يقول ابن منظور، في لسان العرب، عند تعريفه لـ “السنة”:
“وسَنَّ الله سُنَّة أَي بَيَّن طريقاً قويماً. والسُّنَّة: السيرة، حسنة كانت أَو قبيحة. وكل من ابتدأَ أَمراً عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سَنَّه”. اهـ
وهذا هو التعريف العام لـ “السنة” في قاموس اللسان العربي. ولكن انظر كيف اخترقت “المذهبية” هذا التعريف، وأخرج أصحاب المعاجم معنى الكلمة عن سياقها في اللسان العربي، لتوافق توجهاتهم العقدية!!
فيقول ابن منظور، بعد ما ذكر التعريف السابق:
“وإذا أُطْلِقَت في “الشرع” فإِنما يراد بها ما أَمَرَ به النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، ونَهى عنه، ونَدَب إليه، قولاً وفعلاً مما لم يَنْطق به الكتابُ العزيز، ولهذا يقال في أَدلة الشرع: الكتابُ والسُّنَّةُ، أَي القرآن والحديث”. اهـ
انظر إلى إقحام “الشرع وأدلته”، في “اللسان العربي”، الذي كان موجودا قبل بعثة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، وقد ظهرت أدلة الشرع التي يتحدثون عنها بعد قرنين من وفاة النبي!!
ثم انظر إلى قولهم: “مما لم يَنْطق به الكتابُ العزيز”، والذي يتعارض تماما مع معنى “السنة” في اللسان العربي، الذي ذكره ابن منظور سابقا، كما يتعارض مع معناه في السياق القرآني!!
إن “السنة” في السياق القرآني، وفي اللسان العربي، هي “طريقة أداء”، وليست “نصا مدونا”، فمن أين جاؤوا بـ “السنة” القولية، والتقريرية؟! وحتى “السنة العملية” التي حملتها مرويات الرواة، ونسبوها إلى النبي، لا تؤخذ على إطلاقها، فهي محكومة بما سميته بـ “منظومة التواصل المعرفي”، فيرجع إليها في المنشور بتاريخ 9-12-2013 [خامسا].
فأيهما أولى بالاتباع: “سنة الرسول” بمعناها القرآني، والذي يوافق اللسان العربي، أم “سنة المذاهب” بمعناها الروائي، الذي اصطلح عليه علماء السلف، كلٌّ حسب شروطه في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!
وإذا كان التعريف المذهبي لـ “السنة” يتهم النبي بأنه أمر المسلمين باتباع وحي قولي ثان اسمه “الأحاديث النبوية”، فهل يعقل أن يترك الله “الوحي” يأتيه الباطل، ليأتي المحدثون بعد قرنين من وفاة النبي، فيغربلون نصوص هذا الوحي، ويفصلون الحق عن الباطل، ثم يصنّفون الحق إلى حق “صحيح”، وحق “حسن”، وثالث “ضعيف” يُعمل به في فضائل الأعمال؟!
أفلا تتفكرون …. أفلا تعقلون …. أفلا تتدبرون!!!
* قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ (سُنَّةُ) الأَوَّلِينَ [38] الأنفال
* وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [11] كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [12] لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ (سُنَّةُ) الأَوَّلِينَ [13] الحجر
* وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً [76] (سُنَّةَ) مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ (لِسُنَّتِنَا) تَحْوِيلاً [77] الإسراء
* مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ (سُنَّةَ) اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [38] الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً [39] الأحزاب
* لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً [60] مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً [61] (سُنَّةَ) اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ (لِسُنَّةِ) اللَّهِ تَبْدِيلاً [62] الأحزاب
* اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ (سُنَّةَ) الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ (لِسُنَّةِ) اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ (لِسُنَّةِ) اللَّهِ تَحْوِيلاً [43] فاطر
* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا (سُنَّةَ) اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [85] غافر
* وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [22] (سُنَّةَ) اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ (لِسُنَّةِ) اللَّهِ تَبْدِيلاً [23] الفتح