# أولًا:
هناك من قَسّمُوا العرب إلى:
١- «عرب بائدة»:
ويقولون هؤلاء لم يعد لهم وجود، ومنهم «عاد» قوم هود، و«ثمود» قوم صالح.
والحقيقة أن هذه الإبادة لم تشمل كل القوم، لقول الله تعالى:
* «وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا – نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا – وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ»
* «فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا – نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا – وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ – إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ»
* «وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا – نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا – وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ – فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ»
إذن فالله تعالى لم يهلك الأمم كلها، وإنما أهلك الكافرين.
٢- «عرب عاربة»:
وهم العرب الذين سكنوا الجزيرة العربية، وأصبحوا هم شجرة العروبة فيها، جذورا وفروعًا، وأصبحت لذلك تُسمى بـ «جزيرة العرب» باعتبار أن سكانها لا يتحدثون غير اللغة العربية، بلهجاتها المتعددة التي نزلت بها أكثر من قراءة للقرآن، مع ثبات الكلمة، كما بيّنا ذلك في منشور الأمس.
* وهنا تظهر قيمة وحجية «منظومة التواصل المعرفي» على العالمين، إلا على الجهلاء الملحدين والقرآنيّين الغافلين.
# ثانيًا:
ولقد وصف الله «اللغة» التي كان ينطق بها لسان العرب من قبل بعثة رسوله محمد، بـ «العربية» لبيان أنها «لغة مبينة»، وليست كاللغة التي ينطق بها «لسان العجم»، فقال تعالى:
* «لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ – وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»
فوصف الله اللغة التي كان ينطق بها قوم رسوله محمد، بنفس صفة اللغة التي نزل بها القرآن، الذي أشار إليه بهذا «وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ».
وذلك لبيان أن كلمات هذا القرآن نزلت بيّنة واضحة يعلم قوم النبي محمد، معناها ومُسَمّياتها ودلالاتها، فالله تعالى لا يرسل رسولًا إلا باللغة التي ينطق بها لسان قومه:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
ونلاحظ أن كلمة «لِيُبَيِّنَ» من مادة «البيان» التي هي الوضوح والظهور والإظهار، وأن هذا «البيان» سيترتب عليه الهدى والضلال، كما بيّن الله ذلك بعدها:
* «فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
والسؤال:
من هم القوم الذين أرسل الله إليهم رسوله محمدًا، وما هي اللغة التي كانت تنطق بها ألسنتهم؟!
والإجابة:
نجدها في ذات «القرآن» الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد، ويقول فيه:
«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً – لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
إذن فاللغة التي كان ينطق بها لسان قوم النبي محمد من قبل بعثته هي «اللغة العربية» التي لم تكن وليدة عصر التنزيل وإنما امتدت جذور شجرتها وفروعها من قبله قرونًا من الزمن.
ولقد وُلد رسول الله، وسمّي باسم «محمد»، وكان ذلك في عصر الجاهلية من قبل بعثته، ثم بعثه الله وأرسله بالقرآن الذي ذُكر فيه اسم «محمد» في أكثر من موضع، بل وسُمّيت سورة كاملة باسمه «سورة محمد».
فهل هذا الاسم «محمد» اسمٌ عربيٌ، أم انجليزيٌ، أم هنديٌ؟!
# ثالثًا:
فإذا ذهبت تبحث عن نشأة اللغة العربية، ستجد أن الجميع يتفق على أنها إما أن تكون:
١- توقيفية:
أي من الله تعالي، ويمثل هذا الفريق «ابن فارس / ت ٣٩٥ هـ» الذي قال في كتابه «الصحابي – باب القول على لغة العرب، أتوقيف أم اصطلاح»:
«أقول: إن لغة العرب توقيف، ودليل ذلك قوله جل ثناؤه:
* «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»
ورأى أن اللغة العربية كلها أصولًا وفروعًا إلهية المنشأ، وأنها وصلت إلينا عن طريق الأنبياء على نحو متتابع حتى اكتملت بظهور الإسلام.
٢- توافقية:
أي أن الناس اتفقوا على وضعها، ويمثل هذا الفريق «ابن جني / ت ٣٩٢ هـ» وهو ممن قالوا في كتابه «الخصائص» بأن مصدر لغات البشر الأصوات المسموعات من الطبيعة.
والذي دفع «ابن جني»، الذي كان معاصرًا لابن فارس، إلى هذا القول عن نشأة اللغات، أنه كان «معتزليًا» وخاض مع الخائضين في مسألة «الأسماء والصفات»، كما ظهر ذلك جليًا في كتابه «الخصائص» وكتابه «المحتسب».
إلا أنه أخيرًا، أراد أن يمسك العصا من المنتصف، فجاء وقال في كتابه «الخصائص ج١/ ٤٧» بعد أن بيّن أنه مذهبه:
«وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل»
قال بعد ذلك:
«واعلم فيما بعد، أنني على تقادم الوقت، دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع، فأجد الدواعي والخوالج قوية التجاذب لي، مختلفة جهات التغول على فكري، وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة، الكريمة اللطيفة، وجدت فيها من الحكمة والدقة، والإرهاف، والرقة، ما يملك عليّ جانب الفكر، حتى يكاد يطمح به أمام غَلْوِة السحر.
فمن ذلك ما نبه عليه أصحابنا رحمهم الله، ومنه ما حذوته على أمثلتهم، فعرفت بتتابعه وانقياده، وبُعد مراميه وآماده، صحة ما وُفّقوا لتقديمه منه، ولُطفَ ما أسعدوا به، وفُرِق لهم عنه، وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله جل وعز، فقوي في نفسي اعتقاد كونها توفيقًا من الله سبحانه، وأنها وحي»
* أقول:
نفهم من هذا النص، أن ابن جني وافق ابن فارس «وهما زعماء اللغة وفقهها» في أن اللغة توقيفية، إلا أنه لا يجزم بأحد الرأيين.
مع ملاحظة هامة:
أن ابن فارس يُسمى كتابه «مقاييس اللغة»، وهو الكتاب الأساس والمرجع الأول، في قراءة شحرور الإلحادية للتنزيل الحكيم.
وابن جني يُسمي كتابه «الخصائص» وهو كتاب في فقه اللغة وفلسفتها.
ولم يخلو الكتابان من ذكر كلمة «اللغة» في معظم صفحات الكتابين، وهما من القرن الرابع الهجري.
ثم يأتي الغلمان اليوم ويقولون: من أين جئت بكلمة اللغة؟!
# رابعًا:
والحقيقة التي يشهد بها «القرآن»، وتشهد بها «الرسالات الإلهية» على مر العصور، أن الله تعالى حفظ لغة كل قوم بصرف النظر عن أصلها هل كانت توقيفية أم توافقية، وبرهان ذلك مسألة منطقية وهي أن الله أرسل كل رسول باللغة التي ينطق بها لسان قومه.
والسؤال:
١- عندما ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه، وتلقى الألواح:
* «وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ – مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً – وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ»
هل كانت هذه الألواح مكتوبة بلغة غير التي عرفها قوم موسى، وكانت تنطق بها ألسنتهم من قبل أن يتلقى موسى من ربه الألواح؟!
ثم هل يُعقل أن يوحي الله تعالى لأنبيائه «كلامًا» لم تنطبع «مُسَمّياته» في قلوبهم، وفي قلوب أقوامهم من قبل إنزاله؟!
وهل عندما قال الله تعالى:
* «الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَان * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»
هل أنزل الله «الْقُرْآنَ» على رسوله محمد بغير اللغة العربية التي كان ينطق بها لسان قومه، والتي بدونها يستحيل أن يتحقق هذا البيان «عَلَّمَهُ الْبَيَانَ» الذي أشار الله إليه في قوله تعالى:
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»؟!
٢- ألم ينشأ إسماعيل، عليه السلام، بين العرب في منطقة الجزيرة العربية؟!
إن إسماعيل، عليه السلام، كان رسولًا نبيًا:
* «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً»
فأين كان يعيش رسول الله إِسْمَاعِيلَ؟!
لقد كان إِسْمَاعِيلَ يعيش في الجزيرة العربية:
* «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ»
فأين يوجد «بَيْتُ اللهِ الْمُحَرَّمِ»؟!
يوجد في بلد اسمها «مكة» على أرض في منطقة اسمها «بكة»، فتدبر:
* «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ:
– لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ
– فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ
– وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً
– وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
– وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ»
فمن أين عرفنا «مُسَمّيات» كل كلمة من كلمات الآيات السابقة؟!
عرفناها وتعلّمناها من «منظومة التواصل المعرفي»، التي ينكر حجيتها في فهم القرآن الملحدون الكافرون بهذا القرآن.
* فيا أهل التلبيس والتدليس على الغافلين أمثالكم:
«أَفَلاَ تَعْقِلُونَ – أَفَلاَ تُبْصِرُونَ»؟!
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري