حروف المعاني كلمات لا يتم مدلولها إلا باستعمالها مع الاسم أو الفعل، أي لا تدل على معنی مادامت منفردة؛ لكن إذا وضعت في كلام ظهر لها معنى لم يكن معروفا من قبل، ذلك أن الحرف كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وإنما تدل على معنى في غيرها بعد وضعها في جملة.
# أولًا:
«حرف اللام»:
تنقسم «اللام» وهي حرف من «حروف المعاني» إلى:
«حرف غير عامل» – «حرف عامل»
١- «الحرف غير العامل»:
حرف معنى مبني على حركته، لا محل له من الإعراب:
(أ): «حرف ابتداء»:
– تدخل لام الابتداء أصلا على المبتدأ:
* «لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ»
– وتدخل لام الابتداء على خبر «إنّ»:
* «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ»
– وعلى اسم «إنّ» المتأخر:
* «وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ»
– وتقع بعد «إنّ» المخففة، وتُسمى اللام الفارقة:
* «وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ»
– وتقع بعد «إنّ» المُشبَّهة بـ «ليس»:
* «إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ»
(ب): «حرف تصريف»:
وهنا يتعلق الموضوع بـ «علم الصرف»، الذي سنعطي فكرة عنه في الدروس القادمة، ويدخل اللام على أوزان الفعل والاسم المُشتق «فَعْلَل – فِعْلال»:
* «إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَـ هَا»
(ج): حرف يقع في جواب:
– «لو»:
* «وَلَوْ شَاء اللّهُ لَـ ذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ»
– «لولا»:
* «فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَـ كُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ
– «القسم»:
* «ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَـ تُؤْمِنُنَّ بِهِ»
(د): «حرف قسم يدخل على إن الشرطية»:
* «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَـ كَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ»
وتُسمى اللام الموطئة للقسم.
٢- «حرف عامل»:
حرف عامل في الاسم والفعل:
(أ): «حرف جر»:
يُكسر مع الاسم الظاهري:
* «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»
(ب): «حرف جزم»:
يدخل على الفعل المضارع:
* «فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ»
(ج): «حرف نصب فرعي»:
ينصب الفعل المضارع بـ «أنْ» مضمرة جوازًا:
* «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ»
(د): «حرف تعليل»:
وتدخل على «كي» وتُسمى «لام التعليل».
* «وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً»
(هـ): «حرف جحود»:
يأتي بعد «كان المنفية» وتُسمى «لام الجحود».
* «مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ»
والسؤال:
١- كم عدد المسلمين الذين يعلمون أي نوع «لام» هذه التي وردت في كلمة «لِدُلُوكِ» في قوله تعالى:
* «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»
٢- وما معنى كلمة «دلوك» قبل إضافتها لـ «الشمس»؟!
٣- وهل هذا المعنى ورد في القرآن أم في «معاجم اللغة العربية»؟!
٤- وهل اتفقت معاجم اللغة العربية» على معنى واحد لكلمة «دلوك» وعلى الصلاة التي تُصلى في هذا الوقت؟!
# ثانيًا:
«حرف إِلَى»:
حرف معنى مبنى على السكون لا محل له من الإعراب، وهو حرف جر في الاسم الظاهر والضمير، وله ستة معان:
١- «معنى الانتهاء»:
(أ): انتهاء الغاية الزمانية:
* «ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ»
* «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»
وهنا اختلفت «الغاية الزمانية»:
فـ «الَّليْلِ» غير «غَسَقِ اللَّيْلِ»:
– أي أن تمام «الصِّيَامَ» ينتهي عند أول نقطة في الليل.
– وأن «الصلاة»، المشار إليها في الآية، تنتهي عند أول نقطة في ظلام الليل.
– الأمر الذي يفهم منه «العقلاء»، أن أول الليل لا يكون مظلمًا أبدًا، وقد بيّنا وفَصّلنا ذلك في عشرات المنشورات، وبعشرات الصور.
(ب): انتهاء الغاية المكانية:
* «مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى»
٢- «معنى الابتداء»:
ذلك أن كون «إلى» للانتهاء، تكون أيضًا ابتداءَ الغاية:
* «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»
فهنا تنتهي الغاية مع أول نقطة في «ظلام الليل» لتكون هي نفسها بداية ظلمة الليل «غَسَقِ اللَّيْلِ».
٣- «معنى المصاحبة»:
* «وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ»
أي لا تخلطوا أموال اليتامى بأموالكم، فتأكلوها مع أموالكم.
٤- «معنى التَّبيين»:
حيث تفيد حبًا أو بغضًا من فعل تعجُّب أو اسم تفضيل:
* «قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»
٥- «معنى اللام»:
* «قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمْرُ إِلَيْكِ»
أي «وَالأمْرُ يَرْجِعُ لَكِ».
٦- «معنى في»:
«لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
# ثالثًا:
دلك: شيء واحد يدل على زوال شيء عن شيء، ولا يكون إلا برفق، ومن الباب: دَلّكْتُ الشيء:
أي بدأت من أول هذا الشيء، ثم حركت يدك في اتجاه آخره، والعكس، دون أن تقف عند نقطة معينة.
فعندما تكون الشمس هي «الدالكة» والأرض هي «المَدلوكة»:
١- فإن «دُلُوكِ الشَّمْسِ» يبدأ مع ظهور «أول ضوء» لها على الأرض، وهو ما سمّاها الله تعالى بـ «الخيط الأبيض».
٢- وينتهي «دُلُوكِ الشَّمْسِ» عند «آخر ضوء» لها على الأرض، وهو سمّاها الله تعالى بـ «غَسَقِ اللَّيْلِ».
٣- وعليه يكون قول الله تعالى «الإسراء / ٧٨»:
* «أَقِمِ الصَّلاَةَ:
– لِـ دُلُوكِ الشَّمْسِ
– إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»
هو بيان للمساحة الزمنية التي تؤدى فيها الصلوات المفروضة كلها:
«الفجر – الظهر – العصر – المغرب – العشاء»
وليست تحديدا لمواقيت بعينها.
أما قول الله تعالى بعدها:
«وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ – كَانَ مَشْهُوداً»
فالعطف هنا على أول صلاة تصلى عند بداية «دُلُوكِ الشَّمْسِ»، وهي «صلاة الفجر»، التي يجب أن يكون لـ «القرآن» حظ كبير معها وفيها.
هذا استنادًا إلى:
(أ): علوم اللغة العربية:
معنى مادة «دَلَكَ».
(ب): علم السياق القرآني:
حيث لم ينص القرآن على وقت محدد «فلكيًا» لكل صلاة من الصلوات التي فرضها الله على المسلمين.
(ج): آليات التفكر والتعقل والتفقه:
حيث استحالة أن يأمر الله المسلمين بـ «الصلاة» المتصلة:
– بداية من أول ضوء للشمس وحتى آخر ضوء لها:
* «إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً»
– ولا حتى عند المحرفين لمعنى «الدلوك»، الذين يقولون:
إنه يبدأ مع زوال الشمس عن كبد السماء، «أي وقت الظهر»، و«إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»، فلا يخرج المصلي عن صلاته خلال هذه الفترة.
– ولا حتى عند المحرفين لمعنى «الدلوك»، الذين يقولون:
إنه يبدأ مع غروب الشمس «أي وقت المغرب»، ويستمر «إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»، فلا يخرج المصلي عن صلاته خلال هذه الفترة، لتصبح صلاة واحدة اسمها «العشاء».
والهدف من التحريفين هو الإلحاد في آيات الله، لابتداع بدع شيطانية تخالف الفهم الواعي لكيفية التعامل مع القرآن، وما كان للشيطان أن يخترق قلوب هؤلاء الملحدين إلا لجهلهم بأدوات فهم القرآن السابق الإشارة إليها، يُضاف إليها الأداة الرئيسة:
(د): منظومة التواصل المعرفي:
التي حفظ الله تعالى عن طريقها:
«معنى الصلاة – كيفية أدائها – عددها – عدد ركعاتها – مواقيتها»
وذلك في المساجد وفي البيوت، وحول العالم أجمع، منذ عصر الرسالة، ولم يسقط حلقة واحدة من حلقات التواصل المعرفي «العلمي»، إلى يومنا هذا.
فبأي منطق، يجد المسلم «العاقل»، أن القرآن لم يُبيّن مطلقا:
«معنى الصلاة – كيفية أدائها – عددها – عدد ركعاتها – مواقيتها»
ثم يتبع ملحدًا من هؤلاء الذين نزلوا فجأة من السماء، فوجدوا في القرآن آية تقول:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»
وآية تقول:
* «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»
فإذا بـ «إبليس» شخصيًا يُزين لهم الآيات القرآنية حسب هواهم، ليَخْرُج فريق ويقول إن الله لم يفرض غير «صلاتين» وآخر يقول إن الله لم يفرض غير «ثلاثة»، وثالث يقول لم يفرض غير «الدعاء» في كل وقت يستطيع المسلم فيه أن يدعو ربه:
* «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ»
فإذا سألت أحدهم:
ما هي «حروف المعاني» التي بدونها يستحيل أن تفهم «أحكام القرآن»، لأن «الحكم» ما هو إلا آية تحمل كلمات، مطلوب من سيادتك فهم كل كلمة فيها، قبل استنباط حكمها؟!
نظر إليك نظر المغشي عليه من الجهل، وهرب ولم يعد.
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري