إن «القرآن» الذي بين أيدي الناس اليوم، لن يكون «كتابًا إلهيًا» إلا إذا تفاعلت «كلماته» مع «مُسَمَّياتها» الموجودة في الآفاق والأنفس، أي الموجودة خارج القرآن.
إن العلم بوجود «الله تعالى» لا يكون من داخل القرآن، وإنما من تفاعل كلمات القرآن مع مقابلها الكوني «مُسَمَّياتها» في الآفاق والأنفس.
إن «أحكام الصلاة» لا وجود لها في القرآن، ولا وجود لمعنى الخمار «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ»، ولا لأسماء الأشهر الحرم «مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ»، ولا لمعنى «بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ»
إن اختيار «اسم» زيد للجنين «المُسَمَّى» الذي في بطن أمه، لا يصبح حقيقة إلا بعد ولادته، فإذا سقط الجنين «المُسَمَّى» ومات، لم يعد لـ «الاسم» وجود.
فلا «تستغفلوا» قلوب «الغافلين» ببدعة القرآن وكفى.
# أولًا:
١- إن «نور القرآن» لا تراه القلوب غير العاقلة التي لم تترب على لغته العربية، فتدبر ولا تكن من الغافلين:
«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً – لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
إن «نور القرآن» لا تراه القلوب التي وصفها الله تعالى بقوله:
«وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ:
– لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا
– وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا
– وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا
– أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
– أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»
فاستيقظوا أيها «الْغَافِلُونَ»، وقوموا بتفعيل آليات عمل قلوبكم، آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه …، وقفوا لأصحاب وأتباع بدعة «القرآن وكفى» بالمرصاد العلمي.
هؤلاء الذين بعد أن جئت لهم في منشور «التحدي العلمي للمليارين مسلم المقيمين الصلاة» بدراسة إحصائية عن مادة «الصلاة» في السياق القرآني، خرج أحدهم بتعليق يقول فيه:
«الصلاة المذكورة في القران الكريم ليست حركية بتاتا»!!
٢- إن هجر المسلمين لغة القرآن العربية، كان السبب الرئيس لاختراق شيطان الإلحاد قلوبهم وقلوب أولادهم، فأصبحوا مسلمين بلا «إيمان»، ومنافقين بلا «إسلام».
انظروا حولكم، وعلى أي ملة تزوجون أولادكم، وما البرهان على أنها ملة «الوحدانية» التي قامت عليها «أحكام القرآن»، وأين أنتم من «أحكام القرآن» بعد أن حَكَمَ «ما هو كائن» قلوبكم؟!
إن الذين عاشوا حياتهم يجهلون لغة القرآن العربية بسبب «الآبائية»، أو لأي سبب آخر، وماتوا على ذلك، هؤلاء أمرهم مفوض إلى الله تعالى.
أما المسلمون الذين يعيشون اليوم، وهم من حملة المؤهلات الدراسية بمراحلها المختلفة، ومن الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية، فهم مسؤولون أمام الله عن تعليم أولادهم لغة القرآن العربية.
والسؤال:
لماذا يهتم الآباء بمناهج أبنائهم التعليمية، ويحرصون على متابعتهم ورعايتهم للحصول على أعلى الشهادات العلمية، ويتفاخرون بألسنتهم الأعجمية، من أجل سعادة الدنيا.
ولا يهتمون بموقف أبنائهم من مناهج «القرآن» الإيمانية، ومن التزامهم بأحكام القرآن والتسليم لها تسليما، ويعطون ظهورهم لفصاحة ألسنتهم العربية، ولا يبالون بسعادتهم في الآخرة؟!
٣- ونحن في أزمة كورونا، فإن الذين ينتظرون من محمد مشتهري أن يحدثهم عن التنمية البشرية، وعن التفاؤل والأمل والسعادة والفرح، وعن تزكية القلوب بذكر الله وبنشر «بوستات» الدعاء والتسبيح، هؤلاء يبحثون لهم عن مكان آخر.
ذلك أن من طبيعة النهي عن المنكر أن يصيب الناس بطاقات سلبية لإيقاظهم من غفلتهم ولتغيير ما بأنفسهم، فتدبر:
* «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ»
ـ والسؤال: هل تعلمون من هو الله؟!
* «لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ»
ـ وهل تعلمون حجم النعم التي كانت دول العالم تعيش فيها قبل «جائحة كورونا»، وماذا سيكون عليه اقتصاد العالم إذا شاء الله تعالى أن يرفع هذه الجائحة؟!
* «حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ»
– تعالوا نتخيل ماذا سيكون عليه حال العالم إذا أصاب «فيروس إلكتروني» الأقمار الصناعية وكابلات الفايبر، وشبكات الاتصالات، ووسائل الإعلام المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي، ولم يبق الله للناس غير الطعام والشراب؟!
فتدبر ماذا يقول الله تعالى في موضع آخر:
* «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ – يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ»
* «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ – حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»
ثم تدبر وتفكر وتعقل:
* «وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً – فَلاَ مَرَدَّ لَهُ – وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ»
# ثانيًا:
إن هداية القرآن، والاستمتاع بتدبر آياته، والتسليم لأحكامه، يرجع إلى أساليبه البيانية البلاغية، التي كانت تنطق بها ألسنة العرب، من قبل نزول آياته.
فهل دخلت في «دين الإسلام» بعد أن تعلمت لغة «آيته القرآنية العقلية»، فصدّقت وآمنت بأنها من عند الله؟!
أم ورثت تدينك عن آبائك، وتتصور أنك عندما تقول لله تعالى يوم القيامة: هذا ما وجدت عليه آبائي، سيدخلك الجنة؟!
فإذا سألك ابنك الحافظ للقرآن عن ظهر قلب:
١- يقول الله تعالى، في سياق الحديث عن إيمان سحرة فرعون، وتوعدهم بالعذاب الأليم، وقوله لهم «طه / ٧١»:
«وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ»
أليس الصحيح أن تكون كلمة «على» مكان «في» لتصبح الآية:
«وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ»؟!
فبماذا تجيبه؟!
٢- هل ستقول له ارجع إلى ما تعلمته مني، متى نستخدم حرف «على»، ومتى نستخدم حرف «في»؟!
أم ستقول له لتخرج من هذا الموقف المحرج، إن «في» بمعنى «على»، أي: لأصلبنكم على جذوع النخل، ذلك أن الصلب يكون على الجذع وليس فيها؟!
فماذا لو قال لك:
ولماذا لم يقل الله «على جذوع النخل» طالما أن المعنى واحد، فيخاطب الله الناس بما يعلمونه؟!
٣- أم تقول له: إن كلمة «على» تستخدم للاستعلاء، والمَصْلوب لا يُجعل فوق جذوع النخل، وإنما يُصلب في وسطها، فجاء استخدام «في» في محله البلاغي؟!
٤- أم تقول له: يُشترط في الصلب إحكام وضع المصلوب على جذع النخلة حتى لا يتحرك، وعند إرادة التعبير عن التمكن من الشيء تتعدى الكلمة بـ «في» لإفادة الاستقرار والتمكين؟!
٥- أم تقول له: إن «في» هنا تفيد الظرفية، سواء كان ذلك على وجه الحقيقة أم المجاز، أي تم تشبيه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموجود في وعائه.
لبيان أن المصلوب سيظل على هذا الحال حتى الموت، فكان الجذع بالنسبة له هو قبره الذي دُفن «فيه»، فتدبر.
# ثالثًا:
يجب أن تعلموا أبناءكم، أنه لا يوجد مطلقًا مصدر معرفي حفظ الله عن طريقه «مُسَمّيات» كلمات القرآن وكيفيات أداء ما أجملته آياته من أحكام، غير «منظومة التواصل المعرفي»، والتي تختلف جذريًا عما اصطلح أئمة سلف كل فرقة على تسميته بـ «التواتر العملي» أو «السُنّة العملية».
١- إن كل ما دوّنه المحدّثون من «مرويات السُنّة»، على مستوى الفرق الإسلامية كلها، كان يخضع لوجهات نظر أئمة الحديث، حول تصحيح مرويات الرواة المنسوبة إلى رسول الله وتضعيفها، وقبول أو عدم قبول المكرر منها، بأسانيده المتعددة.
٢- إنه بحر متلاطم الأمواج، لا قرا ر له، لذلك وخلال دراستي لأمهات كتب الأحاديث، لم أعثر على رواية واحدة جاءت بصيغة تشريعية تبيّن كيفية الصلاة وعددها وعدد ركعات كل صلاة، كأن تقول مثلا:
«صلاة الفجر ركعتان، والظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع»
فانظر كم عدد كلمات هذه الرواية، التي كان يمكن أن تُبيّن عدد الصلوات وعدد ركعات كل صلاة؟!
٣- إن كل ما نقله الرواة من «مرويات الصلاة» يُسمى «أخبار استفاضة»، أي كلام عن الصلاة استفاض بين الناس بلا ضابط ولا رابط، الأمر الذي جعل الخلاف بين المذاهب الفقهية حول أحكام الصلاة يُسقطها كلها.
لذلك اختلفوا في صيغ التشهد اختلافًا كبيرًا:
تشهد ابن عباس، وتشهد ابن مسعود، وتشهد لأبي موسى الاشعري، وآخر لجابر بن عبد الله، وتشهد لعبد الله بن عمر، وتشهد للسيدة عائشة، وتشهد لعمر بن الخطاب.
وجميع صيغ التشهد هذه تنتهي بـ «وأن محمدًا عبده ورسوله»، فمن أين جاءت هذه الزيادة:
«اللهم صل على محمد وعلى آل محمد… إلى آخره»؟!
٤- قالوا: إن الرواية التي بيّن فيها الرسول كيفية الصلاة، في نص تشريعي واحد، هي رواية «المسيء في صلاته»، والتي تقول:
«دخل رجل مسجد رسول الله فصلى ثم جاء فسلم على النبي، فرد عليه النبي وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي فرده وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني.
فقال الرسول: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها.
* أقول:
إذا تدبرنا متن هذه الرواية من أوله، استطعنا أن نقف على عدم حجيتها في إثبات تعليم الرسول صحابته الصلاة بـ «القول»، فكيف يقول الرسول للرجل في أول الأمر:
«ارجع فصل فإنك لم تصل»
إلا إذا كان الرسول يعلم علم اليقين أن الرجل قد تعلم كيفية الصلاة من قبل، ولكن مشكلته أنه يسيء في كيفية أدائها، ولذلك سُمّيت الرواية «حديث المسيء في صلاته».
وبصرف النظر عن الإشكاليات الفقهية الكثيرة حول ما ورد في هذه الرواية، والتي جعلت بعض المذاهب لا تشترط قراءة الفاتحة في الصلاة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه:
أين الرواية الأصلية التي تعلم المسلمون بموجبها كيفية الصلاة؟!
والجواب:
لا يوجد مطلقا.
# رابعًا:
حدث خلاف بين طالبين في مدرسة ما بعد صلاة الظهر، وَصَلَ إلى حد التشابك بالأيدي، بسبب ما يُسمى في الفقه بـ:
* «إرسال اليدين في الصلاة»:
أي إرخاء اليدين بحيث لا يرفعهما المصلى على صدره.
* أو يُسمى بـ «القبض»:
وهو وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر.
* أو بـ «التكفير»:
وهو مصطلح الفقه الشيعي، مأخوذ من معنى الستر والتغطية، باعتبار أن المصلي يستر يده اليسرى باليمنى.
١- اختلفت مذاهب الفرق الإسلامية حول مسألة وضع اليدين في الصلاة اختلافًا كبيرًا، وصل إلى حد إبطال صلاة المخالف لمذهبه.
فجمهور فقهاء المذاهب الحنفية والشافعية والحنابلة يرى وجوب «القبض»، أي وضع اليد اليمنى على اليسرى.
وذهب بعض المالكية إلى كراهية «القبض» والبعض إلى حرمة الإتيان به وبطلان الصلاة معه.
أما فقهاء الشيعة فذهبوا إلى تحريم «القبض» وبطلان الصلاة.
٢- ويرجع سبب الخلاف الفقهي إلى وجهات نظر علماء الحديث وفقهاء المذاهب، فيما يتعلق بصحة أو عدم صحة المرويات التي جاءت في هذه المسألة.
وهذا ما تبين من التحقيق مع الطالبين، أن أحدهما تربى منذ طفولته على مذهب والده «المالكي» ويؤمن أن «الإرسال» هو السنة النبوية الصحيحة، والآخر تربى على مذهب والده «الشافعي» ويؤمن أن «القبض» هو السنة النبوية الصحيحة.
٣- إن سبب الاختلاف حول كيفية أداء المسلمين لأحكام الصلاة، يرجع إلى ما وجدوا عليه آباءهم من «تواتر عملي» كلٌ حسب المذهب الفقهي المتبع.
أما التوجه «نحو إسلام الرسول» فلا يؤمن مطلقا بما اصطلحت المذاهب الفقهية على تسميته بـ «التواتر العملي»، الذي هو في حقيقته «تواتر مذهبي» ولا علاقة له مطلقا بما أسميه بـ «منظومة التواصل المعرفي».
٤- إن حجية «منظومة التواصل المعرفي» تقوم عندما تتواصل حلقات كيفية أداء «الحكم الذي أجمله القرآن» منذ عصر التنزيل وإلى يومنا هذا، دون أي خلاف بين المسلمين جميعًا في أداء هذه الكيفية.
فإذا حدث خلاف بين المسلمين حول الكيفية، تصبح مسألة الخلاف «مباحة» وليست «فرضًا»، بشرط ألا تخالف أصلًا من أصول الإيمان، أو مقصدا من مقاصد القرآن.
* تذكر:
١- أنا حديثي عن «ما يجب أن يكون»، أما «ما هو كائن» فتدبر:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
٢- أن الله لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ قبل إقراره بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله محمد، والموجودة بين يديه كلٌ في عصره.
محمد السعيد مشتهري