طلب مني بعض الأصدقاء تبسيط موضوع «الميزان الصرفي» بمزيد بيان وتفصيل عن الدرس السابق، باعتباره الأساس الذي قام عليه «علم الصرف»، والذي يقوم عليه فهمنا لآيات الذكر الحكيم وأحكامها.
# أولًا:
ما هو علم الصرف؟!
هو علم من علوم اللغة العربية، له قواعده التي تدرس تحويل «الكلمة» من حالة إلى أخرى: كتحويل المفرد إلى مثنى أو إلى جمع، وتحويل الفعل الماضي إلى مضارع أو إلى أمر، وتحويل المصدر إلى فاعل أو إلى اسم مفعول …. إلى آخره.
مثال: كلمة «حَ مَ دَ»:
تتحول إلى:
«حامد وأحمد ومحمود ومحمد وحمدان وحمودة»
وأصلها واحد مع تغيير حرف أو حرفين، أو تغيير حركة بحركة أخرى.
# ثانيًا:
ما هو موضوع «علم الصرف»:
«علم الصرف»: يدرس «الكلمة المفردة» فقط، من حيث:
١- عدد أحرف الكلمة:
ثلاثية ـ رباعية – خماسية – سداسية.
٢- نوع كل حرف.
٣- ترتيب الحروف في الكلمة:
لأنك لو بدلت الحروف «تقديم وتأخير» أتيت بكلمة جديدة.
٤- ضبط كل حرف في الكلمة:
ما عدا الحرف الأخير، لأن الذي يتعامل مع الحرف الأخير هو علم الإعراب: «علم النحو».
# ثالثًا:
وما فائدة «علم الصرف»؟!
١- ضبط مفردات الكلمة العربية، والنطق بحروفها بطريقة صحيحة، وهو ما يُعرف بعلم «تقويم اللسان».
٢- معرفة أصول الكلمات.
٣- الاستعانة بهذا العلم لفهم آيات القرآن وأحكامها:
مثال: قول الله تعالى:
* «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»
قال المبتدعون من أئمة السلف:
يوم يدعى الناس بـ «أمهاتهم»، بدعوى أن «الإمام» من «الأم»، فكان الرد عليهم بـ «علم الصرف»، واشتقاق الكلمات، وأن كلمة «أم» تجمع على «أمهات» وليس «إمام».
# رابعًا:
وينقسم «علم الصرف» إلى ثلاثة أبواب:
١- وقبل ذكر الأبواب الثلاثة، يجب أن نعلم أن الكلمة تتكون من «اسم وفعل وحرف»، وعلم الصرف لا علاقة له بـ «الحروف» وأشباهها مثل:
(أ): الضمائر: لأنها شبيهة الحروف.
(ب): أسماء الإشارة.
(ج): اسم الموصول.
فيبقى عندما «الأسماء والأفعال»:
٢- الأبواب:
(أ): الباب الأول:
وهو يتعلق بالأحكام الصرفية الخاصة بالفعل، ذلك أن التغييرات في الفعل أكثر من التغييرات في الاسم.
(ب): الباب الثاني:
يتعلق بالأحكام الصرفية الخاصة بالأسماء.
(ج): الباب الثالث:
وهو يتعلق بالأحكام الصرفية المشتركة بين الأسماء والأفعال.
٣- واعتاد أئمة هذا العلم أن يبدؤوا الأبواب بمقدمة عن المصطلحات المستخدمة في «علم الصرف»، وأهمها:
(أ): الميزان الصرفي: وكيف توزن الكلمات.
(ب): بنية الكلمة:
وهي الحروف المكونة لها، وحركات ضبطها.
مثال:
أمامك صورة مكونة من ثلاثة أحرف: «ع ل م»:
بدون تشكيل، أي بدون «ضبط»، فكيف يمكن أن تقرأ هذه الكلمة؟!
تقرأ: «عِلْمٌ» – «عَلِمَ» – «عَلَّمَ» – «عُلِمْ» – «عَلَمْ».
فهذا التغيير الذي يحدث على الكلمة يُسمى «ضبط الكلمة» أو «صيغة الكلمة».
فإذا غيرنا حروف كلمة «عَلِمَ» لتصبح «عَمِلَ» نكون قد دخلنا في «بنية الكلمة» التي تتكون من:
– صورة الكلمة: «ع ل م».
– وصيغ نطقها: «عَلَّمَ» هذه صيغة، و«عُلِمْ» هذه صيغة ثانية، و«عَلَمْ» صيغة ثالثة … فهذه صيغ لصورة واحدة.
# خامسًا:
بالنسبة لـ «الاسم»:
فمعظم الكلمات الأصلية العربية المستخدمة عمليًا لا تزيد حروفها عن ثلاثية أو رباعية، والخماسية والسداسية نادرة.
أما بالنسبة لـ «الفعل»:
فإما أن يكون «ثلاثي» أو رباعي» فقط.
فعندما وجد أئمة اللغة العربية أن معظم الكلمات حروفها ثلاثة، مثال ذلك كلمة «فَعَلَ» التي تعني «أيَّ فعل»، كما نقول «أَكَلَ – ذَهَبَ – قَرَأَ …» كلها أفعال غير محددة بفعل معين.
١- الميزان الصرفي للكلمة «الثلاثية»:
فأخذ أئمة اللغة العربية كلمة «فَعَلَ» وسَمّوها «الميزان الصرفي» لكل كلمة في اللغة العربية من الكلمات «الثلاثية».
وجعلوا أول حرف من هذه الكلمة الثلاثية يسمى «فاء» الكلمة، ليقابل الحرف الأول في الفعل «فَعَلَ»، والحرف الثاني يسمى «عين» الكلمة، ليقابل الحرف الثاني في الفعل «فَعَلَ»، والحرف الثالث يسمى «لام» الكلمة، ليقابل الحرف الثالث في الفعل «فَعَلَ».
مثال: كلمة «جَلَسَ»:
الجيم: فاء الكلمة – اللام: عين الكلمة – السين: لام الكلمة.
وهكذا يكون «ميزان صرف» كلمات اللغة العربية «الثلاثية» كلها.
٢- الميزان الصرفي للكلمة «الرباعية»:
نزيد «لام» على فعل ميزان «فَعَلَ» فيكون الميزان الرباعي «فَعْلَلَ»:
مثال:
– جَلَبَ: ثلاثي: على وزن «فَعَلَ».
– جَلْبَبَ: رباعي: على وزن «فَعْلَلَ».
٣- الميزان الصرفي للكلمة «الخماسية»:
ميزان صرفها بزيادة «لام» ثالثة:
مثال:
– كلمة «فَرَزْدَق»: الميزان: «فَعَلَّلْ»
٤- وهناك حروف زائدة:
نضع كل حرف يقابل نفسه بنفسه، ولا مقابل له:
مثال:
– كلمة «غَفَرَ»:
ثلاثية: على وزن «فَعَلَ».
فإذا أضفنا «ا – س – ت» أصبحت «استغفر»، بثلاثة حروف زائدة، ويكون ميزان الصرف: «ا سْ تَ فْعَلَ»
– كلمة «جَهْدٌ»:
فإذا أضفنا إليها «ا – ت»: لتصبح «اجْتَهَدَ»، هنا نكون قد زدنا «ألف» قبل «فاء» الكلمة، أي «الجيم»، و«تاء» قبل «عين» الكلمة، أي «الهاء»، ويكون الميزان الصرفي: «افْتَعَلَ».
فـ «الميزان الصرفي»: أحرف ثلاثة أو أربعة أو خمسة، تقابل بها الكلمات الموزونة، أي نضع عليها الكلمات ونزنها «نطابقها»، فإذا حذفنا حرفًا من الكلمة نحذف حرفا من الميزان:
مثال:
كلمة «قولٌ» على وزن «فَعْلٌ»، فإذا حذفنا الواو وكانت الكلمة «قِلْ»، نحذف أيضا العين من الميزان ليصبح «فُلْ».
٣- وقد جمعوا أحرف الزيادة في كلمة:
سألتمونيها: «س أ ل ت م ون ي ه ا»:
وهذه الأحرف هي التي تقابل نفسها بنفسها في ميزان الصرف.
# سادسًا:
مثال: الفرق بين «صوم» و«صيام»:
١- «صيام»: على وزن «فِعَال»:
في هذا الوزن ما يشير إلى المشقة، نحو: قتال، جهاد … فعبر القرآن عن الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع المشقة بكلمة «صيام»، وجاء ذلك في قول الله تعالى «البقرة / ١٨٣»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
ويقول الله تعالى «البقرة / ١٨٧»:
* «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ … وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ – ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ»
ويقول الله تعالى «البقرة / ١٩٦»:
* «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ»
٢- وأصل كلمة «الصِّيَام»: «صوم»:
واكتسبت معناها السابق من زيادة حرف الألف في مبناها الذي هو «صوم»، و«في زيادة المبنى زيادة أو اختلاف في المعني»:
فوجدنا أن معنى كلمة «صوم» في السياق القرآني تخصّ صوم «اللسان» فقط، لقول الله تعالى في سياق قصة مريم، عليها السلام:
* «فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً – فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ: صَوْماً: فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً»
فـ «مريم» كانت تأكل وتشرب، ومع ذلك أمرها الله بـ «الصوم»: أي بالامتناع عن الكلام.
* ولذلك يمكن لـ «الصوم» عن الكلام أن يصاحب «الصيام»، إن أراد الصائم ذلك.
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري