصال، ثم نبحث داخل القرآن فلا نجد خريطة تبين الموقع الجغرافي لهذه الآثار ليذهب الناس إليه لأخذ العبر.
فإن حجية «منظومة التواصل المعرفي»، في بيان وتفصيل أماكن هذه الآثار، هي نفسها حجية بيان «مُسَمَّيات» كلمات القرآن، هي نفسها حجية بيان كيفية أداء العبادات التي أجملها النص القرآني، وفي مقدمتها هيئة «إقام الصلاة» وعدد الصلوات.
فاحذروا من فتنة الملحدين الذين يُوظّفون الآيات القرآنية لخدمة أهوائهم الإلحادية، ومن هذه الآيات قول الله تعالى:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ»
* «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»
لقد كان من إغواء إبليس للملحدين في أحكام القرآن، أن استغفل قلوبهم ولم يجعلهم ينتبهون لكلمة «شيء» في الآيتين وماذا تعني؟!
إن «الكلمة» التي كان ينطق بها «لسان العرب» عبارة عن «اسم» و«فعل» و«حرف».
و«الاسم»: هو ما دل على «مُسَمّى»:
أي أن «الاسم» هو ما دل على «شيء» موجود على أرض الواقع.
فاسم «زيد» هو ما دل على «شيء» موجود على الأرض، وهو شخص «زيد»، ولا يوجد في لغات العالم «اسم» بلا «مُسَمّى»، أي بلا «شيء» يدل على معناه.
إذن فكلمة «شيء»، في الآيتين السابقتين «تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ – وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً» لا تعني أن البيان والتفصيل داخل القرآن، ذلك لأن المُسَمَّيات «الأشياء» موجودة خارج القرآن وليس بداخله.
# خامسًا:
إن الدارس المتدبر للقرآن، يعلم أن السياق عندما تحدث عن الكفر بآيات الله، قدم «الذكر» على «الكتاب» فقال الله تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ – لَمَّا جَاءَهُمْ – وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ»
ذلك أن «الذكر» يشمل:
١- الكتاب «المقروء» في المصحف «الدال».
٢- الكتاب «المنظور» في آيات الآفاق والأنفس «المدلول».
ويستحيل فهم «الدال» بمعزل عن «المدلول».
وكما وصف الله تعالى «الكتاب» بالذكر، وصف أيضا «القرآن» بالذكر فقال الله تعالى:
* «ص – وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ»
لبيان أنه يستحيل فصل «الكلام» المكتوب والمقروء عن «مُسَمَّاه» ومقابله الكوني الموجود خارج القرآن.
إن كثيرًا مما ذكرته في هذا المقال قد سبق بيانه في كثير من المنشورات، الأمر الذي قد يشعر معه بعض الأصدقاء بالملل، وعندهم حق.
ولكن يجب أن نعلم، أن المسلمين لو علموا هذا الذي أكرره دائما، وماتوا قبل أن يتمكنوا من السير في الطريق الموصل إلى الفهم الواعي لـ «ما يجب أن يكون» وفق ما أمر الله تعالى به، ماتوا مؤمنين قد أسلموا وجوههم لله تعالى.
# وتذكروا:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا إلا إذا كان قائمًا على الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله محمد، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- إن الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية»، الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، يستحيل أن يتحقق دون تدبر ودراسة نصوص هذه الآية، بالاستعانة بعلوم اللغة العربية التي كان ينطق بها لسان قوم النبي محمد من قبل بعثته.
٣- إن الاستعانة بعلوم اللغة العربية فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وذلك لفهم القرآن واستنباط أحكامه، فكيف يفهم المسلمون القرآن وهم يجهلون أساليبه البيانية و«البيان» لا يكون إلا بلغة القوم، كما قال تعالى:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
وعلى أساس هذا «البيان» يُحدد الإنسان موقفه من الهدى والضلال:
* «فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
٤- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين كما أمرهم الله في القرآن، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله به فأفدنا بعلمك، أما ما يتعلق بـ «ما هو كائن» فالذي يتحمل مسؤوليته هو المسلم، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى