تَدْلِيسُ إبليس عندما يكون القرآن قاموس نفسه
أرسل لي أحد الأصدقاء حوارًا تم بين «سامر اسلامبولي» و«محمود عقيل محمود» من على صفحة «منتدى الباحث سامر اسلامبولي»:
الحوار:
* «محمود عقيل محمود»:
«البعض يفهم دلالة الكلمة من بيئته وواقعه، فإذا وجد هذه الكلمة في كتاب الله، أسقط عليها المعنى البيئي المتداول في ثقافته ومجتمعه، ولا يدري أن القرآن قاموس نفسه».
* «سامر اسلامبولي»:
أحسنت وأجدت، وهذا ما ننبه عليه كثيرًا، أنه لا يصح للباحث في القرآن أن يستحضر معه المعاني الشائعة بين الناس، ويعتبرها هي الصواب، ويتدبر كلام الله على موجبها.
وأعرض مفهوم كلمة ضَرَبَ، وكلمة كَتَبَ نموذجا على ذلك.
* «محمود عقيل محمود»:
القرآن قاموس نفسه، حتى أصحاب المعاجم والقواميس يضعون كلمات حسب الأعراف لا تتناسب مع اللسان العربي، وأقربهم إلى الصواب ابن جني وابن فارس.
* «سامر اسلامبولي»:
صدقت، مثلا لسان العرب عندما تقرأه تشعر أنك تقرأ كتاب تاريخ استخدم الكلمة في عصر معين، ولا يأت بمفهوم الكلمة لسانًا مثل ابن فارس.
* فأقول:
# أولًا:
مازالت «المنهجية العلمية» التي قام على أساسها التوجه «نحو إسلام الرسول»، والأدوات التي تحملها لفهم القرآن واستنباط أحكامه، تقف راسخةً رسوخ الجبال منذ عقود من الزمن، لم تتغير ولم تتلون ولم تُداهن، بسبب ضعف حجيتها أو وجود ثغرات فيها.
ذلك أن حجية هذه «المنهجية العلمية» والأدوات التي حملتها، من حجية ذات القرآن، لاستحالة فهم كلمة واحدة من كلمات آياته بمعزل عن هذه الأدوات، المفصلة في كتبي وعلى موقعي، وهي:
«منظومة التواصل المعرفي – لغة القرآن العربي – السياق القرآني – آليات عمل القلب – آيات الآفاق والأنفس»
# ثانيًا:
إن لغة القرآن العربية التي كانت ألسن العرب تنطق بها، قد تواصلت حلقاتها من قبل نزول القرآن بقرون من الزمن، وذلك عبر «منظومة التواصل المعرفي» التي حملت لشعوب العالم «مُسَمّيات» كلمات اللغات التي تنطق بها ألسنتهم.
ولذلك يستحيل فصل «الكلمة» عن «مُسَمّاها» إلا في عالم المجانين، الذين يقولون إن «القرآن قاموس نفسه»؟!
# ثالثًا:
إن القرآن «المقروء» لا يحمل إلا «كلمات الله» فقط لا غير، أما القرآن «المنظور»، في الآفاق والأنفس، فهو الذي يحمل «مُسَمّيات» كلمات الله، الموجودة بين الناس من لدن آدم عليه السلام.
إن الله تعالى يُنزل رسالاته على أقوام يعلمون «مُسَمّيات» كلماتها من قبل نزولها، وذلك عن طريق «منظومة التواصل المعرفي»، وبرهان ذلك قوله تعالى:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ – لِيُبَيِّنَ لَهُمْ – فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
ونلاحظ أن الله ربط ضلال وهداية أقوام الرسل، بتفاعل الرسالات مع ما تنطق به ألسنتهم، وليس بالرسالة فقط، كما يدعي المدلّسون أصحاب بدعة «القرآن وكفى»، وبدعة «القرآن قاموس نفسه».
# رابعًا:
فإذا سألنا المُدلّسين:
١- هل تؤمنون بأن «القرآن قاموس نفسه»، لأن الله قال:
* «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»
وقال أيضا:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»؟!
فإذا قالوا: طبعا نعم، نسألهم:
٢- وهل تؤمنون بأن «فريضة الحج» من أحكام القرآن؟!
فإذا قالوا: نعم، نقول لهم:
# خامسًا:
لقد قال الله في القرآن «الذي هو قاموس نفسه» كما تدّعون:
١- «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ»:
فأين بيان أسماء أشهر الحج في القرآن؟!
٢- «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ – فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»:
فأين بيان القرآن لكل كلمة من كلمات هذه الآية المتعلقة بحكم من أحكام القرآن؟!
٣- «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ»:
فأين أسماء «الأيام المعلومات» في القرآن؟!
٤- «عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ – فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ»:
فأين معنى «بَهِيمَةِ الأنْعَامِ» في القرآن؟!
٥- «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ»:
فأين بيان القرآن لهذا الحكم، يعني يعملوا إيه بالضبط؟!
٦- «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ»:
فأين معنى «الْبُدْنَ» في القرآن؟!
٧- «فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»:
فأين بيان القرآن لكل كلمة من كلمات هذه الآية المتعلقة أيضا بحكم من أحكام القرآن؟!
# سادسًا:
ولذلك قلت وأقول:
يستحيل فهم كلمة واحدة من كلمات القرآن إلا عن طريق «منظومة التواصل المعرفي» التي حملت لشعوب العالم «مُسَمّيات» كلمات اللغات التي تنطق بها ألسنتهم، فإذا سألنا الغافلين:
١- من أين عرفت حروف الهجاء؟!
الإجابة: من خارج القرآن.
٢- وأين تعلمت كيف تنطق بها؟!
الإجابة: من خارج القرآن.
٣- ومن الذي علمك الفرق بين نطق الآية الأولى من سورة البقرة «الم»، ثم «ذَلِكَ الْكِتَابُ»، ونطق الآية الأولى من سورة الشرح «الم» ثم «نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ»؟!
الإجابة: من خارج القرآن.
٤- فإذا تركنا «الكلمات» السهلة التي تعلمت «مُسَمّياتها» من البيئة التي ولدت فيها، وخلال مراحل تعليمك، فمن أي المصادر المعرفية تعلمت معنى كلمات المحرمات من الطعام، التي وردت في سورة «المائدة / ٣»:
«… وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ …»
ثم كيف تفهم قوله تعالى:
«فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ»؟!
الإجابة: من خارج القرآن.
إذن، ووفق أصول البحث العلمي، وبدهيات المنطق، أقول:
إن الذي يعتمد على فهم كلمة «واحدة» من كلمات القرآن على مصدر معرفي خارج القرآن، يكون بذلك قد هدم على الفور بدعة «القرآن وكفى» وبدعة «القرآن قاموس نفسه».
# سابعًا:
وطبعا، كان من الطبيعي أن يبحث المُدلّسون عن مخرج من هذا المأزق العلمي الذي وضعهم فيه «محمد مشتهري»، فذهبوا يقولون للمساكين الذين لا يعلمون:
نعم، لا بأس من الاستعانة بـ «معاجم اللغة العربية» للوقوف على دلالات ومعاني كلمات القرآن، أما «أحكام القرآن» فلا تؤخذ إلا من المصدر التشريعي الإلهي الوحيد الذي هو القرآن، لقول الله تعالى:
«اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ – وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ»
وكأن «أحكام القرآن» تقف في الهواء بدون قواعد تحملها، والتي هي الجمل القرآنية المكونة من كلمات، ولكل كلمة معنى ومُسمى موجود خارج القرآن في «مراجع اللغة العربية»؟!
فهل عندما نستعين بـ «مراجع اللغة العربية»، التي حفظ الله تعالى فيها «لغة القرآن» ومُسَمّيات كلماته، عن طريق «منظومة التواصل المعرفي»، وإلا ما كانت لهذه الكلمات قيمة معرفية.
هل نكون بذلك قد اتخذنا من دون كتاب الله أولياء؟!
فيا أيها «المُدلّسون»:
يا من تستغفلون قلوب الغافلين الذين يعتمدون أصلًا في فهمهم للقرآن على حصيلة المعارف العربية التي حملتها قلوبهم «من خارج القرآن» منذ طفولتهم، ويظنون أن القرآن هو الذي بيّنها لهم.
أقول لكم:
«أَفَلاَ تَتَّقُونَ – أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!
محمد السعيد مشتهري