نحو إسلام الرسول

(1429) 13/5/2020 «ابن تيمية بين قوسين»

بمناسبة موضة الهجوم على ابن تيمية، كتب أحد الذين لا أعرف لهم ملة ولا دين، منشورًا يقول فيه:

إن فلان «أحد غلمان التنوير الذي صنع الجهل نجوميته»، هو أول من فضح ابن تيمية وكشف عن صورته الإرهابية.

وطبعا قوله هذا حسب علمه القاصر.

# أولًا:

في الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات، لم تكن لمحمد السعيد مشتهري مهمة غير هدم التراث الديني لجميع الفرق الإسلامية، وليس فقط فرقة أهل السنة التي تخصص فيها أدعياء التنوير.

ومن ملف إشكاليات أئمة فرقة أهل السنة العقدية والفقهية، اخترت لكم مقالين:

# ثانيًا:

المقال الأول في «٢/ ٥/ ١٩٩٤» بعنوان:

«ابن تيمية بين قوسين»

وهذا نص المقال:

لقد بدا واضحًا الآن أن العنف الذي يُفجر قنابله في وجوهنا إنما يستند إلى فتاوى تراثية التصقت بالدين وألصقت به تهمة الإرهاب.

وكم تكلمنا كثيرًا عن ضرورة تبرئة الإسلام من هذا التراث الذي ينبت سموم التطرف والإرهاب، ولكن من العجيب أن صحفًا مسؤولة لا تزال تدافع عن أصحاب الفكر السلفي المتطرف، وكأنها تضعهم بين قوسين لتحميهم من نقد الناقدين.

فقد نشرت جريدة الأخبار، «عدد الجمعة ٢٢/ ٤/ ١٩٩٤» مقالا بعنوان:

«ابن تيمية المفترى عليه»

ونشرت جريدة الأهرام في نفس اليوم، «عدد الجمعة ٢٢ / ٤/ ١٩٩٤» مقالَا بعنوان:

«شيخ الإسلام ابن تيمية وفكره وسلوكه»

وذلك فيما يبدو في إطار موجة للدفاع عن ابن تيمية وتبرئته من التهم التي ألصقت به في الآونة الأخيرة.

وفات من كتب المقالين أنه لا خلاف حول قيمة ابن تيمية كمفكر سلفي مجتهد، فهو ابن لعصره الذي كان عصر تخلف فكري.

ثم إن الاضطهادات التي واجهها ابن تيمية وجعلته ينتقل من حبس إلى نفي إلى تآمر عليه بالقتل، أدت إلى أن تكون فتواه أكثر حدة وأشد عدوانية، ولا يمكن أن يختلف اثنان في أنه بشر يخطئ ويصيب وأن اجتهاده لعصره يحتمل الخطأ والصواب.

وكنا نطمع في تحليل حيادي لأفكار هذا الرجل التي نبت منها العنف والتطرف، ولكن المكتوب عنه في الجريدتين تجاهل ذلك وأسهب في إضافة المناقب إليه.

ويكفينا في هذا المقال أن نشير إلى بعض الفتاوى التي قامت عليها دعائم التطرف:

١- يقول ابن تيمية «كتاب الفقه، الجزء الثاني، الصلاة ص ٢٧»:

«وسئل عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار لأشغال لهم من زرع … فأجاب:

ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ، أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب، فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم ذلك، وإن قال لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد أو غير ذلك فإنه يقتل». انتهى

ونحن نتفق معهم في أن تأخير صلاة النهار إلى الليل ذنب عظيم جدا، ولكن العقوبة مرجعها إلى الله تعالى، وليس بإقامة حد القتل.

والعجيب أن الحديث الذي استشهد به ابن تيمية على فتواه «من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله» لا يتضمن إشارة إلى القتل أو الاستتابة، وإنما يرجئ العقوبة إلى الله تعالى بإحباط العمل.

٢- وفي كتاب الفقه الجزء الثالث «السهو والاعتذار ص ٢٥٤»، سئل عن رجل جار للمسجد ولم يحضر مع الجماعة الصلاة ويحتج بدكانه فأجاب:

«الحمد لله، يؤمر بالصلاة مع المسلمين، فإن كان لا يصلي فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإذا ظهر منه الإهمال للصلاة لم يقبل قوله: إذا فرغت صليت، بل من ظهر كذبه لم يقبل قوله، ويلزم بما أمر الله به ورسوله». انتهى

ثم نراه عنيفا مع مخالفيه في رأيه الفقهي مطالبا بسفك دمائهم لمجرد مخالفته في الرأي:

ففي قضية صلاة السفر، كتاب الفقه، الجزء الثاني، الصلاة ص ٣١ يقول:

«ومن قال إنه يجب على كل مسافر أن يصلي أربعا فهو بمنزلة من قال: إنه يجب على المسافر أن يصوم شهر رمضان، وكلاهما ضلال مخالف لإجماع المسلمين يستتاب قائله، فإن تاب وإلا قتل». انتهى

ومع قوله إن هذه المسألة حل نزاع مشهور بين العلماء، جاءت فتواه على النحو الذي أشرنا إليه.

وبعد أن أباح دم العلماء المخالفين له في الرأي، انتقل إلى دائرة أوسع، فحكم بإراقة دم الطوائف التي تخالفه في المذهب تحت شعار واسع مطاط هو قتل الداعي إلى البدع في الدين.

يقول في «كتاب الفقه، الجهاد ص ١٠٨-١٠٩» عبارة عائمة يسهل تفسيرها على كل وجه:

«ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعي إلى البدع في الدين». انتهى

من المعلوم عند علماء الفرق الأوائل ومؤلفي كتب الملل والنحل أن «الفرق الإسلامية» إسلامية كلها، وهذا ابن حزم في كتابه الملل والنحل ج١ ص ١١١، يقول:

«فرق المقرين بملة الإسلام خمسة وهم أهل السنة، والمعتزلة، والمرجئة، والشيعة، والخوارج، ثم افترقت كل فرقة من هذه إلى فرق، وأكثر افتراق أهل السنة في الفتيا». انتهى

وجاء عصر ابن تيمية فوجدناه يتهم خصومه بالفساد في الأرض وبالتفريق لجماعة المسلمين وبالدعوة إلى البدعة في الدين وهى تهم من الممكن أن يوجهها خصومه إليه بل حدث فعلا في المحاكمات التي عقدت له أن وجهت له تهم شبيهة بهذا.

وعليه فإن هذه الفتوى تعتبر تصريحا لكل فرقة إسلامية لكي تقتل الأخرى، ونحن نرى التطبيق العملي لهذه الفتوى في شوارعنا وأجسادنا، والوضع في أفغانستان لا يخفى على أحد.

إن الدارس لكتب ابن تيمية وفتاواه يجد فيها الكثير من التناقض، وذلك موضوع شرحه يطول ونرجو أن نعود إليه في لقاء آخر.

«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»

انتهى المقال الأول.

# ثالثًا:

المقال الثاني نُشر في ٩/ ٥/ ١٩٩٤» بعنوان:
«ابن تيمية وفقه الرق»

وهذا نص المقال:

طلع علينا ابن تيمية بإباحة الاسترقاق للعرب والعجم «الفتاوى ـ كتاب الوقف ـ باب العتقى، بعد سبعمائة سنة من بعثة النبي محمد، عليه السلام.

النبي الذي انتظرته البشرية وبشر به الأنبياء وختم الله تعالى به الرسالات، والذي كان مجيئه لإعلاء كرامة الإنسان وتخليص العبيد من أسر الرق وفك الرقاب من الإسار والأغلال.

سئل الشيخ عن رجل قرشي تزوج بجارية مملوكة فأولدها ولدا، هل يكون الولد حرا أم يكون عبدا مملوكا؟!

ونحيل القارئ إلى إجابة ابن تيمية ليفاجأ بما يلي:

استناده إلى جواز استرقاق العرب والعجم بما جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:

لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«هم أشد أمتي على الدجال»

وجاءت صدقاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«هذه صدقات قومنا»

قال: وكانت سبية منهم عند عائشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل»

ثم ذكر حديثا لمسلم عن فضل قول:

«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»

عشر مرات يساوي عتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل.

ويتخذ ابن تيمية من هذا الحديث دليلا على جواز استرقاق العرب فيقول:

ففي هذا الحديث إن بني إسماعيل يعتقون، فدل على ثبوت الرق عليهم.

ولنا هنا وقفة:

فنص يوجب التحرير والعتق يتخذه ابن تيمية دليلا على جواز الاستعباد والرق.

والنص الذي يفتح بابا للحرية وإطلاق السراح يتخذه ابن تيمية بابا للدخول إلى ذل العبودية وجواز الاسترقاق.

في الوقت الذي لا علاقة للنص بجواز الاسترقاق.

فهذه الجارية استرقت من خلال أحداث حروب جاهلية وكان وجودها بين المسلمين فرصة لنيل الحرية عند أول سبب وأهونه «كالحنث في اليمين مثلا».

فانظر كيف يقرأ ابن تيمية النصوص بالمقلوب، ويفهمها بالعكس، ويفتي بما لم ينزل الله به من سلطان، ويستنتج من نصوص الحث على عتق من نجده قد استعبد من العرب أو بني إسماعيل دلالة عكسية على جواز استرقاقهم وحتى عام ٧٢٠ هـ، أي حتى عصره.

وهو بمذهبه هذا يكون مخالفا لقول الله تعالى الذي أغلق باب الرق من الحروب إلى الأبد «محمد / ٤»:

«فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا:

– فَضَرْبَ الرِّقَابِ

– حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ

– فَشُدُّوا الْوَثَاقَ

– فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء

– حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا»

أي أن الأسرى ليس لهم في الإسلام إلا المن أو الافتداء.

ثم يقول ابن تيمية بعد ذلك:

«وأيضاً فسبب الاسترقاق هو الكفر بشرط الحرب، فالحر المسلم لا يسترق بحال، والمعاهد لا يسترق، والكفر مع المحاربة موجود في كل كافر، فجاز استرقاقه كما يجوز قتاله، فكل ما أباح قتل المقاتلة أباح سبي الذرية، وهذا حكم عام في العرب والعجم.

وبالنسبة للعرب فقد نقل ابن تيمية عدم جواز استرقاقهم أو ضرب الجزية عليهم عن بعض الأئمة، إلا أنه اختار جواز الاسترقاق.

والأعجب من ذلك أنه ذكر سبب الاسترقاق هو الكفر مع الحرب، ثم ناقض نفسه وجعل كل كافر محاربًا، وأجاز استرقاقه بقوله:

«الكفر مع المحاربة موجود في كل كافر»

وهذا التكييف الفقهي كان مجاراة لاتجاه مرضي في الثقافة التراثية التي عاش فيها وتربى عليها ابن تيمية.

«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»

انتهى المقال الثاني

* أقول:

إن محمد السعيد مشتهري لو فتح ملفات ليس فرقة أهل السنة فقط، وإنما ملفات الفرق الإسلامية كلها، لدخل أدعياء التنوير جحورهم.

هؤلاء الذي فسدت بضاعتهم التراثية الروائية من كثرة عرضها وتكرارها، والعيب ليس فيهم، وإنما في الذين يقبلون أكلها فاسدة.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى