# أولًا:
إن الحرف من كل شيء:
طرفه وجانبه، يقال: فلان على حَرْفٍ من أمره: ناحية منه، إذا رأى شيئا لا يعجبه عَدَلَ عنه، ويقول الله تعالى «الحج / ١١»:
«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ – فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ – وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ – خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ – ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»
أي يعبد الله في السَّراء لا في الضَّراء.
* إن الحرف من حروف الهجاء يدل على معانٍ في غيره، وهو يربط بين أجزاء الكلام.
* وحروف الجر هي:
«من، إلى، حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على، مُذْ، مُنْذُ، رُبَّ، اللام، كي، واو، وتا، والكاف، والبا، ولعلَّ، ومتی»
ويلاحظ:
– أن هناك عشرة حروف لا تجر إلا الأسماء الظاهرة، وهي:
«مُذْ، مُنْذُ، حتى، الكاف، الواو، رُبَّ، التاء، كي، لعل، متی»
– والحروف العشرة الباقية:
«من، إلى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على، اللام، الباء»
تجر الأسماء الظاهرة والمضمرة.
# ثانيًا:
حرف «الباء»:
حرف جر مبني على الكسر، يجر الاسم الظاهر والمضمر، ومن أهم معانيه:
١- الإلصاق:
كقولك: مررت بزيد، فالباء ألصقت مرورك بزيد.
ودلالة الإلصاق إما حقيقة أو مجازا:
(أ): الحقيقية:
«أمسكتُ اللصَّ بيدي»
أي ألصقت يدك به.
(ب): المجازية:
«مررت بخالد»
والمعنى: التصق مروري بموضع يقرب منه.
ويقول الله تعالى:
* «وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ»
* «وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»
* «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ»
٢- التعدية:
وتسمى «باء النقل»، لأنها تؤدي إلى تعدية الفعل اللازم إلى مفعول به، وتأتي بمعنى «الهمزة»:
يقول الله تعالى:
* «وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ»
بمعنى: لأَذَهَبَ سَمْعَهم وَأَبصَارهم»
٣- الاستعانة:
وهي الباء الداخلة على آلة الفعل، نحو:
«كتبتُ بالقلم – سافرتُ بالسيارة – عمل النجار بالقدوم»
وقول الله تعالى:
* «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
* «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»
* «وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ»
٤- السببية أو التعليل:
وقول الله تعالى:
* «إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ»
أي بسبب «اتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ».
* «فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ»
* «لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ»
٥- المقابلة أو العوض أو البدل:
كقولك: «اشتريت الكتاب بعشرة جنيهات».
وقول الله تعالى:
* «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ»
* «اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً»
* «وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ»
٦- المصاحبة:
وهي التي تعطي معنی «مع»، وقول الله تعالى:
* «قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ»
أي «جَاءكُمُ الرَّسُولُ» ومعه الحق.
* «كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ»
* «فَأَثَابَكُمْ غُمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ»
٧- الظرفية:
وعلامتها أن توضع كلمة «في» مكانها، ومن ذلك قوله تعالى:
* «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ»
* «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»
* «إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى»
٨- بمعنى «عن»:
ومن ذلك قول الله تعالى:
* «الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً»
* «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»
* «نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ»
ويؤكد ذلك قول الله تعالى «الأعراف / ١٧»:
* «وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ»
٩- التبعيض:
تأتي بمعنى «من»:
يقول الله تعالى:
* «عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ»
* «فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ»
١٠- الاستعلاء:
وتأتي بمعنى «على»:
يقول الله تعالى:
* «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ»
أي: على قنطار.
* «وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ»
أي: مروا عليهم.
* «وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»
١١- وتأتي بمعنى «إلى»:
يقول الله تعالى:
* «وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ»
أي: أحسن إليَّ.
١٢- الملابسة: أي متلبسا بالشيء.
* «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ»
* «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ»
* «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ»
# ثالثًا:
لماذا أنزل الله القرآن على قلب رسوله محمد، فقال تعالى «الشعراء / ١٩٢-١٩٥»:
* «وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ:
– نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ
– عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ
– بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ»؟!
١- عندما يقول الله تعالى:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ – إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ – لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
(أ): فإن أول الطريق بالنسبة لـ «العقلاء»، أن يبحثوا عن اللغة التي كان ينطق بها لسان قوم رسول الله محمد.
(ب): لأن هذه اللغة هي التي نزلت بها القرآن، يخاطب قوم رسول الله محمد.
(ج): لأن الله لو خاطب قوم رسوله محمد، بلغة غير التي سمعتها «آذانهم»، ونطقت بها «ألسنتهم»، من قبل بعثة رسوله محمد، لسقط البيان «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»، ولأصبح القرآن بالنسبة لهم «أعجميًا»، والله تعالى يقول في هذا القرآن:
* «لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ – وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»
أي وهذا هو اللسان العربي المبين، الذي كانت تنطق به ألسنتكم من قبل نزول القرآن بقرون من الزمن، بأساليبه البيانية البلاغية، ومع ذلك لم يستطع الإنس والجن أن يأتوا بمثله.
٢- عندما يقول الله تعالى:
«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ»
فإن هذه الآية من أعظم البراهين القرآنية التي تنسف إلحاد الملحدين في آيات الله وأحكامها، الذين يفترون على الله الكذب ويدّعون أن أحكام القرآن كلها مبيّنة ومفصّلة داخل القرآن، ويتبعهم الغافلون المغفّلون.
ذلك أن الله تعالى لو أنزل آية واحدة، لم تكن «مُسَمَّيات» كلماتها مطبوعة في قلب رسوله محمد من قبل نزولها، ما فهم الرسول معناها، وكأن الله تعالى يخاطبه باللغة الروسية التي لم يسمع عنها رسول الله مطلقا.
إن هذا هو الذي يدعيه أصحاب بدعة «القرآن وكفى»، الذين يتعاملون مع كلمات القرآن، بمعزل عن:
«منظومة التواصل المعرفي»
التي حملت لرسول الله محمد، ولجميع الرسل من قبله، ولشعوب العالم أجمع، «مُسَمَّيات» كلمات اللغة التي تنطق بها ألسنتهم.
٣- لقد نزل القرآن الكريم: «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ»
واللسان العربي المبين ينقسم إلى:
(أ): «كلمات»:
نزلت بها الرسالات.
(ب): «مسميات»:
وهي المقابل الكوني لـ «الكلمات» الموجود في آيات الآفاق والأنفس، والذي حملته «منظومة التواصل المعرفي» للوجود البشري، من لدن آدم.
فهل عندما نزل قول الله تعالى:
* «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ:
– الْمَيْتَةُ – وَالْدَّمُ – وَلَحْمُ – الْخِنْزِيرِ … وَالْمُنْخَنِقَةُ – وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ – وَالنَّطِيحَةُ …»
أنزل الله مع هذه الآية، «مُسَمَّيات» هذه الكلمات وصورها، ملحقة بالمصحف؟!
* «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا:
– لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا
– أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ
– أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
– اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ
– إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري