# أولًا:
عطف الشيء على الشيء في السياق القرآني:
يقتضي هذا العطف «المغايرة» بين المعطوف والمعطوف عليه، مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي ذكر لهما.
وتنقسم هذه «المغايرة» إلى:
١- «التباين» بين المعطوف والمعطوف عليه، فليس أحدهما هو الآخر:
* «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»
* «وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ»
* «وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ»
٢- «اللزوم» بين المعطوف والمعطوف عليه:
* «وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ»
ذلك أن من لبس الحق بالباطل؛ فجعله ملبوساً به، كتم وأخفى من الحق بقدر ما ظهر من الباطل.
* «وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ»
ذلك أن من يشاقق الرسول، من بعد ما تبين له الهدى، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين.
* «وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»
و«اللزوم» هنا أن من كفر باللّه فقد كفر بكل هذه المعطوفات.
٣- عطف بعض الشيء عليه:
* «حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى»
* «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ – وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ»
* «مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ – وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ»
* «وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ – وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا»
٤- عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين:
* «وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ – وَالْفُرْقَانَ»
– فالفرقان هو الكتاب بعينه، فتغايرا مفهومًا واتحدا مصداقًا.
* «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ – وَالْحِكْمَةِ»
– فالحكمة صفة الآيات: «ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ»
* «طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ»
فـ «القرآن» صفته أنه «كتاب مبين».
* «الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ»
و«الكتاب» صفته أنه «قرآن مبين».
# ثانيًا:
ما الفرق بين «الصلاة»، و«الصلة» وقول الله تعالى:
* «وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»؟!
إن «الصلة»، في لغة القرآن، تأتي بمفهومها العام الذي يمكن إسقاطه على أي شيء يصل بين طرفين، كقولنا «وَصَلْت الشيء وَصْلًا وَصِلةً»، فكلُّ شيء اتَّصَل بشيء فما بينهما «وُصْلة»، والجمع وُصَل، يقال «وَصَل رَحِمَه يَصِلُها وَصْلًا وصِلةً».
وعدد مرات تكرار كلمة «وَصَل» في القرآن، من خلال البحث باستخدام الجذر هو «١٢» مرة، منها قوله تعالى:
١- «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»
٢- «مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ»
٣- «قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ»
٤- «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ»
٥- «وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»
والمقصود بـ «القول» في هذا السياق القرآن، لقوله تعالى:
(أ): «أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ»
(ب): «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ»
(ج): «إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ»
وعليه، فإن الذي يحدد معنى «الصلة» بمشتقاتها هو السياق القرآني الذي ترد فيه الكلمة، ولذلك فإن الذين يقولون إن «الصلاة» في القرآن تأتي بأكثر من معنى، نقول لهم:
إنه لا يوجد داخل القرآن معنى كلمة واحدة من كلماته، وإنما نحن نستعين بـ «معاجم اللغة العربية» لفهم المعنى «المناسب للسياق».
إن الله تعالى عندما أراد إخبار الناس بتوصيل «الكتاب» إليهم، جاء بكلمة «وَصَّلْنَا»، ثم أتبعها بكلمة «الْقَوْلَ»، حتى تكون دلالة السياق دلالة قطعية، ولا يعطي فرصة للملحدين في آياته للتلاعب بمفهوم فعل «يُصَلِّي»، ويجعلونه «وَصَّلْنَا».
إن منظومة «القص واللصق» للآيات التي يستخدمها الملحدون في نشر أباطيلهم بين الناس وتحريف أحكام القرآن، لا تزن في ميزان العلم شيئًا، لأنها قائمة على منهجية عشوائية تفصل القرآن «المقروء» عن مقابله الكوني «المنظور».
# ثانيًا:
١- يقول الله تعالي «البقرة / ٢٣٨»:
«حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»
نلاحظ أن «الوسطية» خُصّت بصلاة غير «الصلوات» المذكورة قبلها، وإن اشتركت «الصلوات» كلها في وجوب المحافظة عليها.
لقد أمر الله تعالى المؤمنين بالمحافظة على عدد من «الصلوات» لم يأت القرآن ببيان ماهيتها ولا كيفية أدائها، في الوقت الذي حملت فيه صيغة الأمر شيئًا معروفًا لهم:
«حافظوا على الصلوات التي تعرفونها».
فكيف يتعهد الله تعالى بحفظ «الذكر»، الذي هو:
«القرآن المقروء» وتفاعله مع «مقابله الكوني المنظور»
الذي لولا هذا التفاعل ما عَرَفَ الناس كلمة واحدة من القرآن ولا تذكّروا معناها.
ثم يأتي أصحاب بدعة «القرآن وكفى»، ويقولون إن الله حفظ المقابل الكوني داخل نفس «القرآن المقروء» لأنه سبحانه القائل:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ – تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ – وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ»
* أقول:
إذن فأين نجد في القرآن وصفًا وبيانًا لـ «المقابل الكوني» أي لـ «مدلول ومُسَمّى» كل كلمة من كلمات القرآن، حتى لا يستغفلنا أحد ويقول لنا:
إن كلمة «الشمس» في القرآن تعني «القمر» الذي نشاهده في السماء.
وإن كلمة «الشجرة» في القرآن تعني «النخلة» التي نشاهدها في الحدائق.
وإن كلمة «الخنزير» في القرآن تعني «البقرة» التي نشاهدها في المزارع.
٢- إن أَقلَّ الجمع، في لغة القوم الذين نزل القرآن بلسانهم، هو الزائد على الاثنين، إلا إذا استخدمت الكلمة على سبيل «المجاز».
نحو «رأيت رجالًا» نقصد رجلًا واحدًا يقوم مقام الرجال، كما يُعبّر أحيانا الواحد منا عن نفسه ويقول: نحن فعلنا.
# ثالثًا:
ومن الأمثلة على استخدام «الاثنين» على سبيل الجمع في سياق «مجازي»:
١- «هَذَانِ خَصْمَانِ – اخْتَصَمُوا – فِي رَبِّهِمْ»:
إن «الخصم» يُطلق على القليل والكثير، يقال: هذا رجل «خصم»، ورجلان «خصم»، ورجال «خصم»، كما في قوله تعالى:
«وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ – تَسَوَّرُوا – الْمِحْرَابَ»
فجاء اسم الإشارة الموضوع للمثنى، في قوله تعالى «هَذَانِ خَصْمَانِ»، ثم جاء بضمير الجماعة عندما تحدث عن «موضوع» الخصومة «اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ»، باعتبار كثرة المختصمين في ربهم.
٢- «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ – اقْتَتَلُوا»
وأيضا «الطائفة» تطلق على القليل والكثير، يقول الله تعالى:
«وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا – طَائِفَةٌ – مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»
أي يجب أن يكون عدد المؤمنين أكثر من «اثنين»، ويُراد مجموعة من المؤمنين.
وقد «جمع» ضميرهما فقال «اقْتَتَلُوا» باعتبار كل فرد في الطائفتين، ولما «ثَنّاهما» في بداية الآية كان ذلك باعتبار مجموع كل طائفة.
وبناء عليه، فلا يستخدم الجمع عند أهل اللسان العربي، بمعناه الحقيقي «وليس المجازي»، إلا عندما يكون العدد فوق «اثنين»، نفهم من ذلك أن عدد «الصَّلَوَاتِ» التي يجب المحافظة عليها تبدأ بـ «ثلاث».
# رابعًا:
إذن فعندما نضيف «الصَّلاةِ الْوُسْطَى» إلى الصلوات الثلاث، يصبح عندما أربع صلوات، والحقيقة أن هذا يمتنع لأنها لن تكون في هذه الحالة هي «الْوُسْطَى».
١- الأمر الذي يفرض علينا أن نجعل أقل الجمع أربع صلوات، لتكون «الصَّلاةِ الْوُسْطَى» هي الوسطى بين الأربع، ويصبح عدد الصلوات «خمس صَلَوَات».
٢- وإن قول الله تعالى «وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» خير برهان على أن هذه الصلاة شيء يقام له، كما قال الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ – إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ … الآية»
وعندما يأتي بعدها قوله تعالى:
* «فَإنْ خِفْتُمْ – فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً – فَإِذَا أَمِنتُمْ – فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ»
نعلم علم اليقين أن الله تعالى يخاطب المؤمنين بما يعرفونه، وقاموا بأدائه في عصر التنزيل، ونقلته عنهم الأجيال المسلمة دون أي انقطاع في حلقات التواصل المعرفي، وإلى يومنا هذا.
٣- والقرينة قطعية الدلالة على حجية «منظومة التواصل المعرفي» في نقل هذه الصلوات وكيفية أدائها، هي قول الله تعالى في سياق الأمر بالمحافظة على إقام الصلاة:
«كَمَا عَلَّمَكُمْ – مَا لَمْ تَكُونُوا – تَعْلَمُونَ»
٤- والسؤال للقرآني الملحد في آيات الله:
أين ومتى علمك الله معنى الصلاة، وكيفية أدائها، وعددها، وعدد ركعاتها، وعلاقة «المساجد» بها، وكيفية الصلاة في حالة الخوف، وقوله تعالى لرسوله محمد، عليه السلام:
* «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ – فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ – فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ – وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ – فَإِذَا سَجَدُواْ – فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ …»
٥- ولأنكم تجهلون علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا تعلمون أن كلمة «فَإِذَا»، في قوله تعالى «فَإِذَا سَجَدُواْ»، هي خير برهان على أن هذه الصلاة «حركية» بقرينة ورود كلمة «سَجَدُواْ» بعد «فَإِذَا»، مما يُبيّن أن هذا السجود كان يسبقه ركوع وقيام.
٦- لذلك قلت وأقول للملحدين في آيات الله وأحكامها:
إن الأكرم لكم ولعقولكم، أن تكفروا بهذا القرآن، ولا تقتربوا منه مطلقا، لأنه «تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» يُمْهل ولا يُهْمل.
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون الصيد الثمين بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري