قلنا في الدرس «٥» إن الكلام يتألف من:
«الكلمة – الجملة – الكلم – القول»
وألقينا بعض الضوء على «الكلمة»، وأنها تتكون من حروف الهجاء المعروفة …، وقبل أن نستكمل الحديث عن الكلمة وأقسامها الثلاثة الرئيسة «الاسم والفعل والحرف»، تعالوا نلقي بعض الضوء على تعريف كل من «الجملة – الكلم – القول».
# ثانيًا: «الجملة»
١- هي «ما تركب من كلمتين أو أكثر، وله معنی مفید مستقل» مثل:
أقبل ضيف – فاز طالب نبيه – لن يهمل عاقل واجبًا.
فلا بد في الكلام من أمرين معا، هما:
التركيب – والإفادة المستقلة.
فلو قلنا: «أقبل» فقط، أو: «فاز» فقط، لم يكن هذا كلاما؛ لأنه غير مركب، ولو قلنا: أقبلَ صباحًا … أو: فاز في يوم الخميس … أو: لن يهمل واجبه …، لم يكن هذا كلامًا أيضًا؛ لأنه – على رغم تركيبه – غير مفيد فائدة يكتفي بها المتكلم أو السامع.
وليس من اللازم في التركيب المفيد أن تكون الكلمتان ظاهرتين في النطق؛ بل يكفي أن تكون إحداهما ظاهرة، والأخرى مستترة:
كأن تقول للضيف: تفضل.
فهذا كلام مركب من كلمتين، إحداهما ظاهرة، وهي: تفضل، والأخرى مستترة، وهي: أنت، ومثل: «أسافرُ» … أو: «نشكر»، أو: «تخرجُ» … وكثير غيرها مما يعد في الواقع كلامًا، وإن كان ظاهره أنه مفرد.
٢- والجملة ثلاثة أنواع:
(أ): الحملة الأصلية:
وهي التي تقتصر على:
* ركني الإسناد: على «المبتدأ» مع «خبره»، أو ما يقوم مقام الخبر
* على الفعل مع فاعله، أو ما ينوب عن الفعل.
(ب): الجملة الكبرى:
وهي ما تتركب من مبتدأ خبره جملة إسمية أو فعلية:
مثل: الزهر رائحته طيبة، أو: الزهر طابت رائحته.
(ج): الحملة الصغرى:
وهي: الحملة الاسمية أو الفعلية، إذا وقعت إحداهما خبرًا لمبتدأ.
# ثالثا: «الكَلِم»
هو: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر؛ سواء كان لها معنى مفيد، أم لم يكن لها معنى مفيد.
فالكلم المفيد مثل:
– الرياح اليوم شديدة.
– القطار لم يتوقف في المحطة.
وغير المفيد مثل:
كثرة الصناعات – إنّ مصر – قد حضر – هل أنت – کتابُ عليّ.
فكل تركيب من هذه التراكيب:
* لا يصح أن يسمى «كلمة» لأنه ليس لفظًا منفردًا.
* ولا يصح أن يسمى «كلاما» لأنه ليس مفيدًا.
* ولا يصح أن يسمى «كلمًا» لأنه ليس مؤلفًا من ثلاث كلمات.
وإنما يسمى: «قولا».
# رابعًا: «القول»
«مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»
كل لفظ «نطق به الإنسان»، سواء كان مفردًا أم مركبًا، تركيبه مفيدًا أم غير مفید، فهو ينطبق على:
«الكلمة – الكلام – الكلم»
فكل نوع من الثلاثة يدخل في «القول».
مع ملاحظة:
إن «الكلمة» واحد «الكَلِم»، ولكنها قد تستعمل أحيانًا بمعنى «الكلام» فتقول:
* حضرتُ حفل تكريم الأوائل، فسمعت «كلمة» رائعة لرئيس الحفل، و«كلمة» أخرى لأحد الحاضرين، و«كلمة» ثالثة من أحد الأوائل يشكر المحتفلين.
* اسمع مني «كلمة» غالية وهي: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم، فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.
فالمراد بـ «الكلمة» في كل ما سبق هو «الكلام»، وهو استعمال يشيع على ألسنة الكثير.
# والآن نعود لاستكمال الحديث عن أقسام الكلمة الثلاثة: «الاسم، والفعل، والحرف»
# أولًا: الاسم:
كلمة تدل بذاتها على:
١- شيء محسوس:
مثل: بيت، جمل، نخلة، أحمد
٢- شيء غير محسوس:
شجاعة، شرف، نبوغ.
المهم أنه في الحالتين لا يقترن بزمن.
٣- علاماته:
أهمها خمسة، إذا وجدت واحدة منها كانت دليلًا على أن الكلمة «اسم»:
(أ): العلامة الأولى: «الجر»
مثال:
«كنت في زيارة صديق كريم»
فكلمة «زيارة» اسم لأنها مجرورة بحرف الجر «في».
وكلمة «صديق» اسم؛ لأنها مجرورة بالإضافة «مضاف إليه».
وكلمة «کریم» اسم لأنها مجرورة بالتبعية لما قبلها «صفة صديق».
وقد جاءت أنواع الجر هذه في قول الله تعالى:
* «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
«بـ»: الباء حرف جر، «اسم»: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، «اللهِ»: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، «الرَّحْمنِ»: صفة للفظ الجلالة مجرورة وعلامة جرها الكسرة الظاهرة، «الرَّحِيمِ»: صفة ثانية مجرورة وعلامة جرها الكسرة الظاهرة.
وقوله تعالى:
«الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»
* «الْحَمْدُ»: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، «للّهِ»: لفظ الجلالة اسم مجرور باللام وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
وهنا نلاحظ: أن الجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف «قائم – كائن – ثابت»، أي «الحمد قائم لله».
* «رَبِّ»: وهنا، ومن بلاغة الأسلوب القرآن، أننا يمكن إعراب هذه الكلمة على هذا النحو:
– صفة للفظ الجلالة «الله»: مجرورة مثل اللفظ.
– بدل من لفظ الجلالة «الله»: مجرور مثل اللفظ.
«الْعَالَمِينَ»: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره «الياء»، لماذا؟! لأنه ملحق بجمع المذكر السالم الذي يُجر بالياء.
(ب): العلامة الثانية: «التنوين»
أي أن يكون في آخر الكلمة «ضمتان» أو «فتحتان» أو «كسرتان»:
مثل: طار عصفورٌ – شاهدت عصفورًا – استمعت إلى صوت عصفورٍ.
وأصل كلمة عصفورٌ هو «عصفور – نْ» أي بزيادة نون ساكنة في آخر الكلمة، تُحدث تنغيمًا عند النطق، ومن هنا جاء اسم «التنوين».
فـ «التنوين» نون ساكنة زائدة تلحق آخر الأسماء لفظًا لا كتابةً.
ومن القرآن:
* «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ» – «وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ»
(ج): العلامة الثالثة: «النداء»
أي أن تكون الكلمة «مناداة»:
مثل: يا محمدُ ساعدِ المسكين – يا عليّ أكرم جارك.
فكل كلمة نناديها هي اسم.
ومن القرآن:
* «يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ» – «قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ»
(د): العلامة الرابعة: «ألـ»
أي أن تكون الكلمة مبدوءة بـ «الـ»:
مثال: الحق أحق أن يُتبع.
ومن القرآن:
* «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ»
* «وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ»
وعلامات أخرى يُرجع إليها في كتب اللغة.
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري