نحو إسلام الرسول

(1396) 20/4/2020 «مقال الاثنين» هل بَيّن القرآن معنى «الصلاة» التي «صلّاها» النبي مع الذين آمنوا؟!

لقد نزل القرآن «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» لم يستطع قوم النبي «أهل اللسان العربي» أن يأتوا بمثله، فهل معنى هذا أن يكون لسان قوم النبي حاكمًا على «لغة القرآن العربية»؟!

إن «لغة القرآن العربية» آية إلهية لها أسلوبها البياني البلاغي المحكم، الذي يُميّزها عن أساليب البيان التي عرفها قوم النبي، وإلا لاستطاعوا أن يأتوا بسورة من مثله، فتدبر جيدًا:

* «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا:

– فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ

– وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

– فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ

– فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»

وإن هذا الأسلوب القرآني البلاغي المحكم، يحمل في كلماته المعنى «الحقيقي» والمعنى «المجازي»، ويستحيل أن يخاطب الله تعالى الناس عن مسائل الغيب وفعاليات أسمائه الحسنى بالمعنى الحقيقي، ذلك أن وسائل إدراكهم لا يمكنها إدراك هذه المسائل بمعناها الحقيقي، ولذلك خاطبهم الله بالمعنى المجازي.

ولا يمكن صرف المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي إلا بقرينة صارفة، فعندما تقول:

«رأيت أسدًا يرمي بسيفه»

فأنت لا تقصد بكلمة أسد المعنى الحقيقي، أي الحيوان المفترس، وإنما تقصد «الرجل الشجاع»، ذلك أن الأسد لن يكون رجلًا، والرجل لن يكون أسدًا، والقرينة هنا هي جملة «يرمي بسيفه».

وليس معنى هذا أن كلمة «أسد» تحمل معنيين أحدهما حقيقي والآخر مجازي، ذلك أن الأسد يبقى «أسدًا» على المعنى الحقيقي، والرجل يبقى «رجلًا» على المعنى الحقيقي، وللوقوف على الفرق بينهما يكون بتفعيل آليات التفكر والتعقل والتفقه والنظر … آليات عمل القلب.

# أولًا:

إن كلمة «اليد» عندما تستخدم بمعناها الحقيقي، فإنها تعني «العضو» المعروف من أعضاء جسم الإنسان، الذي ورد في قول الله تعالى:

* «إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ – وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً – أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم …»

ومن القرائن الدالة على أن المقصود بـ «القطع» في هذا السياق هو «الفصل الكلي» قوله تعالى «مِنْ خِلافٍ»، ذلك أن «مِنْ: ابتدائية» وجاءت في موضع «الحال» من «أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ»، أي لا يُقطع إلا يد واحدة، أو رجل واحدة، «مِنْ خِلافٍ».

ولا يُصرف هذا المعنى الحقيقي إلى المجازي إلا بقرينة من ذات السياق، فعندما يقول الله تعالى:

* «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»

يستحيل أن يفهم مسلم عاقل أن لله تعالى «يدًا» مثل يد الإنسان، لأن هناك قرينة في هذه الجملة تمنع هذا الفهم، وهي كلمة «الله» الذي «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».

إن قوله تعالى «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» جاء بأسلوب «مجازي» يعني أن الله مع الذين يبايعون النبي، وقد جاء بيان ذلك في موضع آخر، فتدبر:

* «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ – إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ – يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ:

– فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ

– وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ

– فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»

# ثانيًا:

نفهم من الأمثلة السابقة، استحالة فهم القرآن بمعزل عن علوم اللغة العربية، وعن علم السياق القرآني الحاكم لاستخدام هذه العلوم، ذلك أن الكلمات القرآنية تنقسم من حيث دلالاتها إلى:

١- المعنى اللغوي الأصلي:

الذي علّمه الله آدم، ونزلت به الرسالات كلٌ حسب لغته، من الأسماء والأفعال والأحوال المختلفة، سواء كان حقيقيًا أو مجازيًا، والذي يستحيل أن يتبدل أو يتغير طوال فترة فعالية الرسالة الإلهية.

وهذا المعنى الأصلي لكلمات القرآن، قد حفظه الله تعالى بحفظه للقرآن، الذي تمتد فعاليته بين الناس إلى يوم الدين.

٢- المعنى اللغوي التشريعي:

وهو نفس المعنى اللغوي الأصلي ولكنه يحمل أحكامًا تشريعيةً حفظ الله دلالات كلماتها «مُسَمّياتها» بحفظه للكلمات، فما فائدة حفظ «الكلمة» دون حفظ «مُسَمّاها»؟!

ومن كلمات آيات الأحكام، كلمات:

«الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، البيع، النكاح، الطلاق، الميراث، القتل، الذبح …»

وغيرها من الكلمات التي عندما نزلت كان قوم النبي يعلمون دلالاتها الشرعية المطبوعة في قلوبهم من قبل نزول القرآن، والتي يستحيل أن ينصرف الذهن إلى غيرها.

٣- إن «إقامة الصلاة» التي وردت في السياق القرآني عشرات المرات، قد استقر مدلولها كمصطلح شرعي دال على الصلوات الخمس التي أقامها المسلمون في المساجد، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.

إن المؤذن عندما كان ينادى للصلاة، كان المسلمون يعلمون معنى هذا النداء، ومعنى «فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»، فتدبر:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ – فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ … فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرْضِ …»

ومنذ عصر التنزيل وإلى يومنا هذا، والمسلمون يُصلّون «صلاة الجمعة» في المسجد الحرام، وفي مسجد رسول الله بالمدينة، وفي مساجد العالم أجمع، ولم تنقطع حلقات التواصل المعرفي لهذه الصلاة.

فإذا قال الأب لابنه: هل صليت، فإن الابن يعلم ماذا يقصد الأب، وإذا قال الرجل لصديقه: هل صليت الجمعة، يعلم الصديق ماذا يقصد.

وكل ذلك ثمرة تعهد الله بحفظ «الذكر»، الذي يشمل كلمات «القرآن» وتفاعلها مع «مُسَمّاها»، أي مع «مقابلها الكوني» في الآفاق والأنفس، الذي لولاه ما تذكر الناس أصل الكلمة.

# ثالثًا:

ومن الأسلوب القرآني البلاغي المحكم:

١- أنك تجد كلمات الآية دالة على معناها الذي نزلت من أجله، وهو ما يُعرف بـ «المعنى الحرفي للنص»، هذا إذا كان قارئ القرآن يعلم «مُسَمّيات» هذه الكلمات من قبل قراءة القرآن.

فإذا قال الله تعالى في صفات المتقين:

«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ – وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ – وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»

فإن المسلم عندما يقرأ كلمة «الصلاة» الواردة في قوله تعالى «وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ» يعلم ما المقصود بإقامة الصلاة، على أساس ما ورثه عن آبائه بالتقليد والمحاكاة، نقلا عن عصر الرسالة.

٢- وهناك آيات يُفهم منها ما فوق المعنى الظاهر، ويكون هذا المفهوم الضمني ضروري يستلزمه الفهم الواعي للآية.

مثال لتقريب المسألة:

نفرض أن النص هو:

«أن الطالب يسكن في سكن الطلبة الخاص بجامعة كذا»

فإننا نفهم من هذا النص أيضا أن هذا الطالب يدرس في هذه الجامعة، وإن لم يُصرّح سياق النص بذلك، ذلك أن وجود الطالب في هذا السكن يستلزم أن يكون طالبًا في هذه الجامعة.

فعندما نقرأ قول الله تعالى:

* «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ»

فلن نجد في فهم هذا النص ما يُفهم ضمنيًا، ولكن عندما نستكمل قراءة الآية، ونتدبر قول الله تعالى:

* «وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ – رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»

نفهم أن المقصود بـ «الْمَوْلُودِ لَهُ» الآباء، أي أن نفقة الأطفال الرضع على الآباء، ولكن «اللام» التي في كلمة «له»، والتي تسمى بـ «لام الاختصاص»، تعني شيئًا لم يُصرح به في الآية وهو:

وجوب أن يُنسب المولود إلى الأب، أي أن يحمل اسمه، وكذلك أن يأخذ الأب من مال ولده عند الضرورة، لأن لولا إنفاق الأب على الولد في فترة بنائه الجسدي والنفسي لضاع.

فإذا جمعنا الآية السابقة مع قوله تعالى:

* «وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً»

نعلم أن أقل مدة للحمل «ستة أشهر»، وإن لم ينص سياق الآيات على ذلك.

٣- وعندما نتدبر قول الله تعالى:

* «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ»

نعلم أن «الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ» جائز طوال فترة الليل، وإلى آخر جزء منه، فإن «لَيْلَةَ الصِّيَامِ» تطلق على «الليل» من وقت غروب الشمس وإفطار الصائم، وحتى الفجر:

«حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»

فإذا باشر الزوج زوجه في أي وقت من الليل، حتى ولو تم هذا قبل الفجر بدقيقة، فإن هذا معناه أن النهار سيدخل عليهما وهما «جنب»، و«الجنابة» ليست شرطًا لصحة الصيام، ولذلك فلا شيء عليهما.

٤- وعندما يقول الله تعالى:

«لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ – الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ – يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً – وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ»

فقد يسأل سائل:

كيف يصف الله المهاجرين الذين يملكون الديار والأموال بـ «الفقراء»؟!

وهنا نفهم أن الكافرين عندما أخذوا أموال وديار المهاجرين، يكونون بذلك قد سلبوا ملكيتهم لها، فأصبحوا «فقراء» يستحقون «الفيء» الذي أشارت إليه الآية التي قبلها:

* «مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ..»

كما نفهم من ذلك أن «الفقير» قد يكون أصلًا «غنيًا»، وأن الفقر هو الذي طرأ عليه، ذلك أن «الفقر» هو عدم ملك الإنسان ما يسد به متطلبات معيشته.

# رابعًا:

لقد كان الهدف مما سبق بيانه، هو ضرب بعض الأمثلة على أسلوب القرآن البياني البلاغي المحكم، الذي يجب أن يعلمه كل متدبر للقرآن.

لقد كان الهدف هو أن يعلم المسلمون أن فهمهم السطحي لكلمات القرآن، وتدينهم الوراثي الذي نقل لهم أداء الشعائر دون علم بحكمتها ومقاصدها العليا، لن ينفعهم في الدنيا ولا الآخرة.

لقد كان الهدف بيان أن هذا القرآن الذي يحفظ المسلمون بعض سوره، ويحرصون على أن يحفظه أولادهم، ليس هو القرآن الذي أمر الله تعالى «الذين آمنوا» باتباعه:

* «كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ:

– فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ

– لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

– اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ

– وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ

– قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ»

إنه هذا القرآن الذي بين أيدي المسلمين هو قرآن:

«البركات» و«الاحتفالات» و«التراويح»

إنه القرآن الذي يعبث بأحكامه الملحدون، لجهلهم بلغته العربية، وبسياقاته المحكمة، هؤلاء الذي سقطوا على الناس من السماء، لا يعلمون شيئًا عن «الكلمة ومُسَمّاها»، وراحوا يستغفلون الغافلين ويقولون لهم:

إن دلالة الكلمة القرآنية نأخذها من معاجم اللغة العربية.

أما أحكام القرآن فنأخذها من المصدر التشريعي الإلهي القرآن الكريم.

ولأنهم «مُغفّلون» لا يعلمون أن دلالة أي كلمة من كلمات «آيات الأحكام»، موجودة أصلا خارج القرآن، كما سبق بيانه في المنشورات السابقة.

* تذكر:

١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في حياة رسول الله محمد، وهو باب «الإقرار العلمي» بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة الرسول، والموجودة بين أيدي الناس إلى يوم الدين.

٢- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.

أما «ما هو كائن» اليوم في حياة المسلمين، فإنه يتعلق بقول الله تعالى:

* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى