نحو إسلام الرسول

(1389) 15/4/2020 «نموذج للعشوائية الدينية في تدبر القرآن»

تعليقًا على قولي الثابت، الذي أقوله في كل منشور تحت عنوان «تذكر»، والذي يبدأ بـ:

«أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في حياة رسول الله محمد، وهو باب الإقرار العلمي بصدق الآية القرآنية العقلية الدالة على صدق نبوة الرسول، والموجودة بين أيدي الناس إلى يوم الدين»

يقول Sliman Sliman

خضوعا لقانون صفحتكم، اسمحوا لي أن أشير إلى أن قولكم يتنافى مع الآية «المائدة / ٤٨»:

«وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ – فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ – لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً – وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً – وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم – فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ – إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً – فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»

ولم يذكر صاحب التعليق ماذا يقصد بقوله «يتنافى مع الآية»، وأين هذا «التنافي» بين البند «تذكر / ١» المشار إليه سابقا، وآية «المائدة / ٤٨» التي استدل بها؟!

لذلك أقول:

# أولًا:

لقد ورد في «التوراة والإنجيل» خبر بعثة رسول الله محمد، ولكن «الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ»، أي علماء أهل الكتاب، أخفوا هذا الخبر الذي أشار إليه الله في سياق الأمر باتباع النبي الخاتم، فقال تعالى «الأعراف / ١٥٧»:

* «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ – الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ – يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ … فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ – وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ – أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

إذن فـ «أهل الكتاب»:

١- الذين لم يؤمنوا بالنبي الخاتم، رسول الله محمد.

٢- ولم يتبعوا «النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ».

هؤلاء ليسوا من «المُفْلِحين» الذين سيدخلهم الله الجنة.

# ثانيًا:

لقد حكم الله تعالى على اليهود والنصارى بـ «الكفر والظلم والفسق» لعدم إيمانهم برسول الله محمد، وعدم اتباع رسالته، وتعالوا نتدبّر سياق آيات سورة المائدة، بداية بقوله تعالى «المائدة / ٤٠»:

* «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ – مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ – وَمِنَ الَّذِينَ (هِادُواْ) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ …»

مرورا بقوله تعالى «المائدة / ٤٣»:

* «وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ – وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ – ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ – وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ»

وهذه الآية هي خير برهان على أن اتباع «الملة» يسبق اتباع «أحكام الشريعة»، فقد سأل «منافقون» من اليهود رسول الله عن بعض الأحكام، فنزل القرآن يكشف نفاقهم.

لقد دعاهم الله إلى الإيمان أولًا بالنبي الأمي، الذي يوجد حُكْم الإيمان به عندهم في التوراة «وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ»، هذا الحكم الذي أشارت إليه الآية «الأعراف / ١٥٧» السابقة، وأن عليهم أولًا الدخول في «دين الإسلام» ثم الالتزام بأحكام القرآن.

ثالثًا:

ثم وصف الله كل من لم يحكم «من أهل الكتاب» بما أنزله الله في التوراة والإنجيل من وجوب اتباع النبي محمد بهذه الصفات:

١- فعن (أهل التوراة) يقول الله تعالى «المائدة / ٤٤»:

* «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»

ويقول الله تعالى «المائدة / ٤٥»:

* «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»

٢- وعن (أهل الإنجيل) يقول الله تعالى «الآية ٤٧»:

* «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»

وهذه الصفات «الْكَافِرُونَ – الظَّالِمُونَ – الْفَاسِقُونَ» صفات الذين لم يحكموا بما أنزل الله على مر الرسالات الإلهية.

ثم نأتي إلى قوله تعالى «المائدة / ٤٨»:

* «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ – مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ -وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ»

ولقد أفادت هذه الآية أن الكتاب الذي نزل بالحق، هو الكتاب الخاتم الذي أنزله الله على رسوله محمد، القرآن العظيم، والذي جاء مهيمنًا على «جنس» الكتب السابقة، وحاكمًا يَحكم بين الناس إلى يوم الدين.

فقال الله تعالى:

* «فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ – وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ»

ويفيد النهي عن اتباع أهواء «أهل الكتاب» أنهم أصلًا على «ملة باطلة»، ثم قال تعالى:

* «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً»

ولم تأت هذه الجملة القرآنية لبيان أن «أهل الكتاب» كانوا في عصر التنزيل على الملة الحق، وإنما لبيان اختلاف الشرائع على مر الرسالات الإلهية.

و«الشِرْعَة» والشريعة: الديانة، و«المنهاج»: الطُرق والأدوات الموصلة إلى فهم «الشِرْعَة».

ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك:

* «وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً»

أي ولو شاء الله لجعل الناس جميعًا «أُمَّةً وَاحِدَةً» على شرعة ومنهاج واحد، ولكنها «سنة الاختيار» التي خلق الله عليها الوجود البشري، فتدبروا:

* «وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم»

والمطلوب هو التسابق نحو العمل بـ «ما يجب أن يكون» وفق ما أمر الله تعالى به:

* «فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ»

ثم بيان أن جني ثمار الأعمال يكون في الآخرة:

* «إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً – فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»

ثم يؤكد الله تعالى للمرة الثانية، أن الحكم بين الناس كافة، «وإلى يوم الدين»، لا يكون إلا بما أنزله على رسوله محمد، فقال تعالى «المائدة / ٤٩»:

* «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ – وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ – وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ»

وهنا نتدبر جيدًا ورود جملة «عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ» وعلاقتها بما كان «المنافقون» يحاولون فعله مع رسول الله عندما ذهبوا يسألوه عن بعض الأحكام، وهنا يحسن التذكير بقول الله تعالى «البقرة / ١٢٠»:

* «وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى – حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ – قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى – وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم – بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ – مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ»

وانظروا وتدبروا الحكمة من عدم تكرار كلمة «مِلَّتَهُمْ» في سياق الحديث عن الاتباع «حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ»، والمجيء بكلمة «أَهْوَاءهُم» مكانها «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم»، ثم بيان أن رسول الله لا يتبع إلا العلم «بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ»، وهذا معناه «بمفهوم المخالفة» أن أهل الكتاب يتبعون «الجهل».

ولذلك قال الله تعالى لرسوله في سياق آخر «الجاثية / ١٨»:

* «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمْرِ – فَاتَّبِعْهَا – وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»

ثم نعود إلى الآية «المائدة / ٤٩» وقول الله تعالى:

* «فَإِن تَوَلَّوْاْ:

– أي كفروا بك وبرسالتك يا محمد.

– فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ

– وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ»

ثم تأتي الآية المبينة لكفر «أهل الكتاب»، وأن الأحكام التي ذهبوا يسألون عنها رسول الله كانوا يبغون من ورائها حكم الجاهلية، فقال الله تعالى «المائدة / ٥٠»:

* «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ – وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً – لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ»

ونختم السياق بالآية الفاصلة الحاكمة لمسألة كفر «اليهود والنصارى» وأن الملة التي هم عليها الآن «ملة باطلة»، فقال الله تعالى «المائدة / ٥١»:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ:

– لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء:

– بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ:

– وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ:

– إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»

فيا أيها المسلمون، يا أتباع القراءات القرآنية الإلحادية المعاصرة:

ما معنى قول الله تعالى:

* «وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ»؟!

«أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!

* تذكر:

١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في حياة رسول الله محمد، وهو باب «الإقرار العلمي» بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة الرسول، والموجودة بين أيدي الناس إلى يوم الدين.

٢- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.

أما «ما هو كائن» اليوم في حياة المسلمين، فإنه يتعلق بقول الله تعالى:

* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى