١- الكلمتان «مَتَابِ – مآب» في قول الله تعالى «الرعد / ٣٠-٣٦»:
* «قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ»
* «قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ»
نلاحظ أن الباء مكسورة «بِ» في الكلمتين: «مَتَابِ – مَآبِ» لتعود على القائل، الذي هو الرسول، بمعنى «وَإِلَيْهِ مَتَابِي»، و«وَإِلَيْهِ مَآبِي».
ولكن الدارس لعلم السياق يعلم أن الخطاب ليس لرسول الله فقط، ذلك أن مهمة الرسول هداية الناس جميعًا إلى الوحدانية، كما ورد ذلك في السياقات القرآنية التي حملت دعوة الناس إلى عبادة الله وعدم الإشراك به، كقوله تعالى:
* «وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا»
٢- كلمة «الدعاء» في قول الله تعالى «إبراهيم / ٤٠»:
*«رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ»
وهنا حذفت أيضا الياء من «دُعَاءِ» لبيان أن المراد تقبل الدعاء بصفة دائمة، وليس في هذا الموقف فقط، وبقرينة «وَمِن ذُرِّيَّتِي»، أي تقبل يا رب الدعاء مني ومن ذريتي بصفة دائمة.
٣- كلمة «دين» في قول الله تعالى «الكافرون / ٦»:
* «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»
فقد حذفت الياء من «دِينِ» بقرينة سياق السورة:
* «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»
حيث يُبيّن السياق ثبات كل فريق على الدين الذي يؤمن به، فالكافرون ثابتون على دينهم، ورسول الله محمد ثابت على دينه لا يتحول عنه ولا يرضى بغيره.
فإذا ذهبنا إلى قول الله تعالى «يونس / ١٠٤»:
* «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ:
– إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي
– فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ
– وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ
– وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
فقد جاءت الياء مثبتة في كلمة «دِينِي» لأن سياقها في الرد على الكافرين «الشاكين» في دين الله، وبيان استحالة أن يعبد الرسول ما يعبده الكافرون، أي أن الحديث عن «الشك واليقين» لا عن استمرار العبادة وتواصلها.
ولذلك نجد إثبات هذه «الياء» في قوله تعالى «الزمر / ١٤»:
* «قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي»
لأن السياق يتحدث عن «إخلاص العبودية لله» الذي لا تراجع فيه، وليس عن الاستمرار في اتباع هذا الدين.
٤- كلمة «عباد» جاءت في أربعة مواضع بدون إثبات الياء:
(أ): في قول الله تعالى «الزمر / ١٠»:
* «قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ»
لبيان أنهم مستمرون على العبادة، والله تعالى يأمرهم بالتقوى والصبر والهجرة، إن لم يتمكنوا من المحافظة على التمسك بدينهم.
(ب): في قول الله تعالى «الزمر / ١٦»:
* «لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ»
وذلك لبيان أن الذين يتقون هذه النار، بهذه الصورة التصويرية المقصود إظهارها للترهيب، هم الذين يستمرون على إخلاص عبوديتهم لله تعالى ويتقونه في كل شأن من شؤون حياتهم.
(ج): في قول الله تعالى «الزمر / ١٧»:
* «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ»
لأن هذه البشرى لا ينتفع بها إلا المؤمنون المُستَمرّون على إخلاص عبوديتهم لله تعالى، وعلى اجتناب الطاغوت، والإنابة إلى الله دومًا.
(د): في قول الله تعالى «الزخرف / ٦٨»:
* «يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ»
وهؤلاء هم «أهل الجنة» الذين قال الله فيهم:
* «إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»
هؤلاء الذين لم يفتنهم الشيطان، واستمروا على إخلاص عبوديتهم لله تعالى حتى يوم الحساب.
٥- وجاءت كلمة «عباد» في سبعة عشر موضعًا بإثبات الياء، وذلك في حالات الترهيب من عدم الالتزام والتمسك والثبات على دين الله، ومنها:
(أ): قول الله تعالى «البقرة / ١٨٦»:
* «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
لأن السياق يتحدث عن دعوة عباد الله إلى الاستجابة لله والإيمان به «لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».
(ب): قول الله تعالى «إبراهيم / ٣١»:
* «قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ»
حيث الأمر بإقامة الصلاة والإنفاق…، من قبل مجيء يوم لا يستطيعون فعل ما أمرهم الله به.
(ج): قول الله تعالى «الحجر / ٤٩-٥٠»:
* «نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ»
لأن السياق سياق ترهيب، مع بيان أن الله هو «الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»
(د): قول الله تعالى «الإسراء / ٥٦»:
* «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً»
(هـ): قول الله تعالى «الكهف / ١٠٢»:
* «أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ – إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا»
لأن السياق هنا يتحدث الذين وقعوا أو يمكن أن يقعوا في ملة الكفر باتخاذ من دون الله أولياء.
(و): قول الله تعالى «العنكبوت / ٥٦»:
* «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ»
بقرينة قوله تعالى بعدها لبيان أن من لا يفارق أرضه من أجل طاعة الله وفي سبيل الله، فإنه سيفارقها بالموت:
* «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»
(د): قول الله تعالى «الزمر / ٥٣»:
* «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»
وهنا أثبتت الياء لأن السياق يتحدث عن إتيانهم بما يخل بعبوديتهم لله بسبب إسرافهم في المعاصي، وفتح باب التوبة لهم.
هذه فقط بعض الإشارات، وبإيجاز جدا، لبيان أن قراءة القرآن بدون تدبر أساليبه البيانية البلاغية، لن تثمر غير مزيد إعراض عن آيات الذكر الحكيم:
* «ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ»
والوقوع في حبائل الشيطان، ومكائد الملحدين:
* «أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
– بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً
ـ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
– وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ
– وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً»
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري