نحو إسلام الرسول

(1468) 22/6/2020 «مقال الاثنين» «إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»

# أولًا:
١- معنى الصراط المستقيم:
(أ): «الصراط»:
أصل كلمة «الصراط» بالسين «السراط»، وهو الطريق الذي يقطعه الإنسان بسهولة، والعرب تقول: سَرَطَ الطعام سرطًا، أي بلعه بسهولة.
(ب): «المستقيم»:
هو الشيء المستوي الذي لا اعوجاج ولا التواء فيه، يقال:
«طريق مستقيم»، ويُطلق مجازيًا على «العدل» فيقال: «ميزان مستقيم»، وعلى «الحق» يقال: «طريق الحق»، ويُقصد به «ملة الوحدانية».
و«الاستقامة»: الاعتدال:
– يُقول الله تعالى:
* «أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ – فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ»
أي توجهوا إلى الله وحده لا شريك له.
– ويُقول الله تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا»
فلا يكفي الاعتراف بـ «ربوبية الله» وإنما يجب العمل بمقتضاها وهو طاعة الله والعمل بأحكام شريعته.
٢- دلالة «الصراط المستقيم»:
(أ): الدلالة على ملة الوحدانية:
* «قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»:
– «دِيناً قِيَماً»
– «مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً»
– «وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
(ب): الدلالة على صدق النبوة:
* «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
(ج): الدلالة على إخلاص العبودية لله تعالى:
* «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ»:
– «أَن لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»
– «وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ»؟!
(د): الدلالة على الفهم الواعي لآيات الذكر الحكيم:
* «قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ»
– «يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ»
– «وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ»
– «وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
(هـ): الدلالة على الاعتصام والتمسك بما أمر الله به:
* «وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
(و): الدلالة على الدين كله:
* «الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ»:
– «لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»
– «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ»
– «إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
# ثانيًا:
الإيمان بأن الهداية إلى «الصراط المستقيم» بمشيئة الله تعالى:
١- «قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ»:
– «يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
٢- «فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ»:
– «لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ»
– «وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
٣- «وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا»:
– «صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ»
– «مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ»
– «وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
٤- «وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ»:
– «وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
ثم نتدبر ماذا قال الله تعالى بعد ذلك لبيان «سنة الاختيار»:
– «لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ»
– «وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ»
– «أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
– «وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ»
– «جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ»
– «مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ»
– «كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً»
– «أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
لقد قصدت التوقف عند هذه الآية:
* «وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
وبيان السياق الذي وردت فيه، لتصحيح ما قد يلتبس على كثير من المسلمين، فيما يتعلق بـ «المشيئة الإلهية»، وأنها تعني «الجبرية» وأن الإنسان في هذه الحياة «مسير» لا «مخير»، فأقول:
(أ): إن «المشيئة الإلهية»، في السياق القرآني، هي «السنن الكونية» التي أقام الله عليها هذا الوجود، والتي على أساسها خلق الإنسان مختارًا، فقال تعالى:
* «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا – فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»
* «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا – وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا»
(ب): وهذا ما بيّنه الله بعد قوله تعالى:
* «وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
فقال عن «سنة الاختيار»:
* «لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ»
ثم قال تعالى:
* «وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ»
(ج): وفي موضع آخر، أكد الله فعالية «سنة الاختيار» في الوجود البشري فقال تعالى:
* «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ»:
– «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن»
– «وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ»
(د): وفي موضع آخر قال تعالى:
* «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ»:
– «إِمَّا شَاكِراً»
– «وَإِمَّا كَفُوراً»
(هـ): وفي موضع آخر قال تعالى:
* «وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»
أي لو أن مشيئة الله اقتضت أن يعيش الوجود البشري «مسيرًا» لكانت، ولكن الله لم يشأ، بقرينة صيغة النفي التي حملتها الآية.
# ثالثًا:
شرطا الهداية إلى «الصراط المستقيم»:
«الإيمان» و«العلم».
١- يقول الله تعالى:
* «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»:
– «أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ»
– «فَيُؤْمِنُوا بِهِ»
– «فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ»
– «وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا»
– «إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
٢- وكنى السياق عن التعامل مع القرآن بـ «غير علم» كمن يمشي مكبًا على وجهه، فقال تعالى:
* «أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى»
* «أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
٣- وبيّن الله تعالى أن «الراسخين في العلم» هم الذين يستطيعون مواجهة شبهات الملحدين الذين في قلوبهم زيغ.
فقال الله تعالى:
* «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»
– «يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ»
– «كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا»
– «وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ»
٤- وبيّن الله تعالى أن هذا القرآن الهادي إلى «صراط الله المستقيم»، في صدور الذين أوتوا العلم.
فقال الله تعالى:
* «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ»
– «فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»
– «وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ»
٥- وفي سياق ضرب الأمثال على دلائل الوحدانية، يحصر الله تعالى تعقل وفهم هذه الأمثال على العلماء العالمين.
يقول الله تعالى:
* «وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ»
– «وَمَا يَعْقِلُهَا»
– «إِلاَّ الْعَالِمُونَ»
وإن أول العلوم وأهمها في التعامل مع هذا القرآن وفهم آياته البيّنات واستنباط أحكامها، هو علم اللغة العربية:
فكيف تكون لغة القرآن الهادي إلى «صراط الله المستقيم» هي «اللغة العربية»، ثم يخرج المسلمون من بطون أمهاتهم، ويدخلون قبورهم، وهم لا يعلمون ولا يفقهون شيئا عن هذه اللغة العربية.
هذا في الوقت الذي يحصلون فيه على أعلى المؤهلات العلمية في العلوم المختلفة، وأولادهم في المدراس الأجنبية.
وقد أعطوا ظهورهم لـ «الفريضة الغائبة»، التي لو ماتوا وهي غائبة عن حياتهم، وهي فريضة «لغة القرآن»، ماتوا ميتة جاهلية.
«أَفَلاَ تَعْقِلُونَ – أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ»؟!
# رابعًا:
يستحيل أن نفهم «مسائل الغيب»، وما يتعلق بـ «فعاليات أسماء الله الحسنى» في هذا الوجود، بنفس «المُسَمّيات» التي عرفناها في «عالم الشهادة».
فعندما يخاطبنا الله تعالى عن «عالم الغيب» بـ «كلمات» نعلم «مُسَمّياتها» في «عالم الشهادة»، ككلمتي «صراط – مستقيم» فعلينا أن نعلم أنها من باب «المجاز»، لتقريب المعنى إلى أذهاننا، وليست من باب «الحقيقة».
ونحن في عالم الشهادة، نفهم أن «الصراط» هو الطريق السهل، وأن «المستقيم» هو الشيء الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء، وعليه فإن المعنى «المجازي» لـ «الصراط المستقيم» الوارد في قوله تعالى على لسان هود عليه السلام وهو يخاطب قومه:
* «إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم»:
– «مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا»
– «إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
١- أن السنن الإلهية في هذا الوجود قائمة على ميزان الحق والعدل الثابت الذي لا يتغير إلى يوم الدين.
٢- إن كلمة «عَلَى» الأولى:
* «إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ»
والثانية:
* «إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
تأتي في علم المجاز لـ «الاستعلاء» و«التمكن المعنوي» الراسخ الذي لا يتغير، كما في قول الله تعالى:
* «أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ»
٣- ولذلك، ومن بلاغة الأساليب القرآنية، أن هود عليه السلام في مقام «التوكل على الله» قال:
* «إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ»: «رَبِّي – وَرَبِّكُم»
لأن المقام مقام إبطال للأرباب التي كان قومه يعبدونها من دون الله، فأعلن أن توكله يتعلق بـ «الربوبية» التي تشمل الوجود كله:
* «مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا»
أما عند حديثه عن فعاليات أسماء الله الحسنى بوجه عام، لم يذكر ما هم في شك منه «وَرَبِّكُم»، واكتفى بـ «ربي» فقال:
«إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
ولم يقل: «إِنَّ رَبِّي {وَرَبِّكُم} عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
والسؤال:
كيف سيفهم القرآنيون هذه الآية، وهم يكفرون:
(أ): بعلوم اللغة العربية.
(ب): بمعاجم اللغة العربية.
(ج): بـ «منظومة التواصل المعرفي» التي حملت هذه المعاجم.
(د): بـ «الصلوات الخمس» التي جاءت هذه المنظومة ببيان كيفية أدائها ومواقيتها.
فهل سيساوي القرآنيّون بين «أفعال الله» و«أفعال العباد»، على أساس أنهم يوم القيامة سيقولون لله تعالى:
ألم تقل يا رب في القرآن:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»
* «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»؟!
فقد اجتهدنا لنفهم القرآن من داخل القرآن دون الاستعانة بأي مصدر خارجي.
* «قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا»
* «فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ»
والسبب:
أنهم يفترون على الله الكذب، وهم في يوم الحساب، فكيف فهموا القرآن من داخل القرآن، و«مُسَمَّيات» كلمات القرآن موجودة كلها خارج القرآن؟!
ومازالوا إلى يومنا هذا يعاندون عن «جهل».
ويتكبرون عن «غباء».
وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا!!
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم المسلمون القرآن، ويصبح من السهل أن تخترق شبهات الملحدين قلوبهم.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين كما أمرهم الله في القرآن، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله فأفدنا بعلمك.
٤- أما فيما يتعلق بـ «ما هو كائن» في حياة المسلمين، فيتحمل مسؤوليته كل مسلم، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى