نحو إسلام الرسول

(1480) 9/7/2020 «مقال الخميس» «إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ – لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ – خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ»

عندما يبدأ السياق بجملة شرطية يُذكر الشرط «إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ» ولا يُذكر جواب الشرط، أي ماذا سيحدث إذا وقعت الواقعة، فذلك لبيان أن «الواقعة» حدثٌ عظيم لا تستطيع الألفاظ التعبير عنه.
وسواء كانت مفارقة «النفس» لجسد الإنسان تكون عند وقوع هذه «الواقعة»، أي يوم القيامة، أو عند انتهاء أجله قبل يوم القيامة، فإن المقصود في الحالتين هو «الموت»، فتدبر:
* «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ – { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } – ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»
فقول الله تعالى عن الموت «فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ» يبيّن وصف الواقعة السابق بـ «لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ» فـ «الموت» محقق لا شك ولا شبهة في ذلك، ولكن الأهم ماذا ستكون الحياة بعد «الموت»؟!
# أولًا:
* «خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ»:
بعد «الموت» ستتغير موازين الدنيا، وستكون الحياة على غير ما كان يتوقع الإنسان، فمن كان في الدنيا في أعلى عليّين قد يجد نفسه في أسفل سافلين، والعكس، فالميزان اختلف، وأصبح الناس جميعًا يُحاسبون بـ «ميزان الله» الحق العدل.
لذلك حذر الله تعالى الإنسان من فتن الدنيا، ومن أن يزور قبره وهو غير مستعد للقاء ربه، كما بيّنا ذلك في منشور:
* «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ»
وما بيّناه في مقال «الاثنين»:
* «الرَّحْمَنُ – عَلَّمَ الْقُرْآنَ – خَلَقَ الإِنْسَان – عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»
وكيف أن «القرآن» الذي بين أيدي الناس اليوم:
* هو نفس القرآن الموجود في «كِتَاب مَّكْنُون».
* والموجود «فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ».
* والذي عرفه بنو آدم جميعًا في «عالم الذر».
* ويتذكره بنو آدم جميعًا في «عالم الشهادة»:
هذا لو أنهم تُركوا إلى فطرتهم ولم يرثوا ملل ومذاهب آبائهم وهم في بطون أمهاتهم، من أجل ذلك جعل الله القرآن «الآية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسوله محمد، وعلى العاقل من بني آدم:
* أن يدرس اللغة العربية التي نزلت بها هذه «الآية العقلية».
* ثم يدرس نصوصها دراسة علمية جادة، ليقف على حقيقة أن هذا القرآن هو البرهان الوحيد الموجود على هذه الأرض الدال على صدق نبوة رسول الله محمد.
* ومن هذه النصوص التي يدرسها هذا الإنسان العاقل، الآية «الأعراف / ١٧٢»:
– «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»
– وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»
– قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا …»
# ثانيًا:
ولا شك أن هذا الإنسان العاقل سيقف كثيرًا عند سورة «الرحمن»، وخاصة عندما يجد أن الآية «الرحمن / ١٣»:
* «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
تكررت إحدى وثلاثين «٣١» مرة، موزعة على منظومات النعم التي يُشهد الله عليها الإنس والجن لتكون حجة عليه يوم القيامة، ثم يقول الله بعدها:
* «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
وبعد إقامة الحجة على الإنس والجن بـ «دلائل الوحدانية»، يختم الله سورة الرحمن بالتحذير من الموت على غير «دين الإسلام»، وعلى غير العمل بـ «أحكام القرآن»، هذا القرآن الذي حمل للناس جميعًا ما سبق بيانه ضمن رسالة الله العالمية الخاتمة، فيقول الله تعالى:
* «فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ»
* «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
* «فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ»
* «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
– وما سيأتي بعد ذلك هو بيان وتفصيل لما أشرنا إليه في المنشور التابع لسورة التكاثر:
«كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ – ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»
وأن الإنسان يجب أن يعلم مصيره في الآخرة قبل أن يزور قبره:
– هل هو من المجرمين:
* «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ»
* «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
* «هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ»
* «يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ»
* «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»
– أم من الذين كانوا يخافون مقام ربهم:
* «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»
* «فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»؟!
# ثالثا:
إذا عندنا إلى سورة الواقعة، وهي السورة التي تلت سورة الرحمن مباشرة، نجد أن محاورها الرئيسة تدور حول ما دارت عليه سورة الرحمن، وفي مقدمة ذلك بيان «دلائل الوحدانية» بشيء من التفصيل.
إلا أنها قسّمت الناس إلى أزواج ثلاثة:
* «وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً»:
– أي أصنافًا «ثَلاَثَةً» كل صنف يكون مع صنف آخر فهو زوج له.
١- «فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ»؟!
– يصفهم بالاستفهام عنهم، دون تفصيل أحوالهم، لما سيأتي بعد ذلك، و«الْمَيْمَنَةِ» جهة اليمين:
* «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ»
٢- «وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ»؟!
– يصفهم بالاستفهام عنهم، دون تفصيل أحوالهم، لما سيأتي بعد ذلك، و«الْمَشْأَمَةِ» جهة الشمال:
* «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ»
٣- «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ»:
أما هؤلاء فيأتي بتفصيل أحوالهم، وما أعد الله لهم من النعم، وأعيد «السَّابِقُونَ» لتعظيم شأنهم في السبق إلى طاعة الله:
– «أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ – فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ»
– «ثُلَّةٌ مِّنَ الأوَّلِينَ»: من كل أمة.
الثلة: الجماعة كثرت أم قلت، والمعنى هنا الكثرة من الأولين من لدن آدم إلى نبينا عليهما السلام، بقرينة قوله تعالى بعدها:
– «وَقَلِيلٌ مِّنَ الأخِرِينَ»: من كل أمة.
– «عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ»
إلى آخر ما ذُكر من النعم، ثم يعود إلى بيان أحوال «أصحاب اليمين»:
* «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ»
* «فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ»
* «وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ»
* «وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ»
* «وَمَاء مَّسْكُوبٍ»
* «وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ»
* «لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ»
* «وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ»
* «إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء»
* «فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً»
* «عُرُباً أَتْرَاباً»
* «لأصْحَابِ الْيَمِينِ»
* «ثُلَّةٌ مِّنَ الأوَّلِينَ»: من كل أمة.
* «وَثُلَّةٌ مِّنَ الأخِرِينَ»: من كل أمة، وهنا الثلة تعني العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر، مع أنهما كلاهما كثير.
ثم يأتي الحديث عن «أصحاب الشمال»، فنتدبر الآيات دون تعليق مني:
* «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ»
* «فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ»
* «وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ»
* «لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ»
* «إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ»
* «وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ»
«الْحِنثِ»: هو الذنب العظيم، لا مطلق الذنب، ووصفه بعد ذلك بـ «العظيم» للمبالغة في بيان عظم الذنب.
* «وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ»
* «أَوَ آبَاؤُنَا الأوَّلُونَ»
* «قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالأخِرِينَ»
* «لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ»
* «ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ»
* «لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ»
* «فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ»
* «فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ – فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ»
تدبر استخدام فعل «شَرِبَ» ثلاث مرات في هذا السياق، حيث يُفسر اللاحق المتقدم، أي لا تشعرون بري عطشكم إلا عندما تشربون الحميم شرب الهيم، وهو مرض يصيب الإبل فتظل تشرب حتى تموت.
* «هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ»
* «نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ»
ثم يأتي الحديث عن «دلائل الوحدانية» ونعم الله التي لا تُحصى، في تناغم بديع مع آيات سورة الرحمن.
والسؤال:
هل حددتم من أي «الأزواج الثلاثة» ستبعثون مع أهليكم يوم القيامة، قبل أن تزوروا القبور دون سابق دعوة؟!
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم المسلمون القرآن، ويصبح من السهل أن تخترق شبهات الملحدين قلوبهم.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين كما أمرهم الله في القرآن، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله فأفدنا بعلمك.
٤- أما فيما يتعلق بـ «ما هو كائن» في حياة المسلمين، فيتحمل مسؤوليته كل مسلم، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى