لقد أرسل لي أحد الأصدقاء رابطا لموضوع كتبه «أحمد طارق» في ١٧/ ٢/ ٢٠٢٠، وأعجب به «١٤٧» شخص، ليقول لي أن أسلوبك الغليظ وعدم دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة هما السبب في هجر الناس صفحتك. وهذا هو موضوع المنشور:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا (170)(البقرة)
عندما تصبح الأعراف والعادات والتقاليد هي المسيرة للناس وهي الشرع الذي يتمسكون به، وإذا حاولت ردها إلى جادة الصواب وسبيل الهدى تواجه عادة بالاستنكار الشديد مرددات مقولة بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا.. وهذا التقليد للباطل من أعظم أسباب التمرد على الحق وعدم الإستجابة له، وهو الإحتجاج بما كان عليه الآباء والأجداد والرؤساء والكبراء وسائر أفراد المجتمع.. وما ورثوه من عادات عنهم. وقد بين الله في عديد الآيات خطأ من لا يتبع ما أنزل الله وأتبع الآباء :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا (170)(البقرة)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا (78)(يونس)
كان التحرر من الآبائية والدعوة للتجديد من أهم الأمور التي بعث من أجلها الرسول في مكة، كان أهلها يعبدون الأوثان فحاربوه بحجة أن ما جاء به يتعارض مع ما تعودوه وألفوه من العبادة التي وجدوا عليها آباءهم وأجدادهم :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (104)(المائدة)
ويخبرنا القرآن الكريم في تاريخ الرسالات السابقة أن هذه الآبائية مرض مزمن عرفته البشرية منذ زمن بعيد، فكان الناس كلما جاءهم رسول رفضوا دعوته وحاربوه والحجة دائماً هي نفس الحجة:
أجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا (70)(الأعراف)
وبما أن الآبائية مرض يوقف الحياة عند زمن مضى ،زمن الآباء.. فقد كان علاج هذا المرض هدفاً مركزياً من أهداف القرآن الكريم الذي أعلن حرباً شعواء على الآبائية في آيات كثيرة لأن الآبائية تقوم على التقليد الأعمى واعتقاد الصواب المطلق في تراث الآباء والأجداد، وترفع هذا التراث إلى مرتبة العصمة والقداسة، ولهذه الأسباب تكررت إدانة القرآن الكريم للآبائية وحذر من التوقف عند تراث السابقين مهما اعتقدنا فيهم العلم والإخلاص والتقوى لكي يظل المجتمع نابضاً بالحياة ويظل الدين على نقائه الأول فلا يختلط بعمل البشر كما حدث في الرسالات السابقة، التي اختلط فيها الوحي المعصوم بالعمل البشري غير المعصوم فانحرف الناس.. وليس تراثنا الإسلامي بمنأى عن هذا المرض فتراثنا أيضا عمل بشري معرض لما يتعرض له كل عمل بشري من خطأ أو سهو أو غلو أو سوء تأويل.. وهذا ما يوجب إعادة النظر فيه ما بين فترة وأخرى، وهذا ما يوجب علينا العمل على تجديده وتحريره مما يلحق به مع مرور الزمن من علل تتعارض مع أصوله ومقاصده بدعوى الآبائية والظن الذي من أسوأ الأمراض التي إذا خالطت العقل أعمته عن رؤية الحق، ولهذا نجد القرآن قد حفلا بالنصوص التي تحذر من الظن احتراماً للعقل وحماية له من الضلال والهلاك :
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (36)(يونس)
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)(الأنعام)
فالظن مرذول لأنه لا يستند إلى برهان، والحديث الحق والذي ينبغي أن نؤمن به فقط هو حديث الله وآياته :
((فَبِأَي)) حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ ((وَآيَاتِه)) يُؤْمِنُونَ (6)(الجاثية)
هذه الآية من سورة الجاثية واضحة تدعوا الجميع أن لا يؤمنوا (بأي) حديث بعد حديث الله وآياته.. والرسول يطاع ويتبع في الآيات:
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا ((رَسُولًا)) ((فَنَتَّبِعَ)) ((آيَاتِكَ)) مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)(طه)
وبهذا قد خالف الآباء ما أمرهم وأمرنا به رب العزة :
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً (114)(الانعام)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)(الشورى)
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ (48)(المائدة)
وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ (49)(المائدة)
* أقول:
ما الذي كتبه «أحمد طارق» يختلف عما كتبة «محمد مشتهري» في كتابه عن «فتنة الآبائية» ويكتبه في مقالاته إلى يومنا هذا؟!
ولكن:
اطلبوا من «أحمد طارق» أن يخاطب المسلمين بالالتزام بـ «ما يجب أن يكون»، وأنهم إذا أصروا على التمسك بـ «ما هو كائن» سيموتون مشركين، وانظروا وقتها إلى عدد المعجبين!!
أما هذا الكلام الإنشائي المرسل، الموجود في كتب التفاسير، والذي يستقطع الآيات من سياقاتها، دون إسقاطه على واقع المسلمين، فهو فعلا الذي يحصد مئات المعجبين.
حقا:
«إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»