إن كل شيء في هذا الوجود لا يكون له وجود أصلًا إلا بـ «اسم الله»، لذلك كان على المؤمن أن يجعل كل شؤون حياته باسم الله.
* «إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ – لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
* «وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ – وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
* «بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ – أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ – وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ – وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ – وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»
* «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ – وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً – وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ – وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ – فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً»
# أولًا:
لقد رُسِمَت كلمة «شيء» في القرآن بهذه الصورة الإملائية المعروفة «شيء»، ورُسِمَت مرة واحدة بزيادة ألف بين الشين والياء، هكذا «لِشَاْيءٍ»، في قول الله تعالى «الكهف / ٢٣»:
* «وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً:
– إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ
– وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ
– وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً»
والسؤال:
هل أخطأ الذين كتبوا القرآن فكتبوا كلمة «شيء» الموجودة في القرآن كله بهذه الصورة «شيء»، بإضافة الألف التي بين الـ «ش» والـ «ي»، فكانت «لِشَاْيءٍ»، ولم ينتبه إلى ذلك النبي، مع أنها نزلت تخاطبه؟!
والجواب:
إن هذه «الآية»، ضمن منظومة من الآيات البيانية البلاغية، التي نزلت لتقيم الحجة على العالم أجمع، وإلى يوم الدين، بأن القرآن كلام الله يقينا، وأن كل حرف فيه موجود في مكانه المحكم، ولا يعلم ذلك إلا من كان على علم بلغة القرآن وأساليبه البيانية.
# ثانيًا:
إن الكلمة بصورتها هذه «شيء»، وردت مئات المرات في سياقات متعددة لبيان:
١- علم الله المحيط بكل شيء في هذا الوجود:
يقول الله تعالى:
(أ): «البقرة / ٢٣١»:
* «وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»
(ب): «الإسراء / ٤٤»:
* «وَإِن مِّن – شَيْءٍ – إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»
٢- التعبير عن الأشياء التي يعرفها الإنسان:
(أ): «البقرة / ١٥٥»:
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»
(ب): «الكهف / ٧٠»:
* «فَلاَ تَسْأَلْنِي عَن – شَيْءٍ – حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً»
٣- التعبير عن مشيئة الله وإرادته المطلقة:
(أ): «المائدة / ١٧»:
* «يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
(ب): «النحل / ٤٠»:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا – لِشَيْءٍ – إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
# ثالثًا:
أما الكلمة التي صورتها «لِشَاْيءٍ»، فلم ترد في القرآن إلا مرة واحدة:
يقول الله تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا «الكهف / ٢٣»:
* «وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً – إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ – وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ – وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً»
وقبل الحديث عن سبب ورودها بهذه الصورة، تعالوا نفرق بين:
١- «الموجود في الأذهان»:
كقولك: سأقابل أحمد غدًا:
وصورة أحمد موجودة في ذهنك.
٢- «المعدوم في الأعيان»:
وهو أن «أحمد» اليوم غير موجود، «معدوم الوجود العيني»، ووجوده سيتحقق غدًا، وقد لا يتحقق لسبب لا يعلمه إلا الله.
# رابعًا:
١- إن علمنا بوجود شيء لا يتحقق بتصور «اسمه» في الذهن، وإنما بوجود «مُسَمّاه» على أرض الواقع.
أما علم الله تعالى فيشمل وجود الأشياء من قبل أن توجد أصلًا، فتدبر:
يقول الله تعالى «النحل / ٤٠»:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا – لِشَيْءٍ – إِذَا أَرَدْنَاهُ – أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
٢- وجاء بيان هذه الحقيقة الإيمانية بقول الله لرسوله «الكهف / ٢٣»:
* «وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً – إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ»
ولقد ميّز الله كلمة «شيء» في هذه الآية بعلامة تجعلها ذات شخصية مستقلة عن باقي الآيات التي حملت هذه الكلمة، للتنبيه على هذا الأصل الإيماني:
* «وَمَا تَشَاؤُونَ – إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ – إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيمًا»
ذلك أن «مشيئة الله» هي التي تحكم «مشيئة البشر».
فهذا «الشيء» الذي يريد الإنسان أن يفعله غدَا، قد يأتي الغد وهو غير موجود أصلا.
# خامسًا:
١- فإذا نظرنا إلى الآيتين من منطلق اشتراكهما في «لام الجر» التي سبقت كلمة «شيء»:
(أ): «النحل / ٤٠»:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِـ شَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
(ب): «الكهف / ٢٣»:
* «وَلاَ تَقُولَنَّ لِـ شَاْيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً – إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ»
تتضح الصورة أكثر عن سبب وجود حرف الألف بين الـ «ش» والـ «ي» في كلمة «لِشَاْيءٍ»، ذلك أن وجود هذا الحرف في هذا المقام يعني وجود «مسافة»: إما زمنية، أو مكانية، أو معنوية.
وهذه المسافة التي في كلمة «لِشَاْيءٍ» مسافة زمنية مؤجلة ومقيدة بشرطين:
* الأول: «إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً»:
أي البعد الزمنى: فقد لا يأتي الغد أصلًا عليك، أو على الشيء.
* الثاني: «إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ»:
المشيئة الإلهية: وذلك لأن الأمر معلقٌ بمشيئة الله.
فكلمة «لِشَاْيءٍ»: جار ومجرور متعلق بـ «تَقُولَنَّ»، أي: لأجل شيء تعزم عليه، إلا بأن يشاء الله، وطبعا أنت لا تعلم عن «مشيئة الله» شيئًا.
٢- أما قول الله تعالى «النحل / ٤٠»:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
فـ «البعد الزمنى» غير موجود أصلًا، ذلك أن «الشَيْء» موجود في علم الله، «إِذَا أَرَدْنَاهُ»، من قبل «كُن»، وبلا زمن «يَكُونُ».
# سادسًا:
هناك قاعدة أصولية من قواعد علم البيان تقول:
«إن زيادة المبنى دليل على زيادة المعنى»
أي أن زيادة «الألف» التي بين الـ «ش» والـ «ي» تضيف إلى الكلمة معنى جديدًا، وهو:
* «ألا يستخدم المسلم جملة {إن شاء الله} في تعاملاته اليومية»
ذلك أن علاقة المسلم بـ «مشيئة الله» علاقة «إيمانية غيبية»:
* «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»
ولذلك لا يجب أن يربط المسلم ما هو «غائب» عنه و«يجهله»، بواقعه «المشاهد» الذي «يعلمه»، فيقول:
«إن شاء الله»: سأنتهي من العمل غدا.
فإذا لم ينته من العمل غدا، لتقصير منه، قال:
إنها «مشيئة الله»، ولا يستطيع أحد أن يَرُدّ «مشيئته»؟!
ويقول نفس المقولة كل طالب فاشل عندما يرسب في الامتحان.
وإنما عليه أن يقول:
– «سأبذل كل جهدي»: للانتهاء من العمل غدًا.
– «سأبذل كل جهدي»: للوفاء بالدين غدًا.
فإذا بذل أقصى ما عنده من جهد، وشاء الله «لحكمة يعلمها» ألا يكلل جهده بالنجاح، هنا عليه أن يقول:
* «وَمَا تَشَاؤُونَ – إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ – إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً»
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري