إننا عندما نتحدث عن العلم، فإننا نتحدث عن منهجية علمية، تحمل أدوات وبراهين علمية، يجب على من يريد أن يكون عالمًا في مجال معين، أن يَحْمِلْهَا ويَتَحَمَّلها.
ولا يوجد «علم» من العلوم المختلفة، إلا وهو قائم على «لغة»، أي على «أسماء» و«مسميات»:
إن «الكيميائي» يستحيل أن يتعامل مع «اسم» مادة من المواد الكيميائية، إلا إذا كانت صورة «مُسَمَّاها» مطبوعة في قلبه.
و«الصيدلي» يستحيل أن يأتي بـ «اسم» الدواء المطلوب منه، إلا إذا كان يعرف «مُسَمَّاه» فيذهب ويُحضره لطالبه.
# أولًا:
لقد تعلمت شعوب العالم «الأسماء» و«المسميات» في سن الطفولة، قبل أن يقرأ الإنسان الكتب ويفهم معنى كلماتها، لا فرق بين قراءة «الكتاب الإلهي» و«الكتب البشرية» لأن الكل يستحيل قراءته قبل تعلم كيفية النطق بحروف اللغة التي كتبت بها هذه الكتب، وكيفية فهم معنى كلماتها.
فإذا ذهبنا إلى كتاب الله الخاتم، القرآن الكريم، وجدناه مكونًا من حروف الهجاء العربية، وهي التي تُكوّن كلماته، وكل كلمة فيه «اسم – فعل – حرف» لها أكثر من معنى وأكثر من استخدام في الجملة العربية.
فمثلًا:
إن معظم المسلمين، عندما يسمعون أو يقرؤون جملة فيها حرف «عَلَىَ» يفهمون أنها تعني وضع شيء فوق شيء، أي أن هناك شيئًا يعلو فوق شيء.
فإذا ذهبنا إلى القرآن الكريم، نجد أن هذا المعنى، الذي يعرفه المسلمون، قد ورد في قول الله تعالى:
* «وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً»
والسؤال:
هل كلمة «عَلَىَ» وردت في القرآن كله بهذا المعنى السابق؟!
سآتي لكم بعشر آيات فقط، حملت كلمة «عَلَىَ»، وذلك لبيان أن تعلم «اللغة العربية» فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
إن «اللغة العربية» هي باب الدخول الوحيد في «دين الإسلام»، فكيف تُقر بصحة «الآية القرآنية العقلية» التي هي شرط دخولك في «دين الإسلام» وأنت تجهل لغتها العربية؟!
فهذه هي الآيات، وحاول أن تفهمها بمعنى:
«وضع شيء فوق شيء»
١- «فَخَرَجَ – عَلَى – قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ»
٢- «وَيَتُوبُ اللَّهُ – عَلَى – مَنْ يَشَاءُ»
٣- «وَلَمَّا دَخَلُوا ـ عَلَى – يُوسُفَ»
٤- «وَيَطُوفُ – عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ»
٥- «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ – عَلَى – حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا»
٦- «وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ – عَلَى – مَا هَدَاكُمْ»
٧- «وَآتَى الْمَالَ – عَلَى – حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى»
٨- «وَ – عَلَى – اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ»
٩- «هَلْ أَتَّبِعُكَ – عَلَى – أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً»
١٠- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ـ عَلَيْكُمْ – أَنفُسَكُمْ»
إن الملحدين الذين يقولون إن الله تعالى قد بيّن وفصّل كل شيء في القرآن، وخاصة أحكام الصلاة، هؤلاء ليسوا في حقيقة الأمر «ملحدين» وإنما هم «شياطين».
ولذلك قلت، وأقول:
إن الذي يعتقد أن «القرآن يبين نفسه بنفسه» ومات على هذا الاعتقاد، مات كافرًا بأصول الإيمان الخمسة:
«وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ – وَمَلائِكَتِهِ – وَكُتُبِهِ – وَرُسُلِهِ – وَالْيَوْمِ الآخِرِ – فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً»
ذلك أن كل حرف من حروف هذه الآية له معنى هو المكون للكلمة التي هي المكونة للآية، وكل هذا لا وجود له داخل القرآن.
# ثانيًا:
عمل حرف «إذا» في السياق القرآني:
الأصل في استعمال «إذا» أن تدخل على الذي تيقن وقوعه أو رجح، كقول الله تعالى:
* «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ»
والأصل في استعمال «إن» أن تدخل على المشكوك في وقوعه، كقول الله تعالى:
* «وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ»
وقد يقع كل من «إذا» وإن» موقع الآخر، كقول الله تعالى:
* «وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا»
١- «إذا» في الزمن الماضي:
* «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا»
* «حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ»
٢- «إذا» لاستمرار الزمن، كقول الله تعالى:
* «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ»
* «وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ»
أي هذه هي عادتهم المستمرة، ومثله كثير.
٣- «إذا» التكرار، كما في قول الله تعالى:
* «وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ»
٤- «إذا» الشرطية:
لم يقع من الأفعال المضارعة بعد «إذا» الشرطية في القرآن إلا فعل واحد، هو مضارع «تلا»، جاء مبنيًا للمجهول في ثلاث عشرة آية، منها قول الله تعالى:
* «إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً»
* «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا»
* «إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ»
٥- «إذا» الظرفية:
وجاء الفعل المضارع بعد «إذا الظرفية»:
(أ): بعد القسم: في ثلاث آيات:
* «وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ»
* «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا»
* «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»
(ب): في غير القسم: في ثلاث آيات:
* «وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ»
* «وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ»
* «مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى»
٦- جواب «إذا» مقرون بـ «لا النافية»:
* «إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»
* «وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ»
٧- جواب «إذا» غير مقرون بـ «الفاء» مع «لا النافية»:
* «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»
* «وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ»
* «وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ»
٨- وجاء جواب «إذا» جملة اسمية غير مقرونة بالفاء:
* «وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ»
* «وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا»
* «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَءِنَّا لَمُخْرَجُونَ»
* «أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ»
٩- اقترن جواب «إذا» بالفاء، وكان الجواب جملة إسمية:
* «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ»
* «فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
* «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
* «فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»
* «َإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ»
* «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا»
١٠- اقترن جواب «إذا» بالفاء، وكان الجواب جملة طلبية «أمرًا» في هذه الآيات:
* «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»
* «فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ»
* «فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ»
* «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ»
* «فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»
* «إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»
* «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»
* «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ»
* «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى»
* «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا»
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا»
* «وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ»
* «فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ»
* «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا»
– ومن هذا الباب قول الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»
# ثالثًا:
١- ليس المراد من القيام الوارد في جملة «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة» هيئة القيام المعروفة، وإلا كيف نقوم لأداء الصلاة، ثم بعد ذلك نذهب للوضوء؟!
٢- وإنما المعنى:
إذا «أردتم» الصلاة، فإن أول شرط لصحتها:
* «فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ – وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ»
وهذا في علم البيان يُسمى مجازًا، وهو:
«إطلاق اسم السبب على المسبب».
والسؤال:
فهل بيّن القرآن للمؤمنين ذلك؟!
والجواب:
لم يُبيّن.
٣- قد يُفهم من ظاهر الآية، وجوب الوضوء عند كل قيام إلى الصلاة.
وهنا تظهر أهمية تفعيل أدوات فهم القرآن «مجتمعة»، التي انفرد بها التوجه «نحو إسلام الرسول» عن سائر التوجهات الدينية المختلفة كلها، فأقول:
(أ): إن «القيام» إلى الصلاة ليس «وحده» هو الموجب للوضوء، حسب ما ورد في أول الآية.
(ب): إن هناك موجبات أخرى توجب الوضوء، قد حملها سياق الآية وهي:
* «أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ»
* «أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء»
– «فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء – فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً»
وهذا يعني أن هناك أسبابًا أخرى تنقض الوضوء.
(ج): إن اشتراط هذه الموجبات في البدل، الذي هو «التيمم»، يجعل معنى الآية على النحو التالي:
إذا قمتم إلا الصلاة الثانية، ولم يكن وضوؤكم قد انتقض بهذه الموجبات، فإن صلاتكم بالوضوء الأول صحيحة.
والسؤال:
فهل بيّن القرآن للمؤمنين ذلك؟!
والجواب:
لم يُبيّن.
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري